تبدل المشهد الأسري السوري كثيرا عما كان عليه قبل العقد الأخير ، وتسبب الصراع المسلح مع ما أفرزه من انقسامات مجتمعية وعمليات تهجير قسري ونزوح داخلي ولجوء خارج حدود الدولة مضافا إليه تدهور مريع في الأوضاع الاقتصادية لعموم السوريين، كل تلك العوامل مجتمعة أفرزت حالة من تفكك بنية الكثير من الأسر وارتفاع معدلات الجريمة والانتحار والطلاق.. ما يفرض علينا طرح مقاربات حقوقية وقانونية ومجتمعية تحاول ما أمكن – وكل ضمن اختصاصه – تخفيف الأثر المدمر لبنية المجتمع.
مع تبدل أوضاع السوريين خلال العقد الأخير على مختلف المستويات، ومع وجود ما لا يقل عن ستة ملايين لاجئ سوري موزعين في دول مختلفة ويخضعون لقوانين مختلفة أيضا باختلاف موطن إقامتهم، بات مهما أن تكون هناك رؤية مختلفة ومقاربات جديدة لمضامين عقود الزواج التي يتم إبرامها بين طرفين سوريين أو أحدهما سوري وبما ينسجم مع الموجبات القانونية التي تفرضها قوانين الدول التي صارت موطناً جديدا لهم.
مع تبدل أوضاع السوريين خلال العقد الأخير على مختلف المستويات، ومع وجود ما لا يقل عن ستة ملايين لاجئ سوري موزعين في دول مختلفة ويخضعون لقوانين مختلفة أيضا باختلاف موطن إقامتهم
بداية وفيما يتعلق بعقود الزواج المبرمة لدى المؤسسات القائمة على ذلك داخل سوريا في المناطق خارج سيطرة النظام السوري فيجب أن يعلم المتعاقدون أن عقود زواجهم من الوجهة الدينية هي شرعية تماما، أما من الوجهة القانونية فهي غير معترف بها على الإطلاق باعتبار أن توثيقها يتم أمام جهة غير مخولة قانونا بذلك ولا تملك الصفة ولا الصلاحية لعملية التوثيق باعتبار أن النظام ما يزال هو الممثل القانوني للدولة السورية.. لذلك ننصح كل زوجين أن يبرما عقد زواج شرعي – عرفي بينهما بحضور الشهود قبل قيامهما بتوثيق زواجهما لدى سلطات الأمر الواقع في تلك المناطق، والاحتفاظ بهذا العقد العرفي حتى يتم تثبيت هذا الزواج ونسب الأطفال استنادا إليه أمام محاكم الدولة السورية مستقبلا في حال لم يلحظ أي اتفاق سياسي مستقبلي مسألة الاعتراف القانوني بالعقود المبرمة من قبل سلطات الأمر الواقع في مختلف مناطق سيطرتها وإدراج مضامينها والآثار المترتبة عنها في سجلات الدولة السورية سواء كانت تلك العقود والتوثيقات تتعلق بوقوعات الأحوال المدنية أو تتعلق بالبيوع العقارية ومختلف أنواع الحقوق العينية.
أما فيما يتعلق بالحقوق المالية للزوجة والشروط الخاصة التي يمكن لها إدراجها بعقد الزواج – ونحن هنا مازلنا نتحدث عن الزواج الشرعي وفق القانون السوري – فإننا ننصح بشأن المهر – أكان قليلا أو كثيرا – أن يكون مقبوضا بكليته وهذا هو الأصل في الشريعة، أما المعجل والمؤجل فهو مجرد عرف اجتماعي لا أكثر، أما ما يتعلق بالشروط الخاصّة فللزوجة أن تشترط مثلا حق تطليق نفسها إن تزوج زوجها زوجة أخرى، أو إن غادرها الزوج لمدة تتجاوز الستة أشهر من دون علم منها ولا إرادة، وأن يدون في العقد عنوانا يعتبر بمنزلة موطن مختار للزوج للتبليغ والتبلغ حتى تتمكن الزوجة من تبليغه بواسطة كتاب مسجل لدى كاتب العدل وإثبات واقعة تركه مسكن الزوجية أكثر من تلك المدة، أو أن يكون مسكنها مستقلا لها ولأولادها أو غير ذلك من الشروط المباحة.
ما يتعلق بعقود الزواج التي يبرمها سوريون في دول اللجوء التي تطبق قانون الزواج المدني كما هو الحال في تركيا وعموم الدول الأوروبية والأميركيتين فمن المهم بيان أن هذا الزواج ليس فيه مهر كما الزواج الشرعي وأن الزوجين إذا ما وقع خلاف بينهما يفضي إلى الطلاق والانفصال فإن الممتلكات والثروة التي تملّكاها بعد الزواج تخضع للقسمة
أما ما يتعلق بعقود الزواج التي يبرمها سوريون في دول اللجوء التي تطبق قانون الزواج المدني كما هو الحال في تركيا وعموم الدول الأوروبية والأميركيتين فمن المهم بيان أن هذا الزواج ليس فيه مهر كما الزواج الشرعي وأن الزوجين إذا ما وقع خلاف بينهما يفضي إلى الطلاق والانفصال فإن الممتلكات والثروة التي تملّكاها بعد الزواج تخضع للقسمة بينهما مناصفة من حيث المبدأ.. ولذلك أرى من المهم هنا ولحماية حقوق الأطراف أن يقترن عقد الزواج باتفاق مالي مفصّل يحدد فيه الأطراف ما يمكن وما لا يمكن أن يخضع لتلك القسمة عند الانفصال والسقف المالي الذي يمكن أن تحصل عليه الزوجة إن وقع الطلاق ولا عيب في ذلك خصوصا أنه قد يكون أحدهما لا يعمل ولا يسهم أبدا في الإنفاق على الأسرة وبالتالي لا يسهم في جني الثروة المشتركة بعد الزواج، وأن يعرف كل طرف من المتعاقدين ما له وما عليه وأن يتم توثيق ذلك الاتفاق (الذي يسمى عادة اتفاق ما قبل الزواج) لدى كاتب العدل فيكون وثيقة تحمل تاريخا ثابتا لا يمكن المنازعة بشأنه في هذا المجال وكذلك ضمان أن المتعاقدين عبرا عن مضمونه وتبنياه بكامل إرادتهم الحرة لدى مؤسسة رسمية، وأن يتم لحظه والإشارة إليه في عقد الزواج.
ولا بأس أن يشير اتفاق ما قبل الزواج إلى قسمة الأموال المشتركة المتأتية بعد الزواج مناصفة بين الزوجين أو أقل من ذلك أو أكثر بحسب ما يتم الاتفاق عليه بينهما، أو أن يختص كل منهما بأمواله دون تشارك فيها أو أن يتم الاتفاق على حصول الزوجة مثلا على تعويض بمبلغ معلوم ومحدد أو بنسبة مئوية من قيمة ممتلكات الشريك وأرصدته إن حصل طلاق بينهما وكانت المسؤولية في ذلك من وجهة نظر المحكمة على الزوج بنسبة تتجاوز 60 % والعكس أيضا صحيح .
كما يجب التنبيه إلى أنه في حال كانت الأموال مشتركة بعد الزواج فإنه من المهم التوضيح أن الأموال التي اكتسبها احد الزوجين قبل الزواج أو الأموال التي تؤول لأحدهما إرثا من مورثيه بعد زواجه لا تدخل في حساب الأموال القابلة للقسمة لأن الطرف الآخر ليس شريكا في جني تلك الأموال وبالتالي لا يجوز إدخالها في تلك القسمة.
وهناك حالات من الزواج يطلب فيها من الزوج أداء مهر لزوجته بالرغم من أن الزواج سيعقد كزواج مدني وفق قوانين دولة الإقامة فهذا أدعى لكتابة اتفاق ما قبل الزواج فلا يجوز أن تحصل الزوجة على مهر وفق قوانين الزواج الشرعي ثم تطلب شراكتها في مال الزوج وفق قوانين الزواج المدني (!) فإما هذه وإما تلك ولا يجوز الجمع بينهما.
في جميع الأحوال إن الأساس في الزواج أن يقوم على فكرة التأسيس لحياة مشتركة قوامها الاحترام المتبادل والمودة والتراحم بين الزوجين لكن ذلك لا ينفي ولا يلغي إمكانية الاختلاف وتعذر الحياة المشتركة أحيانا لأسباب متنوعة ولا يمكن حصرها، وبذلك تكون مثل تلك العقود الواضحة الخالية من الإبهام وسيلة لإدارة الخلافات والمنازعات المالية بين الزوجين وحفظ حقوق كل منهما بتوازن ودون إجحاف امتثالا لقوله تعالى: ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهًا ۖ وَلَا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ إِلَّا أَن يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ ۚ وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِن كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَىٰ أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا )) ” النساء – 19 ” صدق الله العظيم .
غزوان قرنفل _ تلفزيون سوريا