إنّ وجود الروس والأميركان والإيرانيين وإسرائيل وميليشيا حسن نصر الله على الأراضي السورية، كجهات تدخل وفرض قرار على الأرض، وحرص هذه الأطراف على الإبقاء على بشار الأسد في موقع السلطة الرمزي في دمشق، لا يعني غير أنه يخدم الجميع ووجوده لا يضر بمصالح أيٍ من هذه الأطراف.
الخدمة الأولى والأهم التي يقدمها بشار لإسرائيل تأتي من حيث كونه ماكينة سحق وإبادة وتهجير للشعب السوري وجيشه النظامي، على حد سواء، وهذا ما لم تحلم بتحقيقه إسرائيل يوماً بجهدها، من حيث كون سوريا دولة مواجهة رفض شعبها ويرفض التطبيع معها.
أما خدمته لإيران فتأتي من كون حربه على الشعب السوري قد منحتها الفرصة الذهبية في تنفيذ مشروعها التوسعي المذهبي، من حيث إن نظام بشار الأسد قد حوّل ثورة الشعب السوري، على دكتاتوريته واستبداده، إلى حرب مذهبية ضد الأغلبية الاجتماعية السورية، تحت ستار إنها ثارت عليه لأنه يمثل أقلية مذهبية في النسيج الاجتماعي السوري، وبالتالي فإنها ليست سوى حرب طائفية لتصفية الطائفة الصغيرة التي يحكم باسمها. وبهذا فإنه قدم لإيران الفرصة، التي طالما حلمت بها، من أجل التمدد في سوريا عبر مشروعها الطائفي الذي استهدف الخارطة الاجتماعية والديمغرافية لسوريا، بتهجير سكان مناطق الوسط والشمال السوريين، وزرع تجمعات مذهبية مصطنعة في مدنها وقراها، مع جهد حثيث لدعمها بحرب لنبش القبور التاريخية لرموز الدولة الأموية وبناء المقامات والمزارات المذهبية المرتجلة، من أجل دفع تلك التجمعات للتمسك بتلك الأراضي تحت سطوة هيمنة الرموز المذهبية عليها، رغم أن النسبة الأعظم من هذه التجمعات هو من أفراد الميليشيات التي جاءت بها من الخارج وليس من السوريين.
أما روسيا التي طالما حلمت (ومن حقب بعيدة سبقت وجود بوتين في السلطة) بموضع قدم على ساحل البحر المتوسط، فقد حقق لها بشار هذا الحلم، بعد ما بلغت حدود اليأس من تحقيقه، في ساعة واحدة؛ لذا فإنها على استعداد للقتال من أجل بقاء بشار الأسد في موقع السلطة، وليس فقط الدفاع عنه، لأنها تعرف تماماً أن الشعب السوري لن يصبر يوماً واحداً على احتلال روسيا لموانئه ومطاراته وأراضي ساحله البحري، فيما لو ذهب بشار الأسد.
أما الوجود الأميركي، والذي تحرص الإدارة والبروباغندا الأميركيتان على إبقائه في موضع التعمية وعدم التصنيف أو التسمية، فهو لا يقل حرصاً، من الأطراف السابقة، على بقاء بشار، كدمية قش، على عرشه الكرتوني، لأن وجودها مرتبط باستمرار وجوده، وخاصة أنها صارت متأكدة، (بحكم تجربة تدخلاتها العسكرية الطويلة في فيتنام وأفغانستان والعراق) أنها لن تقوى على الصمود أمام حرب تحرير وطنية، سيخوضها الشعب السوري بالقطع، وضد جميع الأطراف، فيما لو سقط بشار وتحول القرار إلى إرادته، وخاصة إن جروح هزيمتيها، في أفغانستان والعراق، مازالت مفتوحة وتتجرع مرارة الذل منها.
إذن الكل حريص على بقاء بشار الأسد في موقع السلطة، بل ويعمل على ديمومته، رغم تقاطع وتضارب توجهات وأهداف كل دولة من هذه الدول وسعيها إلى تحجيم دور وإزاحة منافسيها على الغنيمة السورية، ولكن من دون السماح لهذه المنافسة بلوغ حد الاصطدام العسكري والأمني المباشر، لأن الجميع يعرف تماماً أن الاصطدام المباشر إنما سيكون ثمنه (رمانة الميزان) أو من فتح له باب التدخل والوجود على الأراضي السورية.. بشار الأسد.
ولكن، وفي الحساب التقييمي، المباشر وبعيد المدى، يبقى التدخل الإيراني هو الأخطر والأمضى أثراً، لأنه يستند إلى قاعدة المشاعر الدينية – المذهبية التي تُكرس لقواعد نفسية، عمادها الضغائن والأحقاد الطائفية، وخاصة أنها – إيران، وعبر تجاربها التوسعية المذهبية وفي منهجها في تشيعها – تربط هذه الضغائن والأحقاد بالرموز والمزارات الروحية – الطائفية، كي تحولها إلى وجبات دينية مقدسة، تستحق القتال والموت من أجلها، حتى لو عرف أتباع تشيعها أن تلك المزارات والمقامات مختلقة وغير حقيقية.
أما التدخلان الروسي والأميركي، ولأنهما تدخلان سياسيان بالدرجة الأولى، واستراتيجيان، بالدرجة الثانية، أي محكومين بحسابات غلة الحقل والبيدر، فما أسهل هزيمتهما بحرب تحررية شريفة، وخاصة أن الشعب السوري خاضها ومازال يخوضها إلى اليوم، وضد جميع هذه الأطراف ومن يصطف معها من فئات وميليشيات، بداية من دمية القش بشار الأسد وميليشياته الطائفية، أو (شبيحته)، بالترميز الشعبي السوري.
عشر سنوات مضت من عمر الثورة السورية والشعب السوري يُقتل وتدمر بلاده ويُهجر من أراضيه ومدنه، بمساعدة القوات الروسية والأميركية والحرس الثوري الإيراني، وأذرعه الميليشياوية (المتعددة الجنسيات)، وإسرائيل، وبشار الأسد يجلس آمناً مرفهاً، خلف متاريس أمنية محكمة، لم تسمح بنفاذ إطلاقة تزعجه بصوت أزيزها، فهل هذه مصادفة وكامل سوريا يشتعل بكل ألوان القصف والتدمير، وخاصة أن الشعب السوري يضعه في أول أولويات استهدافه، بعد كم جرائمه الوحشية ضده، وبكل ما وصل يد (شبيحته) من وسائل القتل والتدمير؟
إذا كل أطراف التدخل والصراع على الأراضي السورية، متفقة على ضرورة بقاء بشار في مكانه، رغم اختلاف أهداف وأسباب تدخل كل جهة وتقاطعها وتقاطع مصالحها مع باقي الجهات، ورغم اتضاح صورة صراع هذه الجهات، فيما بينها، على مساحات النفوذ وحصصها من الغنيمة السورية، من دون أن يطرف جفن الحس الوطني لبشار، المتبجح، ليل نهار، بالحرص على سوريا وشعبها، ورغم حجم الذل الذي يعانيه وهو مسلوب الإرادة وعاجز عن اتخاذ أي قرار (سيادي) بشأن حتى مصيره الشخصي، وليس مصير الدولة السورية وسيادتها وحسب.
وإذا نظرنا لوضع بشار هذا، تجاوزاً على حقائق الأرض الفعلية طبعاً، وحصرنا التدخل الأميركي في الصورة التي يعكسها إعلامه وهي قتال فصائل ومجاميع الإرهاب الدولي، وحصرنا الدور الإسرائيلي في صورة القصف الجوي لمواقع ومخازن أسلحة وصواريخ ميليشيات إيران وحزب نصر الله اللبناني، تظهر لنا صورة عجز بشار الأسد، عن اتخاذ أي قرار مسؤول تجاه الشعب السوري وسيادة البلاد، بصورة أوضح، وخاصة أمام مخرجات الوضع الذي أفرزته الحرب الروسية الأوكرانية، التي اضطرت فلاديمير بوتين لسحب الكثير من قواته من الأراضي السورية، من دون أن يملك بشار الجرأة على السيطرة على مواقع تلك القوات أو مطالبة فلاديمير بوتين بسحب ما تبقى من قواته لعودة سيادة الدولة السورية على تلك المواقع وأراضيها.
أما من جهة إيران فبشار يظهر أبشع صور الهوان والتبعية العمياء، وخاصة بعد اتضاح موقف الحرس الثوري المناهض لعودة سوريا إلى محيطها العربي وجامعة الدول العربية، من أجل إبقاء بشار في دوره الميليشياوي التابع له والمتحرك بأمر وليه الفقيه، وحتى إتمامه لكامل مراحل مشروع إيران الطائفي الذي يستهدف عروبة الهوية السورية وبنيتها الديمغرافية على أراضيها الوطنية.
فهل يعي بشار الأسد كل هذا؟ وهل له القدرة على اتخاذ القرار المصيري بشأنه، وهو الذي يعيش في قفص عزلة، تحت الأرض، وتحميه بنادق حزب نصر الله والحرس الثوري الإيخالدراني، من حكم وعدالة الشعب السوري؟
سامي البدري _ تلفزيون سوريا