مسؤولون لا يهمهم إلا الحفاظ على مناصبهم، ومكتسبات هذه المناصب حتى لو كانت مجرد لقب.
تعودنا ألا تهتز شعرة من رأس أي مسؤول عربي لأي كارثة تعصف ببلاده مهما كانت عظيمة.
اليوم يصنف تفجير بيروت كثالث أقوى انفجار في التاريخ بعد تفجيري هيروشيما وناكازاكي، ولم نرَ سياسياً لبنانياً واحداً في الشارع أو مكان الحدث، أو حتى لمح بالاستقالة، على عكس ما يحصل في الدول المحترمة فتستقيل فيها حكومات لأسباب لا ترقى إلى حجم انفجار المرفأ، بل سارع زعماء وسياسيون سابقون وحاليون، إلى تحميل بعضهم البعض مسؤولية ما حدث، لينتهي بهم المطاف كالعادة بإلقاء المسؤولية على موظفي المرفأ الذي لا ناقة لهم ولا جمل في هذه القضية.
لكن مسؤولاً آخر كان على أهبة الاستعداد كي يزور موقع الحدث، يلتقي الناس العاديين في الطرقات، ويضع النقاط على الحروف مثل ولي أمر مل إهمال أبنائه ولا بد أن يحسم أمر شغبهم الكثير.
إيمانويل ماكرون الرئيس الفرنسي أصبح في بيروت بعد ساعات فقط من الكارثة، مشى في شوارعها المنكوبة ليحث الطبقة السياسية اللبنانية على تحمل مسؤولياتها التي لا تدركها في مواجهة أزمة البلاد.
لا يخفى على أحد أن فرنسا تعتبر لبنان الابنة الصغرى، والقاصر أحياناً، ما استدعى هذه السرعة في وصول ماكرون إلى بيروت، لا يريد الرئيس الفرنسي أن يوصل رسالة الدعم والصداقة فحسب للبنان، فلو كان هذا الهدف لاكتفى ببرقية تعازي وتعاضد وإخاء، وبما أرسله من مساعدات طبية ومالية قبل أن يصل، لكن لزيارة الرئيس الفرنسي إلى لبنان كان له الكثير من الدلائل والجدية في تعاطي فرنسا مع الوضع اللبناني المتردي وحسمه نهائياً.
يطمح الرئيس الفرنسي بمعالجة الأزمة الاقتصادية والسياسية التي يمر بها لبنان، خاصة بعد مطالبة الكثير من اللبنانيين برحيل القيادات الحالية المتهمين بالفساد والتقصير منذ 17 تشرين الأول أكتوبر المنصرم، ولولا جائحة كوفيد 19 لكان الشعب اللبناني ما يزال في اعتصاماتهم التي ملأت شوارع بيروت حتى اليوم.
صحيح أن الحرب الأهلية انتهت في لبنان لكن الوضع الداخلي لم يتغير كثيراً، فمازالت البلاد تحكمها الطوائف، ويتربع على كراسيها السياسية أمراء الحرب ذاتهم، وأبناؤهم فكيف تكون الحرب انتهت؟
الاستعصاء السياسي الحاصل وصل إلى طريق مسدود، لا حل في الأفق، لا أمل في تحسن معيشي أو اقتصادي، أزمة رغيف، أزمة عمل، تراجع سعر الصرف وانهيار الليرة اللبنانية، بطالة، وضع ينبئ بكارثة وكأن الحرب ما تزال مستعرة دون جبهات قتالية وعلى كل جبهات الحياة، أو معارك، لذلك فلبنان يحتاج فعلاً إلى منقذ حقيقي الآن وعاجلاً.
في الشوارع، صرخ البيروتيون وأسمعوا الرئيس الفرنسي أصواتهم “ساعدنا، أنت الأمل الوحيد.” ورد متحدثا عن الزعماء اللبنانيين “سأعرض عليهم اتفاقا سياسياً جديداً عندما أعود في الأول من سبتمبر”.
ليست لبنان وحدها التي ترجو الخلاص من وضعها المتردي بأي ثمن حتى لو بعودة الاحتلال أو الانتداب أو سمه ما شئت، فكثير من السوريين اليوم يتمنون لو يأتي الحل والخلاص لسوريا كيفما كان، المهم أن تنتهي مأساتنا ومآسينا التي لم يعد السوري قادراً على تحمل المزيد منها.
بعض السوريين نظر بعين الحسرة للتعاطف الفرنسي والعالمي مع بيروت، فبيروت شقيقة دمشق الصغرى وطالما كانت رئتها في أحلك الظروف.
هل نستطيع أن نتهم من يرى الخلاص بعودة الاحتلال بالخيانة؟ أم أنه بات مبرراً من شدة اليأس بحكومات تسمى زوراً وطنية.
اليوم يسمي اللبنانيون يوم الانفجار بالثلاثاء الأسود، ويرد السوريون باتت كل أيامنا بل وسنواتنا سوداء قاتمة، فكل يوم يمر على سوريا هو ذكرى مجزرة أو موت أو تفجير أو دمار، وكل يوم جديد هو يوم أسود باستمرار الحرب والقتل والاعتقال والتهجير والجوع…
لبنان الذي نحب، ونتمنى له الخير، وجد من يقف إلى جانبه، من يصرخ بوجه سياسييه ليقول لهم كفى، كفوا عن رعونتكم… فمن يقف في وجه العبث السوري؟
من يحمي سوريا من الاحتلالات والأطماع في ظل حكومة انتهازية ساقطة، ومعارضة مشرذمة ومرتهنة بمعظمها لأجندات ما أنزل الله بها من سلطان، وشعب بلغ فيه الذل أشده فلم يعد قادراً حتى على التنفس.