“المرأة التي مهرها دجاجة.. طلاقها كش”، هذا مثل متداول في المجتمع السوري ودول أخرى من بلاد الشام، ويقصد به المرأة التي لا تطلب مهراً أو مهرها قليل، لا يتمسك بها الزوج ويطلقها دون أن يرمش له جفن، كما يطلق عليها العديد من الصفات والأحكام، مثل “رخيصة، معيوبة، ربما مصابة بمرض ما، ليس لها أهل، أصلها غير معروف، مطلقة وأرملة”.
هل يعني هذا أن المرأة في نظر المجتمع سلعة؟ يرتفع وينخفض سعرها بحسب مميزاتها! هل هذا الأمر يدفع بعض الرجال أو العائلات بالتباهي بالمهر الذي دفعوه مقابل الزواج من امرأة ما؟ أو يجعل امرأة تتفاخر بين النساء بقيمة مهرها؟
لست سلعة.. لا أريد مهراً
إيمان، 23 عاماً فتاة سورية تدرس في جامعة غازي عنتاب جنوب تركيا، قالت لـ “الحل نت”، «أنا أرفض المهر تماماً ولا تستهويني فكرة أن يتقدم لي شاب ويتباهى بالمهر الذي سيدفعه، ولكن ما يخيفني أن يعتبرني المجتمع رخيصة».
لا تحبذ إيمان أن تكون امرأة لها مهر، ولكنها ربما تنصاع لرغبة أهلها وعائلتها الكبرى، إذ أنهم مصرون على أن الفكر الذي تحمله لن يأتي لها إلا بالخراب، وعليها أن تجعل الرجل يدفع كل ما يملك حتى يحصل عليها.
دعاء 27 عاماً، تدير مشروعاً لتمكين النساء في شمال سوريا، قالت لـ”الحل نت”، «لن أطلب من شريكي المستقبلي مهراً، وسأحرص على مشاركته في كل تفاصيل الحياة مادياً ومعنوياً، وحضرت نفسي مسبقاً لردة فعل المجتمع السلبية».
الصحفية السورية نور الهدى مراد، ترى أن الحديث عن أن المهر تسليع للمرأة ليس دقيقًاً، وشرحت وجهة نظرها للحل نت، إذ قالت “أن الأصل في الأمر عقد يرتضيه طرفان”، موضحة أن التقاليد الاجتماعية في بلاد الشام ذهبت باتجاه ممارسات تجعل الأمر يبدو كأنه تعويض مالي للأسرة من زوج الابنة أو يجري الاتفاق على مبلغ لتجهيز العروس”.
واستعرضت الصحفية خلال حديثها لـ”الحل نت” مثالاً اعتبرته إيجابياً فيما يخص المهر، من خلال مشاركة الزوجة في تجهيز منزل الزوجية مع شريكها في دولة مصر.
الاختصاصية النفسية أسيمة مرشد، قالت لـ “الحل نت”، «المجتمع مازال يضع وصمة لشرف المرأة بكثير من النواحي، فهو يعتبر أن المهر ثمن شرف الفتاة وكرامتها».
وأضافت أنه «عندما ترى بعض الفتيات ما يقوم به الأهل من متاجرة وتسليع وتقليل من قيمتها بطلب مهور عالية أو تثمين جمالها أو شهادتها، من الطبيعي أن يكون لديها ردة فعل دفاعية وحقوقية تدافع عن نفسها وعن كرامتها وذلك برفض هذا التسليع».
المهر شرعاً.. هدية أم فرض
المهر لغة: هو ما يلتزم الزوج بأدائه إلى زوجته حين يتم زواجه بها، بحسب ماجاء في معجم الوجيز.
ويسمى بحسب الرأي الشرعي في الدين الإسلامي “صداقاً” وهو مبلغ من المال يدفعه الرجل للمرأة التي يرغب بالزواج منها، وفسره رجال الدين أنه يحفظ حق المرأة ويكسبها مكانة عالية لدى الرجل.
الباحث الإسلامي التنويري أحمد الرمح، عرفه في لقاء مع الحل نت، بأنه “المسمى القانوني والشرعي للمال الذي تستحقه المرأة بعقد الزوج، ولكنه أكد أنه ليس شرطاً من شروط الزواج ولا ركناً من أركانه، ويجوز العقد من دون تسمية مهر أو استلامه”.
وفلسفة الإسلام في مسألة المهر كما تحدث عنها الرمح، باعتباره رمزاً أو هدية يقدمها الرجل في الزواج وليس واجباً، وبيّن، أن هذا الزواج هو مشروع إنساني قائم على المودة والرحمة والمشاركة في كل مسائل الحياة، مؤكداً أن هذه الأمور لا تقدر بمقابل مادي.
زوجة ببلاش!
وداد 38 عاماً، معلمة سورية مقيمة في ولاية هاتاي التركية، تعرفت على طليقها في مراحل الدراسة وتزوجها بعد التخرج وأنجبا طفلاً.
قالت للحل نت “قررنا أن نتزوج من دون مهر، لأننا كنا نراه تقليلاً من شأن المرأة، ولكن أول مشكلة زواج حصلت بيننا، قال لي تزوجتك ببلاش يا رخيصة!”.
وأضافت ” أسوء شعور تختبره امرأة هو أن الرجل الذي اعتقدت أنه شريك لها ويتفق معها بفكرها، كان يكذب منذ البداية واعتبرها ملكاً له بمهر أو من دون مهر”.
واجهت وداد ضغطاً مجتمعياً كبيراً، سواء عندما قررت الزواج بدون مهر، إذ عارضتها عائلتها بشدة وحذرتها من تبعات هذا القرار على حياتها لاحقاً وذكروها بمثل “الدجاجة والكش”، ولكنها أصرت على موقفها، وعندما قررت الانفصال أيضاً تعرضت للتوبيخ لأنها لم تسمع كلامهم.
ورأت الاختصاصية النفسية أسيمة مرشد، أن هذا المثل مرتبط بتاريخ طويل من ظلم المرأة الذي يعتمد على النفاق الاجتماعي في تركيبته وليس على الأخلاق، بحسب ما قالته لـ “الحل نت”.
محمد، 29 عاماً، شاب سوري مقيم في ولاية غازي عنتاب جنوب تركيا، قال للحل نت، “أحببت فتاة وقررنا الزواج وخططنا لكل تفاصيل حياتنا سوياً، عندما أخبرت والدتي تفاجئت بأننا لم نتطرق لموضوع المهر، وحذرتني من الزواج بهذه الفتاة”.
والدة محمد صدمت من الفتاة لأنها لم تطلب مهراً، وتوقعت أن تكون فتاة سيئة السمعة أو تشكو من مشكلة ما.
من وجهة نظر أسيمة، إن أي فكرة أو سلوك اجتماعي أو فردي إذا كان له آثار سلبية على الفرد أو المجتمع، مرفوض ويلزم تغييره، وأشارت إلى أن هذا الأمر ينطبق على المهر لأن المجتمعات العربية تسيء استخدامه وتعتبره متاجرة وتقيّم الفتيات من خلاله، ووصفته بأنه “شكل من أشكال العنف تجاه المرأة”.
ويتأثر مفهوم المهر والزواج والعلاقات بثقافة الشركاء ومستوى وعيهم وتطورهم الفكري، بالتوازي مع التغيير والحداثة في زمن حقوق الإنسان والمطالبة بالمساواة والعدالة بين الجنسين، مما يتطلب من المجتمعات أن تكون أكثر انفتاحاً.
لاسيما، أن المرأة في العصور السابقة كانت تعتمد على إعالة الرجل لها، بينما الآن تعمل وتكسب قوتها بنفسها وتعيل أسرتها وتشارك الرجل في أعباء الحياة المادية.
آلاء محمد _ الحل نت