مضى عام على الانفجار الضخم الذي هزّ مرفأ بيروت، وتسبّب بسقوط مئات الضحايا والمصابين، فضلاً عن دمارٍ هائل في الميناء أدى لخروجه عن الخدمة بالكامل، ليكون لذلك الحدث تداعياته السياسية والاقتصادية والأمنية على نظام الأسد و”حزب الله” وإيران، بينما كانت روسيا المستفيد الأكبر.في الرابع من آب العام الماضي تفاجأ سكان بيروت بدويّ انفجارٍ ضخم هزّ أرجاء المدينة، تسبّب بمقتل 214 شخصاً، وإصابة 6500 بجروح، وتشريد 300 ألف شخص لفترة مؤقتةٍ، وفق إحصائيات الأمم المتحدة والمعهد الأميركي للجيوفيزياء ووسائل إعلام رسمية لبنانية.
الانفجار تسبّب أيضاً بخسارة 70 ألف شخص لوظائفهم، وبلغ تعداد الشقق السكنية المتضررة من الانفجار 73 ألفاً، في حين تضرر 9200 مبنى، و163 مدرسة ومنشأة تعليمية، و106 منشآت صحية، بينها ستة مستشفيات و20 عيادة.
الأسد الخاسر الأكبر
انفجار بيروت لم يقتصر على الخسائر في الأرواح والأضرار المادية الهائلة التي خلّفها، بل كانت له تأثيرات سلبية كبيرة على النظام السوري وحليفيه “حزب الله” وإيران.
يقول الباحث في الشأن الاقتصادي يونس الكريم لموقع تلفزيون سوريا: إن “الأسد كان يستخدم مرفأ بيروت كوسيلة للتهرّب من العقوبات الاقتصادية المفروضة عليه خلال سنوات الحرب الماضية، حيث يتم استيراد شُحنات من البضائع الى ميناء بيروت، ومن ثم يستغني أصحاب الباخرة عنها ويتهرّبون من دفع الرسوم الجمركية، وبالتالي تحجز إدارة الجمارك على السفينة لحين سداد الرسوم”.
بعد فترة تُعرض محتويات السفينة في المزاد العلني، ليقوم رجال من النظام بشراء تلك البضائع، وبالتالي يُدخلونها بشكلٍ مجمرك ونظامي إلى بيروت ومن ثم إلى سوريا، وبذلك فإن هذه الخطة تُبعد الشبهات عن الأسد، ولا يمكن ملاحقته من قبل وكالات الاستخبارات الأميركية، كون تلك الشحنات تكون مخصصة للتصدير إلى دول لا تخضع لعقوبات وتتوقف في مرفأ بيروت فجأة، بحسب ما ذكر الكريم.
بدوره أفاد رئيس مجموعة عمل اقتصاد سوريا، أسامة القاضي، أن “انفجار ميناء بيروت كان له دور كبير في تدهور الاقتصاد السوري أضعاف ما كان قبل ذلك الحدث، كونه كان بوابة الأسد الرئيسة لللتحايل على العقوبات، وإدخال البضائع والأسلحة والمخدرات إلى سوريا، عبر الاعتماد على أكثر من 130 معبر تهريب غير شرعي بين لبنان وسوريا، تقع تحت سيطرة حزب الله الذي يتحكم بالسلطة والنفوذ في لبنان”.
وأضاف القاضي لموقع تلفزيون سوريا أن “تفجير مرفأ بيروت فضح الأسد أمام المجتمع الدولي، وبأنه كان يستخدم الميناء للتهرّب من العقوبات، لذلك زادت الرقابة الدولية عليه، وبنفس الوقت زادت فاعلية قانون قيصر ضد النظام، مع تعطّل بوابات كانت تساعده في الالتفاف على هذا القانون، إضافةً إلى أن الطرق البديلة التي لجأ لها الأسد لنقل البضائع والنفط من إيران، باتت مكلفة للغاية، خاصةً عبر قناة السويس، ما أثر كثيراً على اقتصاده المتهاوي”.
تأثير انفجار مرفأ بيروت على اقتصاد النظام، بدا جلياً من خلال انهيار العملة المحلية، فقبيل تفجير الميناء كان سعر صرف الليرة السورية مقابل الدولار في أسواق دمشق 2300 ليرة سورية، أما اليوم وبعد عامٍ على الحادثة وصل سعر الصرف الى 3250 ليرة.
ويرى المحلل الاقتصادي فراس شعبو، أن “تفجير مرفأ بيروت جعل النظام منهاراً اقتصادياً، وأدخله في الكثير من الأزمات، فلم تعد لديه القدرة على توفير الغذاء والمواد والخدمات الأساسية للشعب، كالقمح والأرز والسكر والمحروقات والكهرباء، وقام برفع أسعارها لتخفيف الضغط عليه، ليكون المواطنون هم الضحية”.
ضربة “لحزب الله” وإيران
وتسبّب التفجير أيضاً في أزمة اقتصادية خانقة ضربت لبنان، وأدت إلى انهيار الليرة اللبنانية التي تجاوزت اليوم حاجز 20 ألف ليرة مقابل الدولار الأميركي.
كذلك أدخل “حزب الله” لبنان في أزمة سياسية، حيث استقالت الحكومة اللبنانية برئاسة حسان دياب بعد ستة أيام من الانفجار، لتدير البلاد حكومة تصريف أعمال بصلاحيات محدودة، في غياب اتفاق بين القوى السياسية على تشكيل حكومة جديدة، انتهت بتكليف نجيب ميقاتي قبل أيام بتشكيل الحكومة، وسط توقعاتٍ بإمكانية اعتذاره عن المهمة، ليكون ثالث رئيس وزراء مكلّف يعتذر عن المهمة خلال عام لعدم الاتفاق مع رئيس الجمهورية، بعد اعتذار كل من مصطفى أديب وسعد الحريري.
انفجار المرفأ انعكس أيضاً على الدور الأمني لـ”حزب الله” وإيران في المنطقة، حيث يعتبر الميناء بوابتهما لتوريد الأسلحة والذخائر المطلوبة للاستخدام في حروب المنطقة، وبالتالي كان تفجير المرفأ ضربة للمشروع الإيراني في المنطقة.
تفجير المرفأ أثر بشكلٍ كبير على مخططات “حزب الله” وإيران الأمنية في سوريا، من خلال تعطّل المعركة التي كانوا يعتزمون إطلاقها شمال غربي سوريا، للسيطرة على كامل محافظة إدلب، وتحقيق عملية التغيير الديمغرافي فيها، وخلط الأوراق في مسار الحل السياسي.ومع تفجير ميناء بيروت خسرت طهران آخر أملٍ لها بتصدير نفطها وغازها عبر البحر المتوسط، وباتت مضطرةً للتنسيق مع موسكو المنافسة لها، والالتزام بمعاهدات مضيق هرمز.
مكاسب روسية بالجملة
في المقابل كانت روسيا المستفيد الأول من تفجير مرفأ بيروت، وبرر الباحث الاقتصادي يونس الكريم ذلك في عدة أسباب:
تفجير مرفأ بيروت جعل الأنظار تتجه صوب ميناء طرطوس، الذي تستحوذ عليه روسيا كبديلٍ عن مرفأ بيروت، ما يُدر أموالاً ضخمة على الخزينة الروسية.
بعد تفجير ميناء بيروت، اتجه النظام السوري وإيران نحو مرفأ طرطوس من أجل التبادل التجاري، ما جعل موسكو تستخدمه كوسيلة ضغط على طهران ودمشق.
تفجير مرفأ بيروت منح الروس فرصة أكبر لفرض نفوذهم على لبنان، والبداية كانت من ميناء طرابلس البديل اللبناني لمرفأ بيروت، حيث استطاعت موسكو أن توقّع مع وزارة الطاقة والمياه اللبنانية عقداً لمدة عشرين عاماً لتطوير منشآت لتخزين النفط في ميناء طرابلس، دون رفضٍ دولي، خاصةً من فرنسا وإيران، مستفيدةً من أن الاتحاد الأوروبي لا يستطيع الدخول إلى لبنان والتعاون مع حكومة “حزب الله” خوفاً من العقوبات الأميركية.باتت روسيا الضامن من قبل المجتمع الدولي لتقليص النفوذ الإيراني في لبنان، خاصةً بعد فشل فرنسا في هذه المهمة .
أصبح لروسيا كتل موالية لها في لبنان تعمل إلى جانبها، وبالتالي باتت موسكو لاعباً أساسياً في الساحة اللبنانية، ما يزيد نفوذها أكثر في منطقة الشرق الأوسط، ويساعدها على تدعيم علاقاتها مع دول الخليج العربي.عند إعادة إعمار سوريا والعراق، ستكون لبنان تحت الوصاية الروسية، مما يمنح روسيا دوراً سياسياً واقتصادياً كبيراً.
دمار مرفأ بيروت أعطى روسيا ميزة تفاوضية بملفات كثيرة مع الاتحاد الأوروبي وأميركا، بعدما باتت لاعباً أساسياً في الملف اللبناني إلى جانب الملفين السوري والإيراني، وهذا يعطيها أوراق ضغط كثيرة.
كيف حصل الانفجار؟كانت الحكومة اللبنانية عقب التفجير حدّدت مدة 5 أيام لإجراء “تحقيق إداري” بالانفجار، ورغم مضي عام على الحادث لم يتم محاسبة أي شخص حتى الآن، ومازالت تفاصيل الانفجار غير واضحة تماماً، لكن الكثير من الأدلة والمعلومات نُشرت خلال الأشهر الماضية حول تفاصيل الحادثة والأشخاص المشتبهين في التورط بالانفجار.
الرواية الرسمية تحدثت أن سبب الانفجار ناجم عن انفجار مواد من نترات الأمونيوم كانت مخزنةً ضمن المستودع 12 في ميناء بيروت، وأن تلك المواد تعود لسفينة كانت متجهةً من جورجيا إلى موزمبيق.
ووصلت السفينة المعروفة باسم “روسوس” إلى بيروت في تشرين الثاني عام 2013، ولم يُكتب لها أن تغادر أبداً حتى وقوع الانفجار، بعد أن سقطت في براثن نزاع قانوني طويل بخصوص رسوم الميناء وعيوب في السفينة.
الرواية الرسمية تم تفنيدها عبر سلسلة من التقارير التي كُشفت فيما بعد، ففي نهاية تموز الماضي، أفاد مكتب التحقيقات الفدرالي الأميركي “إف.بي.آي”، أن كمية نترات الأمونيوم التي انفجرت في مرفأ بيروت العام الماضي، لم تكن أكثر من 20% من إجمالي الشحنة التي تم تفريغها عام 2013.
ويقدّر التقرير أن “حوالي 552 طناً فقط من نترات الأمونيوم انفجرت في ذلك اليوم، وهي كمية أقل بكثير من الشحنة الأصلية التي تزن 2754 طناً، ووصلت إلى المرفأ عام 2013”.
ولم يقدّم التقرير أي تفسير لهذا التناقض بين الكمية التي انفجرت والكمية التي وصلت إلى الميناء، كما لم يُوضّح أين ذهبت بقية الشحنة، فيما توقع محللون أن يكون جزء منها قد سُرق، أو أن جزءاً فقط من الشحنة هو الذي انفجر، بينما تطايرت الكمية الباقية في البحر.
في مطلع العام الحالي كشفت صحيفة “ذا غارديان” البريطانية، أن بيروت كانت الوجهة المقصودة لباخرة “روسوس” التي كانت تحمل أطناناً من مادة نترات الأمونيوم، وليس موزمبيق، مشيرةً إلى احتمال أن يكون انفجار أطنان نترات الأمونيوم في مرفأ بيروت، قد أتى نتيجة محاولات مسؤولين سوريين الحصول عليها لاستخدامها في الأسلحة.
ووفق المعلومات، فإن ثلاثة رجال أعمال يقفون خلف إحضار هذه المواد إلى مرفأ بيروت، وهم “عماد ومدلل خوري” و”جورج حسواني” الذين يرتبطون بنظام الأسد وتمويله، لكن الثلاثة عمدوا إلى غسل أيديهم من الشحنة ونفي أي علاقة تربطهم بها.
وكانت واشنطن فرضت على كل من رجال الأعمال الثلاثة في عقوبات لدعمهم الأسد في الحرب السورية، علماً أنهم يحملون الجنسيتين السورية والروسية.
وسبق أن اتهمت وزارة الخزانة الأميركية “مدلل خوري” بمحاولة الحصول على نترات الأمونيوم، قبل أشهر من رسو سفينة الشحن “روسوس” في بيروت خلال رحلة متعرّجة من جورجيا.
ويرى الدكتور أسامة القاضي أن “التحقيقات مازالت مستمرة وسيظل ملف ميناء بيروت عالقاً لسنوات في المحاكم، يدين فيه المجتمع الدولي حزب الله أو النظام في التورط بالقضية دون وجود أي محاسبة أو حل، كما حصل مع قضية رفيق الحريري، لكن قضية المرفأ ستظل ورقة ضغط بيد القوى المتصارعة”.
وينفذ أهالي ضحايا تفجير مرفأ بيروت منذ أيام تحرّكاتٍ شعبية غاضبة مطالبين البرلمان برفع الحصانة عن ثلاثة نواب، شغلوا مناصب وزارية سابقاً، والجهات المعنية بمنح الإذن لملاحقة قادة أمنيين، طلب المحقق العدلي استجوابهم في قضية المرفأ، في الوقت الذي طالب فيه رئيس الوزراء اللبناني السابق سعد الحريري، بإنشاء محكمة دولية لمحاسبة المسؤولين عن انفجار المرفأ.
المصدر: تلفزيون سوريا