مراجعة نمطية التحرك الدولي في سياقه الزمني والموضوعي المرتبط باستخدام الأسلحة الكيميائية في سورية، يعيدنا إلى حوادث مبكرة خلال السنين الأولى للثورة استخدم الأسد فيها الأسلحة الكيميائية في مناطق متعددة، أبرزها في دوما بغوطة دمشق، صيف 2013 الدامي، قضى على إثرها 1461 سورياً بينهم 437 من النساء والأطفال؛تبعها مطالبات دولية عالية المستوى لمعاقبة الأسد وإزاحته، أجرت روسيا لاحتوائها صفقة، قدمت فيها الأسلحة الكيميائية ثمناً في تسوية سياسية، تبقي الأسد في الحكم حتى المرحلة الانتقالية، وبناء على ذلك:
- – أودعت الجمهورية العربية السورية لدى الأمين العام صك انضمامها إلى اتفاقية حظر الأسلحة الكيميائية، وأعلنت بأنها ستمتثل لأحكامها وتحترمها بأمانة وإخلاص.
- – شكل الأمين العام لجنة تحقيق، وأقر المجلس التنفيذي للمنظمة إجراءات صارمة وجدولاً زمنياً لكشف وتسليم المخزون.
- – أصدر مجلس الأمن القرار رقم 2118 (2013) ويتناول جانبين اثنين:
- الأول لتدمير الأسلحة الكيميائية، تضمن إدانة استخدام النظام للأسلحة الكيميائية، وقتله المدنيين في ريف دمشق، والترحيب بالاتفاق الروسي الأمريكي لتدمير الأسلحة الكيميائية في سورية، وبجهود المنظمة في هذا الإطار، وبإقرار القضاء على برنامج الأسلحة الكيمائية في سورية، مثلما تضمن منع استحداث أو إنتاج أو حيازة أو تخزين أو احتفاظ أو نقل أي منها، باعتبار ذلك يشكل خطراً على الأمن والسلم الدوليين.
- والثاني للتسوية السياسية، من خلال التأييد التام لبيان جنيف، المتضمَّن في نص القرار، ويحدد عددا من الخطوات الرئيسية تبدأ بإنشاء هيئة حكم انتقالية، تمارس كامل السلطات التنفيذية، تشكل على أساس التوافق، ويمكن أن تضم أعضاء من الحكومة الحالية والمعارضة، واﻟﻤﺠموعات الأخرى.
ينظم القرار الأثمان المتقابلة في الصفقة الأمريكية الروسية، وعلى هذا الأساس صِيغت مواده لضمان الوصول إلى هاتين الغايتين.نستنتج من التحليل، نظرة الولايات المتحدة الأمريكية إلى استمرار استخدام أو حيازة الأسد الأسلحة الكيميائية، على أنه بالدرجة الأولى، نكوثاً روسيا باتفاق ابرمته معها، مع عدم إهمال الأسباب الموجبة الأخرى غير المعلنة بشكل واضح في القرار.يفسر هذا الإجراءات العملية المتمثلة بالضربة الأمريكية البريطانية الفرنسية، في 14 نيسان 2018، للرد على إعادة استخدام الأسد الأسلحة الكيميائية، في مقارنة مع مجرد التصريح والتنديد إزاء قتله أعداداً مضاعفة من المدنيين بالأسلحة الأخرى.وفيما نص القرار بالبند 21 على “فرض تدابير تحت الفصل السابع من الميثاق في حالات عدم الامتثال” إذا ما حصلت لاحقاً، ترك باب محاسبة المتورطين في مجزرة دوما وما سبقها أقل وضوحاً، في نصه بالبند 15 “على القناعة الراسخة بضرورة محاسبة المسؤولين” دونما إحالة مباشرة إلى آلية تنفيذية أو محكمة دولية تنظر بذلك؛يستخدم الأطراف في الاتفاق المساءلة عصاً مرفوعة لضمان الالتزام بما هو آت، مضحين لأجل ذاك بما مضى ومن قضى، في عبث بمبادئ العدالة، يتجلى بتدمير أدوات الجريمة، وترك المجرم طليقاً، ومفاوضاً على مستقبل سورية في العملية السياسية، وشريكاً في هيئة حكمها الانتقالية.وفيما يبدي النظام وداعموه الروس والإيرانيون مزيداً من الاستهتار بالقرارات الدولية، تتحرك عصا المساءلة لضبط الإيقاع، فتتزامن الذكرى السنوية السابعة لصيف دوما الدامي، مع إصدار الولايات المتحدة الأمريكية لوائح عقوبات اقتصادية تطال عدداً من رموز وقيادات الأسد، ومع تأكيد المجلس التنفيذي لـمنظمة حظر الأسلحة الكيميائية، كذب إعلان النظام الالتزام بتدمير الأسلحة الكيميائية، ومع إثبات فريق التحقيق وتحديد الهوية تورط القيادات العسكرية العليا في الجمهورية العربية السورية باستخدام غازي السارين والكلور في اللطامنة.بين هذا وذاك يفضح انفجار بيروت السلوك المستمر لمنظومة الأسد – حزب الله، في حيازة غير مشروعة لنترات الأمونيوم، أودت عمداً أو اهمالاً بحياة العشرات من المدنيين.وفي كل يوم يمر يرتكب المجرم بالاعتياد جرائم جديدة بحق الأبرياء، وآلاف الضحايا يضافون إلى أهالي دوما المعذبين بقتل وجرح وإعاقة واعتقال ذويهم، وبتهجيرهم من موطنهم، لا يجبر الخاطر لديهم إلا عودتهم الآمنة والكريمة إلى ديارهم، ومساءلة المتورطين بجرائم حرب وإبادة وجرائم ضد الإنسانية بحقهم.حصيلة سبع سنوات بعد صدور قرار مجلس الأمن 2118 تؤكد التفاف وتعطيل الأسد لجميع بنوده، فلا هو التزم باتفاقية حظر الأسلحة الكيمائية ولا هو التزم ببيان جنيف للتسوية السياسية، الأمر الذي يجعل من إنقاذ الشعب السوري برحيله، إنقاذاً لمصداقية الأمم المتحدة، وحمايةً للأمن والسلم الدوليين.
ياسر فرحان_ الجسر