طالبة سوريّة تصمم مركزاً للاجئين مستوحى من تجربتها مع اللجوء

كانت الرحلة بالحافلة طويلة ومخيفة، وذلك لأن الطريق الذي يستغرق عادة ست ساعات احتاج لأكثر من 18 ساعة حتى تقطعه داليا المدرس، ولهذا تشرح لنا ما جرى معها بقولها: “كان الطريق خطيراً جداً، فقد زرعوا متفجرات في الطريق بحيث يمكن لأي سيارة تمر من هناك أن تنفجر”.

وأضافت: “لهذا لا يمكنك أن تعرف إن كانت تلك القنابل ستصيبك أم ستصيب شخصاً آخر لأنها أصابت أناساً أتوا قبلي وآخرين بعدي”.

كانت داليا تريد الخروج من حلب السورية لتصل إلى تركيا، وبعدها ستسقل الطائرة لتسافر إلى الولايات المتحدة على أمل أن تجد ملاذاً آمناً لها هناك بعيداً عن الحرب السورية، في الأحوال الطبيعية.

كان بوسعها أن تقود سيارتها لمدة تتجاوز الساعة بقليل حتى تصل إلى الحدود التركية، إلا أن الحدود كانت مغلقة آنذاك، ولهذا كان خيارها الوحيد يتمثل بالسفر جنوباً إلى لبنان، ومنها إلى تركيا، بحثاً عن الأمان المنشود.

أمضت داليا سنوات في خوف، دون أن تتمكن من الاستعانة بجنسيتها الأميركية للهرب من سوريا، فقد بدأت الحرب السورية في عام 2011، أي في الوقت الذي تخرجت فيه داليا من المدرسة الثانوية.

إكمال لمشوار أبيها

واليوم، تخرجت داليا في الجامعة وهي تحمل إجازة في التصميم الداخلي، لتكمل مشوار أبيها الذي درس الفرع ذاته قبل عقود.

وتتحدث داليا عما جرى معها فتقول: “كنت أحضر لنيل الشهادة الثانوية خلال الحرب عندما أصبحت القذائف تصيب كل مكان، فكان ذلك سبباً للضغط والتوتر بالنسبة لي، ولذلك لست أدري كيف أنهيت دراستي”.

وبعد الثانوية، سجلت داليا لدراسة التصميم الداخلي في جامعة حلب بالرغم من أن الحرب كانت تستعر من حولها.

وفي مطلع عام 2013، وخلال الأسبوع الأخير من أحد الفصول الدراسية، تخبرنا داليا أنها كانت في مقصف الجامعة عندما وقع انفجار هز أركان مبنى الهندسة المعمارية والفنون الجميلة، وعندما هرعت هي وغيرها من الطلاب إلى القبو، وقع تفجير آخر في المدينة الجامعية القريبة، قتل فيه 82 شخصاً وجرح 192 آخرون بحسب ما ورد في التقارير الإخبارية.

وبعدما حصلت داليا على شهادتها، أخذت تخطط لمتابعة دراستها والحصول على شهادة الماجستير، إلا أنه كان من الواضح بالنسبة لها أن البقاء في سوريا أصبح خطيراً للغاية.

متابعة الدراسة في الولايات المتحدة

بمجرد أن وصلت داليا إلى الولايات المتحدة، قامت بالتسجيل في دورات لتعلم اللغة الإنكليزية كلغة ثانية في ولاية فيرجينيا، ثم سافرت إلى سان دييغو، حيث حصلت هناك على عمل يساعدها في دفع رسوم الكلية كما يفعل بقية الطلاب الأجانب. ولكن بسبب الحرب الدائرة في سوريا، لم تستطع تعديل شهادتها الجامعية.

ولهذا سجلت في كلية فرينسو سيتي لتبدأ مشوارها من جديد مع الكلية، ثم نالت شهادة في فنون الاستديو من تلك الكلية وبعدها انتقلت إلى ولاية فرينسو.

وعنها تقول هولي سوليز، وهي أستاذة جامعية ومنسقة برنامج التصميم الداخلي في تلك الولاية: “تتمتع داليا بتلك القدرة الفريدة على شرح تجربة اللاجئين بعد وصولهم إلى الولايات المتحدة، مع كل الصعوبات التي تعترضهم، فهي تتحدث على الدوام عن عدم استيعاب الفرد لأي فروقات ثقافية، إذ إن اللاجئين لا يعرفون القوانين والقواعد التي تتصل بقيادة السيارة على الأقل، أو الأماكن التي بوسعهم ارتيادها أو عدم الذهاب إليها والسبب الكامن وراء ذلك”.

طالبة سورية تصمم مركزاً للاجئين

إن أساس مشروع التخرج في مجال التصميم الداخلي بسيط، حيث يبحث الطلاب عن مبنى شاغر ليستخدموه، ثم يقترحون إعادة تصميم المبنى ليستغلوا المساحات فيه لصالح منظمة غير ربحية خيالية.

ولذلك استعانت داليا بخبرتها والتحديات التي واجهتها عند وصولها إلى الولايات المتحدة لتحولها إلى مشروع تخرج، وهو: (مركز خدمي مخصص للاجئين)، وعن ذلك تقول: “خطرت ببالي فكرة مركز اللاجئين عندما تذكرت أن ذلك ما كنت بحاجة إليه عندما وصلت إلى هنا، فقد كنت بحاجة للمساعدة حتى أصل إلى الجامعة، وأعثر على عمل، ولأشتري سيارة، ولأقدم على شهادة لقيادة السيارة، والكثير من الأمور الأخرى الصغيرة“.

ولم تكن تلك الأمور تقلق بال داليا عندما كانت في سوريا، ولكنها أمور شائعة وعامة في الولايات المتحدة، ولهذا يعالج مشروعها تلك المشكلات التي تخص اللاجئين القادمين من دول أخرى، ولهذا تخيلت داليا إقامة مركز واحد يمكن للناس من خلاله الحصول على مساعدة بالنسبة لطريقة الوصول إلى الموارد التي تساعدهم على بدء حياة جديدة، وعن ذلك تقول: “ما عليك إلا أن تصل إلى هناك وعندها سيوجهونك حيث يجب أن تذهب، كما سيحاولون أن يجدوا لك عملاً، أو أن يساعدوك في التسجيل بالجامعة”.

“أصبحت خبيرة اليوم”

اقترحت داليا الاستعانة بمبنى مهجور لبناء مدخل واسع ومريح داخل ذلك المركز، يبعث على الإحساس بالراحة للمرء، ومن هناك يصبح بوسع اللاجئين أن يبحثوا عن دورات لتعلم اللغة الإنكليزية، وصفوف الدعم النفسي بالنسبة لمن يعاني من صدمة بسبب النزوح من وطنه، إلى جانب إقامة مكتبة، ومركز للرعاية النهارية المقدمة للأطفال، فضلاً عن وجود قاعة للألعاب والاجتماعات. وتشتمل العديد من الشقق السكنية في هذا المشروع على وحدات فردية وأخرى عائلية تستخدم كمساكن مؤقتة إلى أن يعثر النزلاء على سكن دائم.

وتعلق داليا على ذلك وهي تبتسم: “عانيت لمدة عامين، لكني أصبحت خبيرة اليوم، فقد كنت بحاجة كبيرة للمساعدة في ذلك الحين، أما اليوم فقد صار بوسعي مساعدة الناس”.

من خلال معاناتها بسبب العنف والحرب، وصولاً إلى الجهود الكبيرة التي بذلتها لتبني حياة جديدة لها في الولايات المتحدة، استلهمت داليا ذلك الطريق الذي مشت عليه وخاضته لتساعد غيرها على التطور والازدهار عندما يبدأ حياته من جديد في تلك البلاد.

وتخطط داليا بعد التخرج لافتتاح مشروع تجاري خاص بها، كما تتمنى أن تحصل على تمويل لمشروع مركز خدمات اللاجئين الذي صممته.

المصدر: سيرا نيوز أونلاين

ترجمة ربى خدام الجامع _ تلفزيون سوريا

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

آخر الأخبار

سوريّات في فخ “تطبيقات البث المباشر”..بين دعارة إلكترونية واتجار بالبشر

يستقصي هذا التحقيق تفشي “تطبيقات البث المباشر” داخل سوريا، ووقوع العديد من الفتيات في فخ تلك التطبيقات، ليجدن أنفسهن يمارسن شكلاً من أشكال “الدعارة...

ابتزاز واغتصابٌ وتعذيب.. سوريون محاصرون في مراكز الاحتجاز اللّيبية

يستقصي هذا التحقيق أحوال المحتجزين السوريين في ليبيا خلافاً للقانون الدولي، وانتهاكات حقوق الإنسان داخل مراكز احتجاز المهاجرين، وخاصة تلك التي تتبع “جهاز دعم...
ماروتا سيتي دمشق

كعكةُ “ماروتا سيتي” بمليارات الدولارات

آلاف الأسر تتسوّل حقّها بـ"السكن البديل" على أبواب "محافظة دمشق" يستقصي التحقيق أحوال سكان منطقة المزة – بساتين الرازي في دمشق، بعد تهجيرهم من بيوتهم...
جمعية الأمل لمكافحة السرطان

معاناة اللاجئات السوريات المصابات بمرض السرطان في تركيا

تصطدم مريضات السرطان من اللاجئات السوريات في تركيا بحواجز تمنعهن من تلقي العلاج على الوجه الأمثل، بداية من أوضاعهن الاقتصادية الصعبة والاختلاف في أحقية...

خدمات المساعدة القانونية المجانية للاجئين السوريين في تركيا

غصون أبوالذهب _ syria press_ أنباء سوريا الجهل بالحقوق القانونية للاجئين السوريين في تركيا يقف حجر عثرة أمام ممارسة حقهم بالوصول إلى العدالة، ويمنعهم...

الأكثر قراءة