انتهت مسرحية انتخابات ما يسمى “مجلس الشعب” في سوريا دون مفاجآت على المستوى الشعبي، وربما بمفاجآت في أوساط النظام الذي قرر إزاحة بعض الشخصيات الموالية تقليديا، كما هو الحال بالنسبة للصناعي الحلبي فارس الشهابي، والذي فتح النار على تلك الانتخابات بعد خروجه منها مهزوما على غير ما كان يعتقد.
موضوعي هنا هو الأرقام التي ظهرت حسب وزير العدل هشام الشعار، والذي تحدث في تصريح رسمي للإعلام عن أن سجلات وزارتي الداخلية والعدل قدمت بيانات تقول إن عدد من يحق لهم الانتخاب بلغ “نحو 19 مليونا فيما بلغ عدد الذين مارسوا حقهم الانتخابي 6 ملايين و224 ألفا و687 ناخبا”.
تشير المعطيات إلى أن آخر أرقام وردت حول عدد السكان في سوريا حتى 2011 حسب موقع المكتب المركزي للإحصاء قبل أن يتم تعطيله هو نحو 21 مليون نسمة، وأن آخر دراسة إحصائية للسكان جرت عام 2004 حسب وثيقة أعدها علي رستم مدير الإحصاءات السكانية والاجتماعية في المكتب التابع لمجلس الوزراء.
وتشير جميع التقديرات الصادرة عن مراكز الدراسات منها ما هو تابع للأمم المتحدة أن مجمل سكان سوريا حتى 2020 لا يتجاوز 17.5 مليون نسمة، وهو حساب منطقي إذا ما جرى حساب عدد اللاجئين الهاربين في دول الجوار السوري وأوروبا وباقي دول العالم، وذكرت “المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين” في تقريرها الصادر 18 من حزيران، أن عدد اللاجئين السوريين وصل إلى نحو 6.6 مليون لاجئ موزعين في 126 دولة.
إذا أجرينا تقديرا علميا وفق بعض المواقع المتخصص لنسبة السكان لمن هم تحت سن 18 سنة، وهي الشريحة التي لا يحق لها التصويت في انتخابات مجلس الشعب، سنجد أن هذه الشريحة تشكل نسبة تتراوح بين 39 و40 بالمئة من عدد السكان.
وعلى فرض أن عدد السكان هو 17.5 مليون نسمة فإن من يحق له التصويت بينهم لا يتجاوز عددهم 10.6 ملايين شخص، وبالعودة إلى رقم 19 مليونا الذي ورد في بيانات رسمية لحكومة الأسد أعلاه، فإن التحليل الإحصائي يشير إلى أن عدد سكان سوريا اليوم هو 26.6 مليون نسمة.
إذا تجاوزنا عدد الضحايا والقتلى والمختفين قسراً في الحرب المشتعلة منذ تسع سنوات والذي يزيد عن مليون شخص حسب بعض الإحصاءات، فإن النتيجة التي يمكن استخلاصها هي أن نظام الأسد يقوم بتزوير الأرقام لأسباب سياسية واقتصادية، إلا إذا كان يحتسب الملايين التي هاجرت قبل مئة عام واستوطنت في أمريكا اللاتينية، وهذا أمر خارج عن المنطق لأن هؤلاء لا يملكون قيودا في سوريا، كما أنهم هاجروا حتى قبل تقسيم سايكس – بيكو.
السؤال الأكثر إلحاحا اليوم، هو كيف يمكن لحكومة لا تستطيع إحصاء عدد مصابي كورونا، وتفشل في تقدير كمية الخبز اللازمة لكل مدينة رغم بطاقتها الذكية، كيف يمكنها أن تقدم بيانات إحصائية لبلد فيه نحو 13 مليون نازح ومهجر حسب إحصاءات الأمم المتحدة، والملايين من هؤلاء لا يعلم عن ظروفهم حتى أبناؤهم وأقاربهم، ولا تصلهم فرق إغاثة، بل إن هناك ملايين أخرى لم تنزح ولكنها تعيش في مناطق خارج سيطرة هذا النظام.
حقّاً لإن للعرس الديمقراطي الانتخابي مفاجآته التي لا يمكن لدوائر الإحصاء مواكبتها، ولا لتقارير المنظمات الدولية هضمها، إنه نظام يفكّر حتى بسرقة الموت والقتلى إذا رأى في هذا ما يفيد.
الكاتب ” علي عيد / زمان الوصل