بهمة وإصرار كبير تنقل الثلاثينية السورية كريمة الشيخ الإسمنت والحصى من الأرض إلى مكبس صناعة الطوب مستخدمة عصا الكريك، قبل الضغط على المكبس وإخراج قالب الطوب ورصفه مع أقرانه، في مشهد غير مألوف لامرأة في سوريا التي مزقتها الحرب وأنهك سكانها الغلاء ونقص المؤن.
على أطراف مخيم الجامعة في ريف إدلب شمال سوريا؛ تلاحق نظرات العابرين النازحة الشيخ وهي تتشارك العمل مع بضعة شبان سوريين في هذه المنشأة الصغيرة لصناعة طوب البناء، لكنها لا تلق بالا لتلك النظرات الفضولية التي لم تعتد أن ترى امرأة عاملة في مهنة شاقة ومضنية على الرجال.
العمل القاسي
منذ الصباح الباكر تغادر الشيخ خيمتها بعد الاطمئنان على أطفالها وتحضير الطعام لهم، حاملة عدة العمل، فهي اليوم المعيل الوحيد لهذه الأسرة الفقيرة بعد أن اعتقل النظام السوري زوجها قبل عدة سنوات وانقطعت أخباره، لذا تكافح هذه السيدة في العمل غير مكترثة بنظرات السكان.
الشيخ وأطفالها الستة -كما السوريون في شمال البلاد- يجمعهم النزوح وحالة الفقر، فمنذ أن نزحت من بلدتها جنوب إدلب وصلت إلى المخيم المكتظ، وهنا أجبرتها الظروف على هذا العمل القاسي كي تتحصل على مبلغ مالي تشتري به خيمة تنصبها داخل المخيم.
العمل شرف
“هذا العمل بالنسبة للرجال صعب جدا، فتخيل مدى صعوبته بالنسبة لي وللنساء. يسألونني كيف تتحملين مشقة هذا العمل، إنه عمل صعب للغاية، أجيبهم أنني اعتدت هذا العمل، وأصبح حالي مثل الرجال، بعض الرجال قالوا لي نحن لا نستطيع تحمل مشقة هذا العمل”، تقول الشيخ.
وتضيف الشيخ في حديث للجزيرة نت أن عملها الشاق الذي يعجز عنه الرجال هو شرف لها ويشعرها بالسعادة لا سيما أنها تعمل لتأمين قوت أطفالها الذين ينتظرونها في الخيمة، وترى أن ذلك أفضل من انتظار المعونات وأعطيات المحسنين.
تحصل السورية الثلاثينية على أجر أسبوعي يقارب 120 ليرة تركية (حوالي 8.65 دولار)، وهو مبلغ تقول إنه بالكاد يكفي لشراء الخبز وبعض الخضار عدة أيام، أما الفواكه واللحوم فلم يتذوق أطفالها طعمها منذ سنوات وأصبح أقصى أحلامهم الحصول على القليل منها.
هامش الحياة
تشتكي الشيخ من غياب المساعدات الإنسانية ونقص الدعم، وتعاني أسرتها من البرد القارس مع حلول فصل الشتاء في سوريا، فرغم حصولها على مدفئة بدائية تعمل على الحطب إلا أنها عاجزة على شراء ما يكفي لأشهر الشتاء القاسية.
وحالة الشيخ في مخيمات الشمال السوري هي حال آلاف الأسر التي تواجه الشتاء القاسي دون تدفئة، إذ يلجأ الأهالي إلى إشعال المدافئ -إن توفرت- ببقايا الملابس والأغصان اليابسة وعلب الكرتون.
وعلى هامش الحياة تستكمل الشيخ الكفاح في سبيل أسرتها، فيما يشاركها هذا الحال المحزن أكثر من 4 آلاف و600 امرأة سورية فاقدات للمعيل، وفق تقرير حقوقي لفريق “منسقو استجابة سوريا” صدر في ديسمبر/كانون الأول الماضي عن التركيبة السكانية شمال غربي سوريا.
عبء الإعالة
ويضيف التقرير أن عدد النساء السوريات اللاتي يعشن في المخيمات حوالي 328 ألفا و673 امرأة نازحة منهن 10 آلاف و809 نساء أرامل.
فيما تحدث تقرير للشبكة السورية لحقوق الإنسان أن النزاع المسلح الداخلي فرض على السوريات تغييرا ثقيلا، فقد تسببت الحصيلة المرتفعة من حيث القتل والاختفاء بحق الرجال في المجتمع، في انتقال عبء إضافي إلى المرأة.
ويشير التقرير إلى أن نسبة الأُسر التي تعيلها السيدات ارتفعت مؤخرا، وبالتالي لعبت السوريات دورا جديدا يُضاف إلى أدوارهن الاعتيادية، وخضعن بالتالي إلى ظروف مركبة يصعب التأقلم معها لأنها تفوق في كثير من الأحيان قدراتهن وإمكاناتهن المادية والمعنوية.
عمر يوسف _ الجزيرة نت