syria press_ أنباء سوريا
أتصفّح شاشة هاتفي بحذر في نهاية نهار متعب. أدرك أن ذلك الإعلان سيظهر لي في أية لحظة، فهو يلاحقني ويطرح أمامي أسئلة لا يمكنني أن أعرف إجاباتها.
هل تعرفين شكل جسمك؟ هل لك شكل التفاحة، الإجاصة أم زجاجة النبيذ؟ هل أنت بشكل كرة، أم لك شكل مستطيل؟
وينتهي التقييم، بالنصيحة المُنتظرة: اعرفي النظام الغذائي المناسب لشكل جسمك.
أتأمل كل انحناءات جسدي الصغيرة والكبيرة أمام المرآة عارية. لا يمكنني أن أحدد أي شكل أملك. هل أنا فاكهة، خضرة أم شكل هندسي؟
ما أعرفه أن جسدي يتشكل ويتغير مع انتهاء دورات القمر.
تكبر بطني قبل الحيض، وتصبح ممسوحة بعد انتهاء الدم كله. يتكوّر خداي ويتشعّث شعري مع دورة الهرمونات المتقلبة، يسبب لي دواء تنظيم الدورة الشهرية أحياناً صدراً أكبر. عندما أوقفه يصغر صدري.
يبدو أن كمية الملح التي أتناولها، تغير من امتلائي. عليّ أن أوقف الملح إذن.
لا يبدو أن لي ذات الشعر كل يوم، ولا حتى نفس الشفاه، أتغيّر مع دورة الشهر والسنة والحياة.
أصبح حوضي عريضاً بعد الولادة. ومن ثم أصبحت ضئيلة الحجم بسبب الاكتئاب اللاحق للولادة.
ومن ثم ازداد وزني مؤخراً بسبب الجلوس الطويل من أجل العمل، ومع الحجر المنزلي الذي يكاد يصبح أبدياً.
ما الذي يمكنني أن أغيره في جسدي كي أبدو مثلهن؟
أتصفّح أيضاً شاشة هاتفي الصغيرة. على تطبيق الإنستغرام، هناك الكثير جداً من الفتيات والنساء الجميلات: أجساد ممشوقة، نحيلة، طويلة، شعر خلاب، عيون فاتنة. الكثير من الفلاتر.
أتأمل طويلاً عمليات تصحيح الأنف، نفخ الشفاه، وصلات الشعر والأنظمة الغذائية اللانهائية.
أراقب المشاهير من الرجال. يبدون كل يوم بنفس الشكل.
أراقب صديقي، يرتدي ما يريد، حتى عندما يزيد وزنه لا زال له نفس الشكل. يبدو أن ملابس الذكور محايدة أكثر، ولا تحدهم بشكل جسد واحد، بينما أنتقي ملابسي بحذر بالغ كي أبدو كما أحب أن أبدو.
كيف إذن أريد أن أبدو؟
بعيداً عن سلطة الفواكه المقترحة لتصنيف جسدي، وعن علم الرياضيات والجينات والمورثات الشرقية الطاغية على ملامحي، أريد أن أكون مختلفة، وهي رغبتي الدائمة. بالرغم من عدم اقتناعي دوماً بأنني أبدو جميلة، لكنني وصلت مع الوقت والزمن بأنني لن أشبه كل صور الإنستغرام أو فتيات أوروبا الطويلات الممشوقات. لن يصغر أنفي، ولن تطول ساقاي.
هل تدرك النساء كم تتغير أشكالهن وأجسادهن طيلة الوقت، كل شهر وكل يوم؟
ما أريده أكثر أن أعرف من أنا، لماذا لدي عينان سوداوان في الليل، عسليتان في الشمس. شَعر مَن هذا الأسود الطويل الذي يتمدد فوق كتفي؟
هل أشبه مدينتي؟ هل تحفر ذكريات طفولتي آثارها في جلدي؟ هل يُعمر خط الولادات القيصرية في بطني جسراً بين ولادة الروح وعبورها إلى عالم واقعي؟
ومن أنا لأكون جميلة أو لا؟ ولماذا يهم ذلك؟ أعتقد أنني قرأت كثيراً عن لغة العيون، وفهمت أن الجمال يكمن فيما نقوله دون أن نتكلم، وفيما نشعر به تجاه من هم حولنا. وأرى أيضاً أن الرضا والسكينة يضفيان طابعاً مسالماً وجمالاً يُسكن قلق المحيط.
معايير الجمال البسيطة
لا أنكر بالرغم من كل فلسفاتي وهرطقاتي عن الجمال أنني أتبع أنظمة غذائية صارمة، وأعتني ببشرتي وبجمال شعري وحتى رموشي كثيراً، وأحب أن أكون فيما أكون، غضة، رشيقة ونشيطة.
وأما عن مفهومي للجمال، فهو يشبه الرغبة أكثر من أي شيء. الرغبة بالحياة أو حتى الرغبة بالموت.
التوق إلى التجربة والمعرفة والمغامرة، والاستكانة للبيت الدافئ، العابق بأزهار تشبه أزهار طفولتي.
وهو مخطوطات ورقية أحملها بين كفي، ووشوم عن الحرية وعن الشام وعن مدن محروقة وقعت في حبها ذات يوم.
أجرب دوماً أن أتجرد من أفكاري اليومية وأن أحمل في وجهي ما يعنيني، ما أشعر به. فيصعب عليّ أن أشعر بجمال الأشخاص الذين لا يمكنني أن أقرأ عيونهم.
ومن هنا، لا أعرف لماذا نبجّل الجمال الجسدي للنساء بمعزل عن هوياتهن، وعن مجالاتهن وتجاربهن، وكيف نجمعهن في هويات منمطة واحدة… الأم، العزباء، الرشيقة، البدينة، العصرية، والتقليدية؟ ما لا تعرفه السوشال ميديا هو أنني أكون كل يوم كل هذا وأكثر. يمكنني أيضاً أن أكون الدودة والفراشة، يمكنني أن أكون الأم والطفلة.
هل تدرك النساء كم تتغير أشكالهن وأجسادهن طيلة الوقت، كل شهر وكل يوم؟
هل يمكننا إذن أن نفكر ملياً بما نراه بكثافة، وبما نريد أن نرى؟
أدعو من هذا المكان كل النساء اللاتي أعرفهن أن ينشرن صورة لهن خارجة عن سياق المألوف الجمالي، وعن الإطار المحدد لمقاييسنا، بعيداً عن الفلاتر والفوتوشوب.
لأننا نريد أن نشبه ما نحن عليه، وما نحبه حقاً.
زينة قنواتي _ رصيف 22