وأنت تتابع الأخبار التي تتناقلها وسائل الإعلام من كل أرجاء هذا الكوكب (الأرض) الذي نعيش فيه ستصاب بما يشبه الصدمة المغلّفة بالخوف والقلق، فالمخاطر التي تتهددنا كبشر تتزايد وتصبح أكثر قدرة على الفتك والتدمير.
ستكون أكثر خوفا لو كنت تعيش في المناطق التي تشهد صراعات مسلحة، أو في تلك الدول الهشة الضعيفة اقتصاديا وعسكريا والمتخلّفة علميا وصحيا وتعليميا، وستكون أكثر قلقا لو قادتك أقدارك لأن تكون فردا في عالمنا العربي العتيد.
من لبنان الذي ينهار كل يوم وتتربص به احتمالات أحلاها شديد المرارة، وليت الأمر يتوقف عند فقدان الوقود وتدني مستوى المعيشة بشكل حاد، ونهب أموال الشعب اللبناني، فهذه ورغم قسوتها قد تتمكن حكومة قادرة ومسؤولة من تدوير عجلة الخروج منها، لكن أن تضاف إلى هذه الظروف القاسية احتمالات الحرب الأهلية، أو الحرب مع إسرائيل، أو الحرب مع أطراف أخرى فإن المشهد سيصبح بالغ القسوة.
في العراق أيضا تلوح بوادر حرب أهلية، وفي سوريا تواصل الحرب طحن ما تبقى منها، لا بل تنفتح احتمالات الأيام القادمة على اشتعال معارك أكثر ضراوة وتدميرا، وفي اليمن، وفي السودان وفي مصر، وتونس والجزائر، ولاتذهب بعيدا ففي جوارنا أيضا إيران التي تغلي، وتركيا التي تهتز على إيقاع أزمة اقتصادية وسياسية، و..و.. الخ.
ولا تنس وأنت ترصد مخاطرك المحيطة بك من كل الجهات، أن تنتبه إلى الحرب الروسية الأوكرانية واحتمالاتها المدمرة، فهي أيضا ستشارك بتقرير مصيرك، وكذلك الحرب المحتملة بين الصين وتايوان، والاحتقان في منطقة البلقان، وقبل أن تغمض عينيك لتفكر قليلا في كل هذه الحروب التي تهدد هذا الكوكب يجب أن لا تتجاهل أن هناك قائمة أخرى من المخاطر، فهناك أوبئة تنتشر وأخرى تولد، وهناك مجاعات قادمة وأزمات اقتصادية أخرى قد تكون أشد خطورة، وهناك جفاف وفيضانات، وهناك حرائق، وتغيرات مناخية قاسية وغير ذلك الكثير الكثير.
وبينما تنشغل كل حكومات العالم ومفكريها وسياسييها بوضع الخطط والتدابير لمواجهة التحديات التي تزداد ضراوة كل يوم، وتعمل لتخفيف آثار الكوارث الحالية والمحتملة، نقف نحن السوريين عاجزين ومتفرجين، ليس هذا فحسب بل نوغل عميقا في ترسيخ ضعفنا وهشاشتنا وتبعيتنا، ونصر على إغماض أعيننا عن حقائق تكاد تصبح مسلمات لمن يريد أن يرى.
أكثر الحقائق أهمية ووضوحا، والتي نتعثر بها كيفما اتجهنا، والتي رافقتنا طوال نصف قرن ولاتزال تصرخ بنا تتلخص، أنه لا مستقبل ولا أفق لسوريا وللسوريين في ظل حكم عائلة الأسد، وأنه كلما أعادت هذه الطغمة تجديد نفسها غرقت سوريا أكثر، وكلما امتد ليلها، لا يستثنى من هذه الكارثة أي سوري أينما اصطف، وعلى أي ضفة وقف.
ثاني هذه الحقائق وضوحا هي أنه ما من دولة خارجية تضع مصلحة السوريين وسوريا في قائمة اهتماماتها إلا على ضوء مصلحتها، وأن السوريين خلال ما يزيد عن عقد لم يكونوا إلا أدوات لتحقيق مصالح الآخرين. وما يعلنه ساسة هذه الدول من حرص على سوريا والسوريين هو بلا أدنى أهمية، وهو دجل يراد منه استمرار تبعية السوريين، واستمرار دورهم كأداة.
ثالث هذه الحقائق أن تصنيف السوريين إلى موالاة ومعارضة، وداخل وخارج، وطوائف وقوميات وعشائر و..و.. لم يكن يوما في خدمة السوريين، وأنه كان الركيزة الأهم في إضعاف سوريا والسوريين، وهو الذي سهّل ركوب كل الأطراف على مصير السوريين وتحكمهم بهم، وهو في حال استمراره سيوصلنا جميعا إلى مصير بالغ القتامة، وهو نهاية سوريا.
رابع هذه الحقائق أن من يمثلون السوريين سواء في هذه الضفة أو تلك ليسوا سوى كومبارس هزيل في معارك الآخرين على سوريا، وليسوا سوى واجهات لمصالح أطراف أخرى، ولا يحتاج الأمر لتبصّر شديد كي يتضح، فالواقع والنتائج شديدة الوضوح، فالدم السوري لا يزال بعد أكثر من عقد يجري غزيرا وقانيا، والوطن السوري يئن وينهار، ولا أفق للخروج من هذه المحنة.
خامس هذه الحقائق أن السوريين الذين يتجاهلون أهمية وضرورة إعلاء هويتهم السورية فوق أي هوية فرعية أخرى لن يتمكنوا من إنجاز أي صيغة فاعلة في استعادة قرارهم، وأن كل تعبيراتهم السياسية وتجمعاتهم ستظل تحمل في عمق بنيتها أسباب فشلها المؤكد، فالهويات الصغرى في هذه اللحظة الفارقة من تاريخ سوريا قد تكون بوابة تحطيمها.
سادس هذه الحقائق أن سوريا وكل الدول التي تشبهها ستكون الضحية الأولى للصراع العالمي المحتدم الآن، تماما كما حصل لها خلال وبعد الحرب العالمية الأولى، وما نتج عن هذه الحرب من تقاسم الدول القوية للدول الضعيفة والهشة، هذا هو منطق الحروب الكبرى وجوهرها ومعناها، فهل سينتظر السوريون مرة أخرى لكي تتقسم بلادهم ويرسم غزاتها مصيرها.
بعبارة أدق فإن سوريا التي تحظى بأهمية جيوسياسية بالغة، ستكون الساحة الأكثر تأثرا في صراع القوى، خصوصا أنها أصبحت البلد الأكثر ضعفاً في المنطقة، والأكثر قابلية للتفتيت، والأكثر عرضة للتقاسم بين القوى الإقليمية، ومردُّ ضعفها إنما يعود بشكل رئيسي لغياب قواها الفاعلة ولانهيار بنيتها الاقتصادية والعسكرية، ولتهتك نسيجها الاجتماعي، والأهم هو ارتهان وتبعية من يتحكم بها لأطراف خارجية متعددة.
كثيرة هي الحقائق التي تتضح لنا كسوريين كل يوم، وكثيرة هي الوقائع التي نستيقظ على فظاعتها كل صباح، ولانزال نصر على أدواتنا التي خبرنا عشرات المرات مدى عقمها وهشاشتها، وبتنا متيقنين أنها لن تجدي نفعا.
علينا أن نكون سوريين أولا، وأن نتحمل مسؤوليتنا جميعا في قيام جسد سوري فاعل يعبر فعلا وقولا عن مصلحتنا كشعب، وعن وطننا ودولتنا، وأن يدافع عن وجودنا المستباح.
بسام يوسف _ تلفزيون سوريا