في ظلّ الاستقرار النسبي الذي تشهده مناطق شمال غربي سورية منذ سنوات عدة، كان التعليم الجامعي من الأمور الأساسية نظراً لحرمان الكثير من الطلاب من التعليم، خصوصاً أنّ الطلاب كانوا هدفاً لقوات أمن النظام السوري، ما جعلهم يلجؤون إلى الجامعات في المناطق غير الخاضعة لسيطرة النظام.
وخلال السنوات القليلة الماضية، تطّور التعليم الجامعي بشكل ملحوظ، خصوصاً منذ افتتاح جامعة حلب الحرة بريف حلب الغربي عام 2015، بقرار من الحكومة السورية المؤقتة، والتي أتاحت سابقاً فرص التعليم عن بعد للطلاب المحاصرين في مناطق الغوطة الشرقية وحمص وريف حمص الشمالي ودرعا، قبل تهجير سكان هذه المناطق. كما افتتحت جامعة إدلب مطلع عام 2015، مع سيطرة فصائل المعارضة على المدينة. وفي ظل السعي لتطوير التعليم الجامعي، تبقى مشكلة الاعتراف بالشهادة في صدارة المشاكل.
في هذا الإطار، يتحدث رئيس جامعة حلب الحرة عبد العزيز الدغيم عن نقاط عدة تعيق تطوير الجامعة. ويقول لـ “العربي الجديد”: “ما تعانيه الجامعات في المناطق غير الخاضعة لسيطرة النظام، سواء الجامعات ذات الطابع الحكومي أو الجامعات الخاصة هو الاعتمادية والاعتراف، وأن يتمكن الطالب بعد التخرج من متابعة الدراسة في جامعات دولية خارج الحدود، وليس فقط الاعتراف بشهادته داخل الحدود”. يضيف أنّ الشهادة التي تعطيها جامعة حلب معترف بها في الداخل. واستطاع بعض الطلاب متابعة الدراسات العليا في جامعات تركية. وفي الوقت الحالي، “يتابع أكثر من 6 طلاب تخرجوا من جامعة حلب دراستهم في جامعات تركية. لكن للأسف، هذه ليست قاعدة ولا تعني أنّ الجامعة أصبحت معتمدة”.
ويوضح أنّ “القضية سياسية وقانونية كعلاقتنا مع العالم بالنسبة للثورة السورية واعترافه بحقوق الشعب السوري. يجب على العالم أن يعترف بالجامعات في المناطق غير الخاضعة لسيطرة النظام وهذا ما نعانيه”. يضيف الدغيم أنّ “الاعتراف الدولي بجامعة حلب ليس متاحاً حتى الآن. لكن تحاول الجامعة التشبيك مع مؤسسات تعليم عالٍ في العالم. كما أن تركيا بشكل خاص تمنح الطالب إمكانية المتابعة”. وفي ما يتعلق بتطوير التعليم الجامعي للفترة المقبلة، يقول إن الدعم المادي قليل، “لكن علينا أن نطبق المعاييرالمطلوبة المتعلقة بشهادة الطالب وتطوير المناهج لتتناسب مع تطورات المرحلة، وأن يحمل الطالب شهادة معترف بها، وبالتالي نستطيع توفير المعايير الأكاديمية. أما قضية الاعتراف السياسي والقانوني، فهذا يتعلق بموقف العالم من الشعب السوري”.
يتابع: “تبقى مشكلة الشهادة غير المعترف بها العائق الأساسي أمام كافة المتخرجين من الجامعة، ونرجو أن تحصل الجامعة على اعتراف، إذ إنّ الشهادة الجامعية هي ورقة ليس لها فائدة خارج حدود المنطقة غير الخاضعة لسيطرة النظام. كما أن تعب سنوات الدراسة كله مرهون بهذه الشهادة التي هي الإثبات الوحيد على التحصيل العلمي في نهاية المطاف”.
وهناك خطوات يجب على الجامعات العمل عليها لتحقيق الاعتراف بالشهادة الجامعية، وتأتي بالتدرج وتحتاج لفترة زمنية. ويؤكد أحد المدرسين الجامعيين العاملين شمال سورية لـ “العربي الجديد” والذي فضل عدم ذكر اسمه، أنّ “أولى الخطوات المفقودة في جامعات المنطقة، هي غياب آليات مراقبة جودة التعليم، سواء المناهج أو الامتحانات، وهذا الأمر عائق أمام الاعتراف الدولي بالشهادات الجامعية الصادرة عن الجامعات في المنطقة”.
يضيف أنّ “الاعتراف يأتي بعد تأسيس الجامعة عندما يكون لها مصداقية وترتيب عالمي، وكله يحتاج لشفافية وجودة مناهج وجودة علمية، ويتطلب ترتيبات إدارية. كما تحسن وضع جامعة حلب الحرة بعدما تسلم إدارتها عبد العزيز الدغيم، وأصبحت أفضل لكنّ العمل غير كاف حتى الآن. تطوير التعليم الجامعي والحصول على الاعتراف يجب أن يسبقه اتباع الأسس العلمية في الجامعات، من قواعد إدارة وشفافية وعدم تدخل جهات خارجية في الجامعات وكله يمهد للحصول على تقييم واعتراف عالمي”. ويتابع: “المشكلة الأساسية التي تعاني منها الجامعات هي المناهج، خصوصاً تلك التربوية في كليات الشريعة والحقوق والتربية. وحتى الآن، فإنّ المناهج هي مناهج النظام نفسها، وبالتالي نعمل على إعادة إنتاج نفس منظومة النظام. والخطوة التي يجب القيام بها هي بناء مناهج جديدة تتناسب مع المرحلة الجديدة وتلبي احتياجات المناطق غير الخاضعة لسيطرة النظام، وهذا ما تعاني منه أكبر جامعة في المنطقة وهي جامعة حلب الحرة”.
وتأسست جامعة حلب الحرة بقرار من الحكومة السورية المؤقتة في عام 2015 وبدأت أعمالها في كل المناطق غير الخاضعة لسيطرة النظام، أي حلب وإدلب وريف حمص وريف دمشق ودرعا بأكثر من ثلاث عشرة كلية وأربعة معاهد تقنية. واستقبلت جامعة إدلب الحرة نحو 4500 طالب وطالبة في عامي 2015 و2016، وكان عدد الكادر التعليمي فيها 94. ويزيد عدد الطلاب في الوقت الحالي فيها عن 15 ألف طالب، والكادر التدريسي عن 170.
عبد الله البشير _ العربي الجديد