العنف ضد المرأة هو أكثر انتهاكات حقوق الإنسان شيوعا، وتشير العديد من تقارير المنظمات الحقوقية المحلية والدولية، أن المرأة لا تزال تتعرض لانتهاكات في الدول المتقدمة والنامية على حد سواء، وإن اختلفت في نوعها وحجمها من بلد الى آخر حسب الأعراف والتقاليد المتعارف عليها في كل دولة على حدى.وتُعرّف المادة الأولى من اتفاقية “مناهضة كافة أشكال التمييز ضد المرأة” (سيداو)، التمييز ضد المرأة، بأنه أي تفرقة أو استبعاد أو تقييد يتم على أساس الجنس ويكون من آثاره وأعراضه النيل من الاعتراف للمرأة، على أساس تساوي الرجل والمرأة بحقوق الإنسان والحريات الأساسية في الميادين السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والمدنية أو أي ميدان آخر، أو إبطال الاعتراف للمرأة بهذه الحقوق أو تمتعها بها وممارستها لها، بغض النظر عن حالتها الزوجية.
أسباب الانتهاكات ضد المرأة في سوريا
تعتبر الحرب في سوريا، والدائر منذ آذار/مارس2011، أحد أبرز أسباب الانتهاكات التي تتعرض لها المرأة في سوريا، حيث كان للمرأة دور في الحراك الشعبي في بلدات ومدن سورية ضد الحكومة السورية.
من جهة ثانية، أدت الحرب إلى تدهور الوضع الاقتصادي، وتشير الدراسات الاقتصادية إلى أن نحو 90 بالمئة من السوريين يعيشون تحت خط الفقر. حالة الفقر هذه وحالة اللجوء والنزوح من المدن والقرى أدت إلى ظهور أنماط جديدة من الانتهاكات ضد المرأة لم تكن سائدة من قبل في المجتمع السوري، وإن كانت موجودة فقد كانت تشكل حالات فردية محدودة. أبرز تلك الأنماط كانت تتمثل في ظاهرة تزويج القاصرات، و نشوء عمالة نسائية بشكل ينتهك إنسانية المرأة، وإبعادهن عن التعليم نتيجة الأزمة الحالية وتزويجهن تحت السن القانوني، فضلا عن نتوج نسبة عالية من حالات الطلاق.
الانتهاكات في سجون الحكومة السورية
تستخدم قوات الحكومة السورية وأجهزتها الأمنية العنف الجنسي ضد الرجال والنساء والأطفال في مراكز الاحتجاز، ويعتبر العنف الجنسي سلاحا رهيبا يستخدم كأحد أساليب التعذيب ضد النساء المحتجزات، و تستخدم هذه الوسيلة بشكل ممنهج من قبل القوات الحكومية لإذلال النساء وإهانتهن دون أي رادع أو عقوبة على ارتكاب مثل هذه الأفعال، حيث تتعرض معظم النساء للتهديد بالاغتصاب بشكل مباشر أو غير مباشر إضافة للتحرش الجنسي من خلال لمس أجسادهن، والتلفظ بألفاظ جنسية بذيئة بحقهن.
وتشير معظم المعلومات الصادرة عن حقوقيين مختصين بأوضاع المعتقلين في سوريا، ومنظمات حقوقية مختصة إلى أن الانتهاكات الجنسية على مختلف أنواعها لا تزال مستمرة في سجون الحكومة السورية، ومراكز الاحتجاز غير النظامية منذ العام 2011.
فيما تؤكد العديد من المعلومات من الناجيات من الاعتقال، أن عمليات التحرش الجنسي لا تزال مستمرة في “الفرع 215” أو ما يعرف بـ “سرية المداهمة” التابعة لـ “شعبة المخابرات العسكرية”.
كما يعتبر ما يسمى “فرع فلسطين”، في الفترة ما بين 2011 و 2013 هو الأسوأ من حيث الانتهاكات الجنسية، وبلوغها درجة السادية من قبل الضباط والعناصر، فقد مورست أساليب مختلفة في قسوتها وبشاعتها من الناحية الجنسية مع المعتقلات، حتى افتضح أمر هذا الفرع من خلال حملات المناصرة التي قامت بها المنظمات الحقوقية والإعلامية، والذي أدى بعد العام 2014 لتغيير في التعامل مع المعتقلات، حيث انخفضت الانتهاكات الجنسية فيه بشكل كبير خاصة بعد وضع كاميرات للمراقبة في الزنزانات والممرات وغرف التحقيق.
حالات العنف الجنسي لا يمكن إحصاؤها
تشير “الشبكة السورية لحقوق الإنسان” في تقريرها الصادر في آذار/مارس من عام 2021، أن قرابة 8029 امرأة سورية لا يزلن قيد الاعتقال والاختفاء القسري في مراكز الاحتجاز التابعة للحكومة السورية، منذ آذار/مارس 2011.
كما تم تسجيل 8013 حالة عنف جنسي تم ارتكابها من قبل القوات الأمنية التابعة لدمشق، بينها 879 حالة داخل مراكز الاحتجاز في الفروع الأمنية، ووقعت هذه الحالات بين آذار/مارس 2011، وآذار/مارس 2021.
وتعتبر هذه الإحصاءات تقريبية، إذ لا يمكن معرفة أعداد النساء اللواتي تعرضن لعنف وانتهاكات جنسية على وجه الدقة، فهناك الكثير من هؤلاء النساء يرفضن الحديث عن ذلك، وينكرن تعرضهن لهذا النوع من الانتهاكات، بسبب نظرة المجتمع، حيث يعتبرن أن عقوبة المجتمع لا تقل سوءا عما لاقينه في سجون الحكومة السورية.
“جرائم الشرف” الوجه الاجتماعي لانتهاكات حقوق المرأة
ما يسمى بـ “جرائم الشرف”، هي جرائم قتل يتم ارتكابها من قبل أحد أفراد أسرة ما من الذكور، بحق امرأة أو فتاة، من نفس الأسرة، لأسباب تتعلق بارتكابها عملا ما يخل بصورة العائلة وفق العادات والتقاليد الاجتماعية، كالزنا أو إقامة علاقات غير شرعية، وأحيانا لمجرد الشبهة، من أجل ما يسمى بـ “الحفاظ على الشرف” بالطريقة المسماة “غسل العار”.
لم يرد في قانون العقوبات السوري ما يسمى بـ”جرائم الشرف”، بل سميت بجرائم الاعتداء على العرض، ونص عليها في المواد 489 – 507، وقد راعى المشرع السوري عند تنظيمه لأحكام هذه الجرائم أن يكفل الحق للمجتمع في صيانة العرض، ومصدر أهمية هذا الحق أنه تجسيد قانوني لشعور طبيعي موجود لدى كل فرد وهو الشعور بالحياء.
تم تبرير كل أنواع التخفيف، والإعفاء من العقوبة في بعض الأحيان بما أطلق عليه الدافع الشريف، والذي عرفه الاجتهاد القضائي بأنه “عاطفة نفسية جامحة تسوق الفاعل إلى ارتكاب جريمته، تحت تأثير فكرة مقدسة لديه، قوامها غسل العار الذي ألحقته الضحية به وبعائلته”.
لكن في بداية عام 2011، صدر المرسوم التشريعي رقم 1، والذي تم بموجبه تعديل بعض المواد في قانون العقوبات الخاصة بجرائم الشرف، حيث تم استبدال المادة 548، بمادة أخرى، نصت على رفع عقوبة مرتكبي جرائم الشرف الحبس من سنتين كحد أقصى، إلى سبع سنوات.
ولكن هذا التعديل في ذلك الوقت لم يمس نص المادة الأساسي، والذي يمنح الرجال حق القتل بشكل أو بآخر، بدلا من إلغاء المادة بشكل نهائي، أو تشديد العقوبة لدرجة تجعل من يريد ارتكاب هذه الجريمة يتردد كثيرا قبل إقدامه عليها، ولم يتمكن المشرع بذلك من حماية المرأة من هذه الجريمة.
في حين قد ازدادت جرائم الشرف بعد العام 2011، بشكل لافت، وسبّب ذلك يعود إلى الفوضى الكبيرة في سوريا، ووجود العديد من سلطات الأمر الواقع، التي ترفض التدخل ومحاسبة مرتكبي هذه الجرائم، كما زادت أيضا في مناطق سيطرة الحكومة السورية، بسبب ضعف أداء الأجهزة الجنائية والقضائية المختصة.
أنواع مختلفة من الانتهاكات التي تعرضت لها المرأة في سوريا، حيث اختلطت بين انتهاكات من السلطات السورية وأجهزتها الأمنية، وبين انتهاكات اجتماعية وأسرية، دون أن يكون هناك أي قوانين رادعة تحفظ حقوق المرأة السورية التي تعتبر الضحية الأبرز في كل الفوضى الموجودة على الأرض السورية.
عاصم الزعبي _ الحل نت