كثفت روسيا خلال الأسابيع الماضية من نشاطها السياسي والعسكري في سوريا، بالتوازي مع انطلاق حوار استراتيجي بينها وبين الولايات المتحدة الأميركية، وقبيل استضافة الرئيس التركي “رجب طيب أردوغان” في مدينة “سوتشي” على السواحل الروسية.
ميدانياً
على الصعيد الميداني ارتفعت وتيرة الغارات الجوية شمال غربي سوريا، وانتشرت على بقعة جغرافية أوسع، إذ وصلت إلى “جبل بركات” غرب حلب، المطل على الأراضي التركية، مع استمرار الهجمات على قرى وبلدات “جبل الزاوية” جنوبي إدلب.
ومنذ السادس عشر من أيلول/ سبتمبر الجاري، بدأت روسيا بتعزيز مواقعها في منطقة “عين عيسى” بريف الرقة، المحاذية للطريق الدولي M4، حيث أكدت مصادر ميدانية لموقع “تلفزيون سوريا” أن القوافل العسكرية الروسية وصلت إلى منطقة “الارتوازية” واللواء “93”، بينها عربات مصفحة ومدافع ميدانية، مما يوحي برغبة موسكو بالزج بثقل أكبر في المنطقة.
وتعتبر منطقة “عين عيسى” بمنزلة العاصمة الإدارية والأمنية لـ “الإدارة الذاتية”، ومصيرها يشكل إحدى النقاط الخلافية بين أنقرة وموسكو، فقد أصبحت تحت النفوذ الروسي بشكل تدريجي منذ الانسحاب الأميركي منها في أواخر عام 2019.
سياسياً
دخلت التعزيزات العسكرية الروسية إلى منطقة “عين عيسى”، عقب وصول وفد من “مجلس سوريا الديمقراطية” إلى موسكو في السادس عشر من أيلول/ سبتمبر.
وبحسب مصادر خاصة لموقع التلفزيون فإن روسيا طرحت على وفد “مجلس سوريا الديمقراطية”، مقترحاً يتضمن استيعاب قوات قسد كفرقة داخل جيش سوريا، مع اعتماد نظام الحكم اللامركزي، الذي يتيح للإدارات المحلية هامشاً واسعاً في الحكم الذاتي، بالإضافة إلى تخفيف صلاحيات مؤسسة الرئاسة على الصعيد الداخلي.
ويبدو أن روسيا تريد من خلال هذا التصور استيعاب المكون الكردي السوري، وتطمين واشنطن بأن الأكراد لن يكونوا في خطر في حال قررت واشنطن الانسحاب من سوريا، بالإضافة إلى رغبة موسكو بامتلاك ورقة مهمة في مواجهة تركيا، ستستثمرها في دفع أنقرة لتغيير موقفها من النظام السوري، ودعم المعارضة ضده.
ومن المقرر أن يستقبل الرئيس الروسي “فلاديمير بوتين” نظيره التركي “أردوغان”، خلال الفترة الأسابيع المقبلة في “سوتشي”.
وأفادت مصادر تركية لموقع “تلفزيون سوريا” أن اللقاء محاولة لدفع تفاهمات تشرين الأول / 2019، وآذار / مارس 2020 إلى الأمام، في ظل تعثر تنفيذ البنود المتفق عليها حول إدلب وشمال شرقي سوريا.
القمة أيضاً ستناقش مخاوف روسيا من الخطة التركية المتعلقة بـ “تشغيل مطار كابول”، إذ ترفض موسكو أن تقوم أنقرة بهذه الخطوة كحليف لواشنطن وحلف شمال الأطلسي.
ويمكن رصد نوع من التنافس بين موسكو وأنقرة على ملء الفراغ الناتج عن الانسحاب الأميركي من منطقة الشرق الأوسط منذ تشرين الأول/ أكتوبر 2019، عندما قلصت إدارة “ترامب” انتشارها العسكري شمال شرقي سوريا، وصولاً إلى الانسحاب الأميركي من أفغانستان.
عملت روسيا على امتلاك أوراق ضغط مهمة قبل أن يعلن “الكرملين” في العشرين من أيلول/ سبتمبر الجاري بشكل رسمي عن القمة المرتقبة بين الرئيسين، من دون تحديد الموعد بالضبط، وتتمثل أوراق موسكو في تعزيز اتصالاتها بـ “ٌقسد”، والزج بثقل عسكري إضافي شمال شرقي سوريا، بالإضافة إلى محاولة تحصيل المزيد من المكاسب في الملف السوري من خلال استكمال الحوار الاستراتيجي مع الولايات المتحدة الأميركية.
واللافت أن إحراز روسيا المزيد من التقدم في ملف محافظة درعا، واستكمال مسار “التسويات” مع مقاتلي المعارضة السابقين في المدينة وبعض مناطق الريف، أعطى دفعاً إضافياً لها من أجل حلحلة الملفات العالقة مع الأطراف الدولية، تحديداً ما يتعلق بمستقبل شمال شرقي سوريا، وواقع محافظة إدلب، ومن غير المستبعد أن تستثمر موسكو تنامي نفوذها في شمال شرقي سوريا من أجل التأثير على الموقف التركي في إدلب خاصة، وفي عموم الملف السوري.
فراس فحام _ تلفزيون سوريا