مع تراجع قيمة العملة التركية أمام الدولار نتيجة خفض سعر الفائدة وانخفاض قيمتها الشرائية، ما تسبب بارتفاع أسعار المواد ومضاعفتها في مواد أخرى ومنها مواد أساسية، مما انعكس سلباً على حياة السوريين الموجودين في تركيا، في ظل محدودية المدخول وسعة المصاريف.
محمد الحمدو، المقيم في ولاية غازي عنتاب مع ولديه، تركوا العمل في صناعة الأحذية لعدم حصولهم على زيادة في الأجور تتناسب مع انخفاض قيمة الليرة وارتفاع الأسعار متوجهاً للعمل في نبش حاويات القمامة ليتمكن من تغطية مصاريف عائلته.
في حين يشير الصحفي المختص بالقضايا الاقتصادية والاجتماعية، عبد الله سليمان أوغلو، إلى ضرورة زيادة الحزم المالية المخصصة للسوريين بموجب برنامج دعم التضامن الاجتماعي (صوي) أسوة بزيادة رواتب العاملين في الدولة التركية بنسبة 50 في المئة، نظراً للتضخم وانخفاض قيمة الليرة.
ما هو مشروع دعم التضامن الاجتماعي (SUY)؟
هو مشروع لدعم اللاجئين في تركيا بمساعدات نقدية شهرية تم إقراره عام 2017، بتمويل من الاتحاد الأوروبي والاتحاد الدولي لجمعيات الصليب والهلال الأحمر (IFRC)، بالإضافة إلى وزارة الأسرة والعمل والشؤون الاجتماعية في تركيا، وتتولى تنفيذه منظمة الهلال الأحمر التركي.
خصص المشروع مبلغ 120 ليرة تركية للفرد الواحد في العوائل المستفيدة من المشروع، ما يعادل 32 دولاراً حينذاك، في حين تم رفع المبلغ في نيسان/أبريل 2021 إلى 155 ليرة، أي ما يعادل 20 دولاراً في ذلك التاريخ.
في تموز/يوليو 2021 تم إقرار برنامج (T – SUY) يتم بموجبه تحميل مبلغ 250 ليرة تركية على بطاقة الهلال الأحمر لكل فرد مؤهل من العائلة المستفيدة من المشروع، والذي يستهدف بعض العوائل دون الأخرى بحسب معايير مرضية وتقارير عجز أو الشيخوخة.
تُسلّم هذه الأموال للمستفيدين عن طريق كرت الهلال الأحمر التركي، ويجري سحبها من بنك “هالك بانك” (HALKBANK).
ويستفيد من برنامج الدعم المقيمون الأجانب في تركيا تحت البنود الآتية:
- الحماية المؤقتة “السوريون”
- الحماية الدولية
- الإقامة الإنسانية
ويشترط البرنامج:
- تسجيل جميع أفراد الأسرة لدى إدارة الهجرة في الولاية التي يقيمون فيها، ويمتلكون الهوية التي تبدأ بالرقم 99، وضمن الرقم العائلي نفسه.
- أن يكون عنوان المنزل مسجلاً في مديرية النفوس.
- تقديم تقرير طبي من مشفى حكومي بدرجة عجز 40% على الأقل إذا كان أحد أفراد العائلة من ذوي الاحتياجات الخاصة.
- ملء استمارة الطلب وتقديمها لأقرب مركز للهلال الأحمر.
- أن يكون عدد أفراد العائلة 4 على الأقل.
ووفقاً لإحصائيات تركية غير رسمية، فإن أكثر من مليون سوري يستفيدون من كرت “الهلال الأحمر التركي”، وفق ما نشره الحساب الرسمي لبرنامج التضامن الاجتماعي التركي “صُوي” في العام 2017 على حسابه في فيس بوك من أن عدد المستفيدين من برنامج صُوي وصل الى 1.062.569، ولا تتوافر طريقة رسمية للتأكد من الأرقام، فبالرغم من حرص الأستاذة عضو اللجنة التركية السورية المشتركية، إيناس النجار، على المساعدة بالمعلومات فإن الطرق الرسمية التي يتبعها الهلال الأحمر للإجابة عن استفساراتها، حالت دون التأكد من المعلومات المطلوبة من مصدرها.
نفقات مرتفعة ودخل محدود
في حديثه لموقع “تلفزيون سوريا” يرى الحمدو، أن مخصصات عائلته المكونة من ثمانية أشخاص بموجب برنامج “صوي” لم تعد تغطي إيجار البيت وفواتير الماء والكهرباء مع مشتريات البقالة، في حين كانت تغطي أكثر من ثلثي المصاريف الشهرية للعائلة عام 2017.
ولدى سؤال إيناس النجار عن العملة المعتبرة لتحديد قيمة الحزم المالية بموجب برنامج “صوي”؟ أفادت بأن المخصصات يتم احتسابها على أساس معادلة الليرة التركية مقابل اليورو باعتبار أن المشروع مدعوم من قبل الاتحاد الأوربي بالعملة الأوروبية، مضيفةً أن الحزمة المحملة على كرت الهلال كل ثلاثة أشهر ناجمة عن فرق التصريف بين الليرة التركية واليورو خلال تلك الأشهر.
يشير الناشط الحقوقي، طه الغازي، إلى عدم وجود أي هيئة أو لجنة سورية قادرة على سؤال الجهات التركية عن حقوق السوريين، المالية وغير المالية، مستشهداً بقرار فصل المدرسين السوريين العاملين ضمن مشروع “البيكتس”، وهو مشروع ممول من قبل الاتحاد الأوروبي حيث لم تتجرأ أي جهة سورية على الاستفسار من الجانب التركي عن سبب فصل المدرسين السوريين والإبقاء على المدرسين الأتراك، علماً أن المشروع قائم على وجود المدرس السوري والطالب السوري.
ويضيف الغازي أن الحزم المالية المقدمة للسوريين بموجب برنامج “صوي” هي حزم مالية ثابتة، ما جعلها غير متماشية مع الفروقات الطارئة على الليرة التركية أمام الدولار، بالإضافة إلى عدم تقدير الاحتياجات الخاصة بالأسر السورية المستهدفة بالمشروع، في إشارة إلى شرط وجود ثلاثة أطفال لتمكن العائلة من الحصول على الدعم.
بموجب تقرير عجز خاص بأحد أبنائها، ضُمت عائلة عائشة محمد، والمكونة من سبعة أشخاص ومقيمة في مدينة أورفا إلى برنامج (T-SU)، وبذلك أصبحت تتقاضى مبلغ 250 ليرة عن كل فرد في العائلة، إلا أن مجموع مستحقات العائلة لا تغطي إيجار المنزل ومشتريات الماركة (السمانة)، بحسب عائشة.
وتقول عائشة إن قرار رفع أقساط الجامعات الذي تم تطبيقه في بعض الجامعات التركية أثار مخاوفي أكثر من موجة الغلاء وعدم رفع الحزمة المالية ببرنامج “صوي”، فبالنسبة للمعيشة يمكن التقشف ذاتياً والعيش على الخبز فقط، لكنني لا أتصور عجزي عن إلحاق أولادي في الجامعات.
وفي 1 تموز/يوليو 2021، صدر قرار عن مجلس التعليم التركي يقضي بعدم إعفاء الطلاب السوريين من أقساط الجامعات التركية، ما سبّب المخاوف للطلاب الذين رأوا مستقبلهم الدراسي مهدداً، نظراً إلى للأوضاع والظروف المعيشية الصعبة للسوريين في تركيا.
يرى الخبير الاقتصادي، أحمد عزوز، أن ارتفاع الأسعار لم يقابله رفعٌ للأجور لدى أغلبية المنشآت الصناعية والتجارية، مشيراً في الوقت ذاته إلى أن الأجور متدنية أصلاً للعامل السوري مقارنةً بالعامل التركي، ما يتنافى مع الفقرة الثانية من المادة 23 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، والتي تنص: “لجميع الأفراد، دون أي تمييز، الحق في أجر متساو على العمل المتساوي..”.
ومع غياب العلاقة الطردية بين الأجور والأسعار من جهة، والأجور ومخصصات برنامج “صوي” من جهة أخرى سيتحول المجتمع السوري في تركيا إلى مجتمع هش ومهزوز اقتصادياً، لا سيما مع عدم تمكن السوريين من الاستفادة من النظام المصرفي (الشراء بالأقساط)، بحسب “عزوز”.
نظرة حقوقية
تنص الفقرة الأولى من المادة 25 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان أن:
“لكل شخص حقاً في مستوى معيشة يكفي لضمان الصحة والرفاهة له ولأسرته، وخاصة على صعيد المأكل والملبس والمسكن والعناية الطبية وصعيد الخدمات الاجتماعية الضرورية، وله الحق في ما يأمن به الغوائل في حالات البطالة أو المرض أو العجز أو الترمل أو الشيخوخة أو غير ذلك من الظروف الخارجة عن إرادته والتي تفقده أسباب عيشه”.
أم مصطفى، لاجئة سورية، خرجت من مخيم “أونجي بينار” نهاية عام 2018 لتقيم مع أولادها الثلاثة في مدينة كلس، ولكونها معيلة لعائلتها بعد وفاة زوجها، تم تحميل مبلغ 600 ليرة تركية على كرت الهلال الأحمر الذي حصلت عليه إضافة إلى مخصصات أطفالها التي زادت أخيراً بموجب برنامج “صوي _ تي” إلى مبلغ 250 ليرة تركية للفرد الواحد، إلا أن مجمل ما تحصل عليه الأسرة قاصرة عن تغطية احتياجاتها، مع الارتفاع في إيجار المنزل وفواتير الماء والكهرباء، بحسب أم مصطفى، والتي تصر على متابعة أولادها في المدارس وعدم التسرب منها إلى سوق العمل.
وتشكل هذه المخاوف هاجساً حقيقياً لأنها أصبحت تهدد الاستقرار المعيشي للسوريين في تركيا مع إمكانية امتداد آثارها إلى ساحات أخرى، كتسرب الأطفال من المدارس إلى سوق العمل، أو تنامي ظاهرة عمالة الأطفال خارج أوقات الدراسة مع انخراط النساء في الأعمال المجهدة نتيجة الضغوط الاقتصادية وعدم توافر العمل المناسب.
يرى الناشط الحقوقي، طه الغازي، أن الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة، والمعترف به من الحكومة التركية كممثل للسوريين قد وسم نفسه بالعجز، وذلك بالنظر لغياب الائتلاف عن جميع الملفات الخاصة بالسوريين في تركيا، ومنها التعليم والصحة والأمور الإدارية والترحيل، ولذا فإن أي أمل أو تعويل على الائتلاف لتقديم شيء في هذا الجانب هو ضرب من الخيال، وهو أمر غير خاص بالائتلاف وحده بل يطول معظم منظمات المجتمع المدني السورية، والتي غابت عن الساحات الخاصة بالسوريين مقتصرة بجهودها على تأمين سلة غذائية أو بعض الأمور الإدارية، كإذن السفر ونقل الكيملك، من دون أن تتجرأ أي من هذه المنظمات أو الائتلاف على مصارحة الجانب التركي بكل أطيافه عن واقع المجتمع السوري في تركيا وسبل تأمين بيئة آمنة له.
ويضيف الغازي أنه لو أجرينا استبياناً في الشارع السوري عن نسبة استفادته من المنظمات السورية العاملة تحت شعار مساعدة السوريين، فإن النتيجة كارثية، وفي ظل غياب الشفافية وعدم وجود آلية محاسبة فلا أمل في مطالبة الجانب التركي بالحقوق الخاصة بالسوريين.
ويرى الناشط الحقوقي أن البداية تكون مؤتمراً سورياً – سورياً يجمع هذه الهيئات والمنظمات ثم التوجه إلى الجهات التركية للمطالبة بالحقوق المالية وغير المالية للسوريين اللاجئين في تركيا.
أعدت هذه المادة الصحفية بدعم من”jhr” صحفيون من أجل حقوق الإنسان.
عمار جلو _ تلفزيون سوريا