لم ينضم جيش روسيا إلى الحرب ضد الشعب السوري إلا ليساعد السوريين على إيجاد حل للصراع الدائر بينهم لا يتدخل فيه أحد. ولم يأمر بوتين جيشه بغزو سورية، وشن الحرب على الشعب السوري، لأنه كاد يطيح الأسد، وصولا إلى حسم موازين القوى لصالحه، بحيث يفرض عليه النتائج التي تترتب عادة على حلٍّ عسكري ناجز. كما لم يقصف جيش موسكو المدنيين السوريين، ولم يقتل أحدا منهم، أو يدمر مصادر عيشهم، ليس لأنه أراد احتلال بلادهم وتحويلها إلى نقطة عبور إلى بقية الدول العربية لاسترداد ما كان للسوفيات فيها من حضور ونفوذ، كما قال بوتين بـ “عضمة لسانه”، بل غزاها وقصفها ودمرها حبا بالسلام، ومن أجل تمكين السوريين من التنعم به.
هذا ما يحاول إقناعنا به بوق روسي يتحفنا، بين فينةٍ وأخرى بمثل هذه السذاجات عن سياسة روسيا، كأننا لا نلمس نتائجها في شتى مجالات حياتنا، ولسنا ضحايا يوميين لها، أو نجهل أن موسكو لا تريد لنا غير موفور الصحة والعيش الرغيد، تحت قنابلها وصواريخها، وأنها ترفض، لدواع إنسانية، مد يدها إلى رياض حجاب، بسبب جرائمه ضدنا، ولم يعلم بها الطاهر العفيف بشار الأسد، الذي أرسلت قرابة سبعين ألفا من ضباطها وجنودها، واستخدمت نيفا وثلاثمائة سلاح جديد وقديم لوقف إرهابنا ضده، ومن المؤكد أن حبه لشعبه كان سيمنعه من اختياره حجاب لرئاسة الحكومة، لو كان يعرفه على حقيقته.
كلما قرأت هذه السذاجات أتساءل: أي قدر من احتقار قارئيه يمتلك هذا السيد، الذي ذكّر قبل فترة بعض من أفنوا أعمارهم في مقارعة الاستبداد الأسدي بضرورة التفكير بمصالح الشعب السوري، الذي يلقي الروس على أطفاله قنابل محشوّة بالشوكولاته والملبس، وغزوه امتثالا لرغبته في إنقاذ بشار الأسد الذي لم يرتكب جرائم ضده، ومن الضروري مقاطعة من انشقّ عنه، ورفض الغرق في دماء إخوته السوريين، بما أن روسيا لا تتعامل مع قتلة، أو تمد أيديها إليهم؟
أية وقاحة أن يتحدّث هذا البوق الساذج عن الحرص على الشعب السوري، ويطالب السوريين بالرضوخ لقاتلهم، ويستهجن، في الوقت نفسه، التساؤل عما إذا كانت موسكو قد التقت بمن انشقّ عنه، بدل التوقف عند دلالة تخلي رياض حجاب عن ثاني أعلى موقع سياسي في السلطة السورية، على الرغم من علمه أن السلطة مدعومة ومكفولة روسيا وإيرانيا، وأن انضمامه إلى الثورة يتطلب المخاطرة بحياته وأسرته؟ لكنه أقدم على المخاطرة، كي لا يسهم في جرائم القرن الأسدية/ الروسية/ الإيرانية، ضد شعبه المسالم، الذي طالب بالحرية: الوعد الذي قطعه حزب الأسد ونظامه على نفسه قبل سبعين عاما، ثم حقق نقيضه، وما إن ذكّره السوريون به حتى انقضّ عليهم بجيشه ومخابراته، وحين فشل في ردّهم إلى بيت طاعته، سارع بوتين إلى إنجاده بغزاةٍ، أولهم في دمشق وآخرهم في موسكو، يصحب قتلته بالسلاح قتلة بالأقلام، كهذا الطبال البائس، لا يخجل من التحدث عن احترام الشرعية الدولية، متجاهلا معرفة السوريين أن موسكو عطلتها باستخدام حق النقض 13 مرة في مجلس الأمن الدولي، وأنها منعت إصدار قرار عن المجلس بالتحقيق في استخدام سلاح كيميائي ضد السوريين، على الرغم من أن مندوبها في المجلس اتهم المعارضة بالوقوف وراءه!
يبدي هذا الشخص بعض التذمر من سفاح دمشق في مقالاته، لإيهام غافلين بأن موسكو تخلت عنه، مع أنها متمسّكة بخطتها القديمة عن تشكيل حكومة وحدة وطنية مرجعيتها القاتل، الذي يجب أن يجدّد رئاسته عبر انتخابات حرة، بالقدر الذي رأيناه في الاقتراع على تعديل دستوري روسي، يبقي بوتين الأسد في منصبه حتى عام 2036.
إن الحماقة أعيت من يداويها، وروسيا لم تتعلم درس السوفيات.
ميشيل كيلو _ العربي الجديد