syria press_ أنباء سوريا
يكشف هذا التحقيق تدريب الأطفال على السلاح ضمن معسكرات إيرانية مغلقة في سوريا ولبنان تحت اسم “كشافة الإمام المهدي”، والتي تستخدم جسراً للانضمام إلى الميليشيات التابعة للحرس الثوري الإيراني، على رغم أن الكشافة تروّج أنها تقوم بأنشطة تربوية وتعليمية ودينية للأطفال. ويرصد التحقيق معسكرات “كشافة المهدي” التي يلتحق بها الأطفال، وأسماء المسؤولين المحليين والإيرانيين عن هذه المعسكرات، من خلال مقابلات حصرية أجريناها مع أطفال من الكشافة وعائلاتهم، وأساتذة شهدوا على جذب الأطفال إليها، إضافة إلى قادة ومنتسبين إلى هذه الكشافة.
لا يكسب الفتيان قوتهم جراء انضمامهم إلى “كشافة الإمام المهدي” الإيرانية في سوريا وحسب، بل ويتهربون بها من خدمة الجيش الإلزامية ضمن صفوف قوات الجيش السوري. فما هي “كشافة المهدي”؟ وما الدور الذي تلعبه في رفد الميليشيات الإيرانية بالمقاتلين؟
فتيان “الإمام المهدي”
في أواخر عام 2018، انضم مصطفى (19 سنة)، إلى “كشافة الإمام المهدي”، من طريق شبان يعرفهم في بلدة “حطلة” في ريف دير الزور الشمالي، وكان عمره وقتها 16 سنة.
أهالي بلدة حطلة من الطائفة الشيعية، كانوا فروا إلى مناطق النظام بعد معارك نشبت في البلدة مع المعارضين المسلحين في حزيران/ يونيو 2013، ليعودوا إليها مع دخول الميليشيات الإيرانية إلى دير الزور أواخر 2018، وكان على رأسهم عضو مجلس الشعب محمد أمين الرجا، الذي بدأ يستقطب عدداً من الشباب ويضمهم إلى صفوف “حزب الله” السوري ولواء “الفاطميون”.
مصطفى كان ضمن المجموعة الأولى من الأطفال الذين انضموا إلى “كشافة الإمام المهدي”، عندما بدأ نشاطها في دير الزور، وذلك بعد قرابة سنة من هزيمة تنظيم “الدولة الإسلامية في العراق والشام” في مدينة البوكمال وسيطرة قوات النظام السوري على المحافظة.
وبدأت الكشافة آنذاك تجذب الأطفال المقربين من الأشخاص المعروفين لدى القادة الإيرانيين، وأقرباء المنتسبين إلى الحرس الثوري الإيراني، ولهذا احتاج مصطفى إلى وساطة من أصدقائه في حطلة، وانضم إلى “كشافة الإمام المهدي” في حي العمال في مدينة دير الزور، وفيه يقع المركز المخصص للنوم والطعام. أما تدريبه فكان في كلية الهندسة الإلكترونية في شارع بورسعيد، والتي تُعتبر الآن مقر الميليشيات الباكستانية، أو ما يسمى لواء “الزينبيون”، المدعومة من إيران.
أمضى مصطفى ثلاثة أشهر في هذا المعسكر العقائدي، حيث تلقى دروساً دينية على أيدي معلمين إيرانيين يُسمّون “المُعمّمون”، إضافة إلى التدريبات الرياضية. يقول مصطفى “كانوا يتحدثون كثيراً عن معارك الحسين وآل البيت، وعن معركة (الطف) التي قتل فيها الإمام الحسين، وعن الإمام علي، ما جعلني أتأثر كثيراً… ولأنني كنتُ صغيراً، غيّرتُ طائفتي من السنية إلى الشيعية”.
فتيات الكشافة و”نجمات البتول”
لم يقتصر جذب الأطفال إلى صفوف “كشافة الإمام المهدي” على الذكور فقط، فقد استطاعت الحركة جذب مئات الفتيات في سوريا ولبنان.
منهن ريّان، وهي لبنانية في العشرين من عمرها، انضمت إلى صفوف “كشافة المهدي” حين كان عمرها أربع سنوات فقط، وبقيت فيها إلى أن بلغت الثامنة عشرة. تقول ريان إن الأجواء “التشاركية والجماعية” هي التي شجعتها على الانتساب إلى الكشافة، بعد تشجيع من والدتها، مضيفة “جو الكشافة يشبه الالتزام الديني داخل عائلتي، وهو ما دفعني إلى البقاء في الكشافة”.
تتنوع أنشطة الفتيات داخل الكشافة، وتختلف نوعاً ما عن أنشطة الذكور فيها، عن هذا تشرح ريّان قائلة، “كانت من أبرز مهمات الفتيات جمع المواد الغذائية وتوزيعها، والخضوع للدورات الدينية والثقافية، والمشاركة في النشاطات الدينية ومسيرات عاشوراء… إلا أننا كنا نتجنب النشاطات السياسية”.
وقدّمت الكشافة للفتيات نشاطاتٍ أخرى منها ما يُسمّى “نجمات البَتول”، وهو مشروع يهدف إلى “تعزيز الالتزام والسلوك الإيماني والشرعيّ لدى الفتيات، الذي يمهّد للارتقاء إلى مرحلة نجمات البتول (وهو من ألقاب فاطمة الزهراء)، بحسب ريان،. هذا إضافة إلى الأنشطة الصيفية والأشغال اليدوية والرحلات الترفيهية، لزيارة مقام السيدة زينب في دمشق.
يشير يوسف، وهو أحد قادة “كشافة الإمام المهدي” في لبنان، فضل عدم ذكر اسمه كاملاً، إلى أن المعسكرات تتضمن أنشطة مختلفة، كالزراعة وتنظيف الشواطئ والشوارع، إضافة إلى نشاطات تدخل ضمن نطاق علم النفس، مضيفاً “تعمل الكشافة على سلوكيات المنتسبين وأخلاقياتهم من الناحيتين النفسية والدينية، إلى جانب العمل على بناء قدرات المنتسبين في التعاطي مع المجتمع من خلال المسرح والخطابة والفرق الموسيقية والإنشادية”.
بدأ يوسف عمله الكشفي قبل 8 سنوات في فئة الجوالة، ثم أصبح قائداً فيها، وعن مراكز الكشافة في لبنان، يقول إن “كشافة الإمام المهدي” ليس لها مركز ثابت في المناطق، إلا أن المركز الرئيسي يقع في منطقة بئر حسن، قرب ضاحية بيروت الجنوبية، معقل “حزب الله” اللبناني، وينكر في الوقت ذاته وجود أي رابط بين تجنيد الأطفال من قبل “حزب الله” و”كشافة الإمام المهدي”، كذلك ينفي وجود أي تدريب على السلاح فيها.
“محو أمّية”… السلاح
مرت ثلاثة أعوام على انضمام مصطفى إلى “كشافة الإمام المهدي” في دير الزور، خضع خلالها لتدريبات في معسكرات مغلقة مع حوالى 25 طفلاً، تتراوح أعمارهم بين 14 و18 سنة. تلقى مصطفى ورفاقه دروساً عملية ونظرية حول استخدام السلاح، إضافة إلى التمرينات الرياضية والدروس الدينية والعقائدية.
يقول مصطفى إنه لم تكن هناك معسكرات للتدريب على السلاح في البداية، لكن الوضع تطور بعد ذلك. “بدأوا بطرح الموضوع علينا، إذا كنا نرغب بتعلم استخدام السلاح أم لا، وإذا كنا نرغب بتعلم فك السلاح وتركيبه في فترة قصيرة”. هذه الأسئلة وسواها باتت تُطرح على جميع المنتسبين إلى “كشافة المهدي”، بغرض إغراء الأطفال واستثارة فضولهم لحمل السلاح.
ويضيف: ” تخيلي أن طفلاً عمره 14 سنةيحمل قاذف آر بي جي”.
وهناك من ينتسب بشكل مباشر إلى صفوف الحرس الثوري حيث تنتشر مراكز الانتساب، لكن اشترط الحرس أن يكون الطفل من عمر 16 حتى 20 سنة، إضافة إلى وجود كفيل من طرف الطفل (عائلته) يوقع على عقد مع الحرس، بعد انتساب الفتى للحرس الثوري والميليشيات التابعة له.
يؤكد سامر (لبناني، 26 سنة)، ما قاله لنا مصطفى عن معسكرات التدريب على حمل السلاح، فهو أيضاً كان ضمن صفوف “كشافة الإمام المهدي” لكن في لبنان. وانتسب سامر للكشافة عام 2003، وكان يبلغ حينها 8 سنوات، واستمر في الكشافة حتى الثامنة عشرة. ويشير سامر إلى أن “محو الأمية” هو الاسم الذي كانوا يطلقونه على عملية تدريب المنتسبين على كيفية استعمال الأسلحة الخفيفة، مضيفاً “تقوم الكشافة بذلك تيمّناً بما قاله السيد موسى الصدر: السلاح زينة الرجال، عندما كان الجنوب اللبناني تحت الاحتلال الإسرائيلي”.
ويوضح سامر أن “محو الأمية” لا يتعدى التدريب على “إطلاق ثلاث أو أربع طلقات لا أكثر،” بحسب قوله، ما يعطي الأطفال فكرة عن كيفية استخدام السلاح ويشجعهم عليه، لينضموا لاحقاً إلى ما يسمونه “درب الجهاد”. ويؤكد سامر أن “محو الأمية” هذا ليس فرضاً على المنتسبين إنما “اختياري”.
وتستخدم الكشافة في عمليات التدريب أسلحة خفيفة، مثل الكلاشنيكوف ورشاش PKC، ويستخدم القائمون على التدريبات العملية ودياناً تتركز معظمها في منطقة البقاع اللبناني، لأن تلك المناطق “تضمن عدم سماع الأصوات”، بحسب سامر.
سافر سامر إلى أفريقيا عندما غادر الكشافة، بعد إصرار والديه على ذلك، خوفاً من انخراطه في صفوف مقاتلي “حزب الله” من جهة، وبسبب الأوضاع الاقتصادية في لبنان من جهة أخرى.