عادة ما يكون مثل هذا العنوان مثيراً للسخرية، نظراً لأنه مرتبط بذاكرة كثير من السوريين بنوع من الكتب التي كنا نجدها على بسطات الحلبوني أو في شارع النصر بدمشق، من مثل كيف تتعلم الإنكليزية في خمسة أيام؟ أو كيف تمتلك قلب فتاة في ثلاثة أيام؟ ومداعبة لأوهام عابري الطريق الذين يريدون منجزاً كبيراً وسريعاً في وقت قصير، دون حسابات الخطة واختلاف قدرات التعلم، خاصة أنَّ إدراك اللغة غير ممكن في خمسة أيام، في الوقت نفسه لا يمكن إنكار أن كتب تعلم اللغة تلك فيها معلومات، قد تفيدك في التواصل البسيط، وقد تصلح لمسافر إلى دولة أخرى قبل عهد الإنترنت.
سؤالنا: كيف تصبح هولندياً في ستة أعوام؟
الهدف منه مشاركة المعرفة، خاصة أنه من حق كل إنسان البحث عن أمان معيشي ونفسي وجسدي، دون تردد. وهناك عدد من النقاط التي من المهم أن يتعرف إليها الراغب بالحصول على الجنسية الهولندية، قبل أن يشدّ الرحال أو يدخل عالم المهربين الموجِع، كي يصل إلى دولة تضمن له حياة آمنة كريمة.
أولاً: لا أحد يمكن أن يقدم لك شيئاً قبل أن تحط رحالك في هولندا، ولا سبيل للوصول إليها غير طريق التهريب. ومن المهم التنبه إلى أن سبب منح السوريين الإقامة المؤقتة في هولندا لمدة خمس سنوات، ثم الإقامة الدائمة كمقدمة لمنح الجنسية ليس إكراماً لعيونهم لأنهم سوريون فحسب، بل لأن بلدك غير آمن، فإنْ كان لديك إقامة أو عمل في بلد آخر فإن الإجراءات ستتعقد. وقانوناً لا يسمح لك بالمغادرة أكثر من ستة أشهر خلال فترة الإقامة المؤقتة (5 سنوات)، كي لا تفقد علّة منحك الإقامة. على أرض الواقع ثمة الكثير من غض النظر في هذا الموضوع.
وعوامل منح الإقامة في هولندا تكون لسبب سياسي (من تعرضوا لاعتقال أو اضطهاد) أو إنساني (الحرب أو الجوع) أو عرقي أو قومي (الكرد مثلاً) أو جنسي ( الهومو من إيران خاصة) أو ديني (الايغور)، أما السوريون واليمنيون والليبيون والأريتيريون والصوماليون فيمنحون الإقامة مباشرة، ومؤخراً الأتراك كذلك.
ثانياً: إجراءات الحصول على الإقامة ولمّ الشمل وتخصيصك ببيت تتراوح بين ستة أشهر وسنة، تبعاً لتوفر الشواغر والازدحام، والحظ أحياناً، فإنْ كنت من المستعجلين فلن يفيدك ذلك بشيء، هذا بلد لا يخلو من بيروقراطية وبطء كي يكون المنجز دقيقاً، وكونه غير مستعجل على شيء، فقد أنجز بنيته التحتية منذ نصف قرن ونيف، ولا مكان للواسطات أو الرّشا فيه (غالباً)، وستعيش هذه الشهور من عمرك في المخيمات، وهي مخيمات بالاسم لكنها غرف نظامية مخدَّمة، قد تعيش مع أشخاص لا ترغب بالعيش معهم لذلك من المهم التحلي بالمرونة والصبر، طبعاً يمكنك أن تستأجر وتأتي للتوقيع أسبوعياً، بانتظار انتهاء إجراءاتك القانونية وحصولك على البيت. وبعد خروجك من مرحلة الكامب إلى مرحلة البلدية ستحصل على فترة نحو ثلاث سنوات للتأهيل اللغوي والاندماجي والحصول على فرصة عمل، وتحصل إبان ذلك على مساعدة اجتماعية نحو 1100 يورو للفرد، ونحو 2000 للعائلة شهرياً أما في فترة الكامب فتحصل على نحو 60 يورو أسبوعياً، إضافة إلى قرض غير مسترجع هو 10 آلاف يورو لدراسة اللغة، ويتخلل ذلك تفاصيل ومرتجعات تتولاها هيئة رعاية اللاجئين، التي تخصص لكل شخص مشرفاً ومحامياً، وقد تمنح قروضاً أو مكافآت أو مساعدة أسبوعية من بنك الطعام، تبعاً لظرفك ومدينتك وأحياناً حظك، في الأحوال كلها ستكون لديك الكفايات الأساسية والبيت الملائم بشخص يعيش في أوروبا.
ثالثاً: تتولى منظمات المجتمع المدني والأجهزة الحكومية كل تفاصيل اللاجئ منذ لحظة وصوله، والفروق بين اللاجئين الذين لديهم عوائل هنا أو أصدقاء، ومن لا أحد له في هذه البلاد، طفيفةٌ جداً، وغالباً ما يكتفي معارفك بنصحك فحسب، لكن “الخبراء” في المخيمات المؤقتة لديهم خبرة أكثر من المواطنين الهولنديين بقضايا اللجوء، لأنَّ هذا شأنهم اليومي، ولو كان من معارفك الملك أو رئيس الوزراء فلن يزيد أو ينقص من حقوقك شيئاً.
أول وصولك تحصل على رقم وطني يغدو هو وعنوانك ومواليدك المرجعية لك في كل شيء. أما بالنسبة لاسم أمك وأبيك فلا يثبَّت في أي من وثائقك الشخصية
رابعاً: هولندا ليست بلد الفرص الكبيرة، والنجاح السريع وتحقيق الأحلام الكبرى، لكنها البلد الناعم، الهادئ. والهولنديون عامة غير عنصريين، ومن السهل التواصل معهم لأنهم شعب لطيف عامة، وكذلك يتحدثون الإنكليزية، ولا توجد لديهم عقدة اللغة القومية. وهولندا بلد “السيستيم والديجتال”، لكن لا يوجد هنا (سيستيم يوك) طبعاً، السيستم هنا في خدمة المواطن وتسهيل أموره، ويحفظ المواعيد والحقوق المتساوية، ويضمن الجودة، والمراقبة، ويكاد اللاجئ ينجز معظم أوراقه عبر الأونلاين، عليك أن تهّيئ نفسك لذلك.
خامساً: هولندا خير مثال للفردانية المعززة بأنظمة البلد وقوانينه، أول وصولك تحصل على رقم وطني يغدو هو وعنوانك ومواليدك المرجعية لك في كل شيء. أما بالنسبة لاسم أمك وأبيك فلا يثبَّت في أي من وثائقك الشخصية. أنت رقم من أرقام هذه البلاد الجديدة، لكنك رقمٌ بحقوق وواجبات ورعاية واهتمام وقوانين وأنظمة واحترام، لذلك ليس من مهامك التدخل بلباس الناس أو طرائق حياتهم، ولا علاقة لك بمفاهيم (يجوز ولا يجوز) عليك بنفسك ضمن القوانين النافذة. هذه دولة مدنية عمادها القانون وقيم العدالة والمساواة والالتزام، فإن كان لديك طموحات دعوية دينية أو أوهام خاصة في مفاهيم المجتمعات والعلاقة مع البشر فليست هي المكان المثل لمثل هذا النوع من الطموحات.
سادساً: لا يحتاج هذا البلد غالباً إلى شهاداتك أو دراساتك أو تجاربك السابقة، لديه طريقته وفهمه المختلف، وكلما كانت السيرة الذاتية الخاصة بك ممتلئة بالخبرات زادت صعوبات حصولك على فرصة، لذلك الشباب ومن هم تحت سن الثلاثين فرصهم أكثر بكثير ممن هم أكبر سناً، هذا بلد إنتاج أكثر من 80 في المئة ممن يحصلون على البكالوريا يذهبون إلى التعليم المهني أو المعاهد العليا، في الوقت نفسه هناك شواغر الآن لنصف مليون فرصة عمل، هيئ نفسك لبداية جديدة في مجال آخر تحتاجه هذه البلاد بخاصة مجالات الرعاية الصحية والمهن الخدمية في بلد فيه أكثر من ثلاثة ملايين في سن التقاعد، ومعدل أعمار سكانه 80 عاماً.
لستَ بحاجة إلى واسطة أو رشوة، القانون والسيستم ومنظمات المجتمع المدني والبلدية هم أهلك وناسك وأمك وأبوك، والتصفيق والشعارات والتملق غير مرحب به
سابعاً: تحملك هولندا على أكفّ الراحة، إنْ كنتَ ملتزماً بقوانينها وقيمها، ولا تتدخَّل بشؤونك الفردية، لكن في الوقت نفسه لا يُسْمَحُ لك بإزعاج الآخرين، ويجب أن تنتبه إلى أن البشر هاهنا متساوون في الحقوق والواجبات، فإن كان لديك عادات سلبية أو مفاهيم خاصة تجاه المرأة أو الطفل أو القادمين من أفريقيا فعليك أن تتخلى عنها مسبقاً، لأن معظم سكان هولندا يتعاطفون مع الضحايا.
ثامناً: الحصول على الجنسية آخر المطاف حق لجميع من يحصل على الإقامة المؤقتة ثم الدائمة، وتتم تلك الإجراءات في حد أقصاه ست سنوات وأقله خمس سنوات وثلاثة أشهر، لستَ بحاجة إلى واسطة أو رشوة، القانون والسيستم ومنظمات المجتمع المدني والبلدية هم أهلك وناسك وأمك وأبوك، والتصفيق والشعارات والتملق غير مرحب به، إنْ كنتَ بوجه واحد وعبَّرْتَ عن رأيك بكل صراحة تنل كل احترام وتقدير.
تاسعاً: هذا بلد لا يحب أن يجمع مواطنوه المال، خاصة (الكاش) نتيجة خوفهم، أو طموحهم للتملك. ونعلم جميعاً أن المال شرقياً يجُمع لعدة أسباب: الحصول على بيت، تزويج الأولاد، تحسباً لعمل جراحي، الاعتزاز والافتخار، أو خشية اعتقال أمني، عدم الشعور بالأمان، أو رغبة بالزواج الثاني.
هذا بلد يؤمِّن بيتاً لكل مواطن. والأولاد أولادُك فيزيولوجياً، لكنهم أولاد البلدية من حيث الرعاية والمتابعة. ومشافيه أشبه بصالات الفنون التشكيلية أناقة وترتيباً وإنسانية ويتكفل التأمين بأي عملية مهما كانت كلفتها. ولا اعتزاز أو افتخار فيه بل إن الألقاب لا تستعمل، وينظر إليك بأنك تخالف قيم المجتمع إنْ استعملتها، والسجون تُغْلَقُ أولاً بأول لأن دوافع الجريمة شبه ملغية بعد تأمين الكفايات الأساسية لمواطنيه، والشعور بالأمان يسكن روحك، أما الزواج الثاني فممنوع تثبيته قانوناً.
عاشراً: هل أنصحُ شخصياً السوريين باللجوء إلى هولندا للحصول على الجنسية لاحقاً؟ أقول: نعم، دون تردد، كلُّ من لا يشعر بالأمان المعيشي أو الأمني أو النفسي، أو ينهش الخوف روحه، كل من يعاني من مرض، عليه ألا يتردد بمحاولة الوصول إلى هولندا. وإنْ كان هناك دعاة للأديان، أو الإيديولوجيات، فإنني شخصياً داعيةٌ للشعور بالأمان، فهو أحد أهمّ الحقوق الرئيسية للإنسان، ومادام ذلك مفقوداً في بلدك الأم، أو بلد الإقامة المؤقت، فلا تتردّدْ بالسعي للحصول على الأمان وأنت بذلك تطبِّق بنداً من بنود حقوق الإنسان، التي نصت عليها قرارات الأمم المتحدة.
أحمد جاسم الحسين _ تلفزيون سوريا