«لم أفكر إن كنت سأحبه أم لا أو هل من الممكن أن يحدث بيننا انسجام وتفاهم، كل ما فكرت به هو أنه علي الزواج سريعاً وهذا شاب مناسب يمتلك مالاً وجنسية أوروبية، ما الذي يمكن أن تطمح إليه فتاة أكثر من ذلك».
تتحدث “هناء سعدو” (اسم مستعار) عن علاقتها بزوجها والذي تزوجته بغير حب، وهي فتاة تبلغ من العمر ستة وعشرين عاماً، متخرجة من كلية التربية ومتزوجة منذ عام، تتابع: «كانت هناك فكرة واحدة تسيطر على عقلي، بأنني قد أبقى بلا زواج إن تأخرت أكثر من ذلك، وأثرت الفكرة على أشياء كثيرة في حياتي، فأخواتي متزوجات منذ زمن ويعشن في أوروبا، فشعرت بأنني لا يمكن أن أعيش هنا، وفي النتيجة بعد سنة واحدة تدمرت علاقتي الزوجية بسبب غياب الحب والتفاهم».
تتشارك “هناء” مع الكثير من فتيات سوريا في هذه الأيام ذات الأفكار والرغبات، فالفتاة وما أن تدخل العشرين حتى تبدأ بتكريس وقتها وحياتها للبحث عن الرجل المناسب، والذي سينتشلها من واقع لا تحبه، فالحياة في سوريا صعبة ومتعبة وإن كان هناك رجل ناجح وغني، ما المشكلة؟ ينطوي ذلك على عادة الرضا والخضوع ونكران القدرات، فالفتاة هنا تتعلم من صغرها بأنها غير قادرة على بناء حياة مادية واجتماعية بنفسها وهي تحتاج لرجل ليفعل ذلك نيابةً عنها.
إما الحب أو الحرب
غالباً ما يقابَل السؤال عن الحب في السنوات الأخيرة في سوريا بسخرية من قِبل الجنسين، البعض يعتبره غير ممكن ضمن هذه الظروف، وآخرون يعتبرونه وهماً للهروب من الواقع، “انجيلا سالم” (اسم مستعار)، فتاة في الثالثة والعشرين تدرس في كلية الصيدلة، تقول: «لا أعتقد بأننا قادرون على الحب في هذه الظروف، فقد أصبحنا نتجنب الآخرين ونفضل العزلة على الحياة الاجتماعية، ولكن لا يمكنني إنكار وجود تلك الرغبة والمشاعر لدي، بأن أعيش قصة حب، لكن الواقع لا يلبي هذه الرغبة، فالشباب يتجهون للتسلية والعلاقات العابرة وأنا أرغب بالاستقرار».
تختلف قيمة العلاقة وشكلها بين الرجل والمرأة، فغالباً ما تفضل النساء الشعور بالاستقرار والالتزام، فيما لا يشكل ذلك فارقاً لدى الرجال وخاصة إن كانوا في عمر صغير، يتجه الشباب السوري اليوم إلى العلاقات المفتوحة والتي لا تحمل طابع الالتزام بشخص واحد، وربما يعود ذلك إلى عدم استقرارهم و حلمهم الدائم بالسفر والمستقبل المجهول بالنسبة لهم، وذلك يجعل الفتيات أكثر إقبالاً للارتباط برجال ينوون الزواج دون المرور بتجربة الحب والتعارف واختبار مدى الانسجام بين الشريكين.
وسائل التواصل الإجتماعي ووهم الحب
«في عام 2019 تعرفت على أحدهم عبر الإنترنت، وبقينا نتحادث لسنتين، كانت حالة غريبة، حيث وجدت نفسي أنسجم معه بشكلٍ كامل، لم نستطع تحقيق اللقاء بسبب سفره خارج البلاد ولم تتطور تلك العلاقة، لم أدرك حتى بعد خروجي منها بأنه ليس حباً».
“لمياء فريد” (اسم مستعار)، في الثامنة والعشرين من العمر، تتحدث عن العلاقات العاطفية عبر الإنترنت والتي باتت موجودة وبكثرة في مجتمعنا، هذه العلاقات تتطور في بعض الأحيان لتصبح زواجاً، وفي حالات كثيرة تفشل وتنتهي كما بدأت، تتابع “لمياء”: «الحب عبر الإنترنت تجربة غريبة، فأنتِ تلجئين لتكثيف مشاعركِ عبر الكلمات التي ترسلينها أو تتلقينها، دون أن يحدث أي تواصل بصري أو حسي حقيقي، هو نوع من الإيهام بالحب وتأكيد ذلك بالكلمات، وإلا كيف يمكنكِ الوقوع في حب شخص لم تشعري بوجوده الفيزيائي وشكله ورائحته وحضوره، إنه أمر غير حقيقي، لكنه يستطيع تغييبكِ عن الواقع والانجرار معه».
الحب والواقع
«في عائلتي لا يوجد ما يسمى حباً، نحن لا نحب، والدي يتكفل باختيار من سأشاركه حياتي، وعلي بعدها أن أتقبله وأبحث عن الأسباب التي تجعلني راضية عن زواجي الذي أجبرت عليه».
“نسرين فاضل” (اسم مستعار)، لم تعش الحب يوماً رغم بلوغها الرابعة والعشرين، وهي طالبة في كلية السياحة، تتابع: «نتعلم تدريجياً أن نكبت عواطفنا ونتخلى عما نشعر به، فذلك ليس من حقنا، أنا لا أتجرأ أساساً على النظر إلى الشبان، يمكنني التعامل معهم ولكن ضمن حدود مرسومة لي، كيف لي أن أحب وأخي يوصلني للجامعة ويأخذني مساءً كي لا أتحرك وحدي».
ينقسم مجتمع الفتيات في سوريا لعدة أجزاء، فهناك الفتيات اللواتي يعشن ضمن بيئة محافظة ويضطررن للخضوع لعادات وسطهنَّ الاجتماعي، وهنا الحب بالنسبة لهاته الفتيات مرفوض أخلاقياً، فلا يحق للفتاة أن تعيش شيئاً كهذا، وفئة أخرى أكثر انفتاحاً ولكن الشكل الوحيد للحب بالنسبة لهن هو الرجل الذي يمتلك المال والقدرة على السفر وإسعادهن، وتعتبر هذه الفئة ليست بقليلة، ثم تأتي فئة الفتيات الرافضات للحب والالتزام واللواتي تشكل العلاقات بالنسبة لهن شيئاً عادياً يستطعن الاستغناء عنه أو التمتع به في حال وجوده.
زواج أم هروب؟
ترفض “ريم سلوم” (اسم مستعار)، فكرة الزواج فقط بسبب العمر أو الضرورة الاجتماعية، وتقول: «لا يمكنني قبول الزواج برجل فقط لأني أصبحت في عمر الزواج أو لأن هناك رجلاً يمتلك مواصفات تحلم بها الفتيات، ما أبحث عنه هو علاقة أشعر فيها بالانسجام والتفاهم والمتعة المشتركة، وحتى إن لم أتزوج الآن فأنا قادرة على صنع حياة مستقرة وحدي».
تواصل “ريم” دراستها حيث أنها بدأت الماجستير في هندسة العمارة، وتعمل بالإضافة لدراستها في مكتب هندسي، وتتابع: «الحب أصبح أكثر صعوبة لأنني كلما تقدمت في العمر أكثر أشعر بأن خياراتي تصبح أقل نظراً لما يمكن أن يثير فضولي بالرجال أو لا، ومع الأوضاع التي نعيشها في هذه البلاد فالحب أصبح رفاهية، و أكثر ما يمكننا فعله هو إيجاد شخص نستطيع التفاهم معه والشعور بالأمان».
فرضت الحرب على سوريا زيادة تكريس الحالة النمطية من الزواج، فالفتيات يتنافسن فيما بينهن من ستتزوج في عمر أصغر ومن تلك التي ستحصل على زوج ثروته أكبر، فيما أسقطن مفهوم الحب والعاطفة من حساباتهن مرة أخرى وبكامل إرادتهن هذه المرة، حيث أن المال والرفاهية تجذبهن بشدة ليتناسين أهمية العلاقة المتزنة بين الجنسين والتي تعتمد بشكل أساسي على الحب والعقلانية والتفاهم.
لا يمكننا إنكار أهمية الحب في حياة الإنسان، فالتوازان العاطفي ينعكس على جميع جوانب الحياة، والحب يزيد من النجاح في أية علاقة ويفضي إلى دعم متبادل ورفع لمستوى الشريك ومن المهم الشعور بأن الطرفين هما ندّان في أية علاقة يملكان من الحب والطموح والنجاح قدراً متساوياً، وليس أحدهما معتمد بشكل كامل على الآخر متناسياً ذاته ومحققاً لها بأفعال الآخر ووجوده.
ربا أحمد _ الحل نت