غصون أبو الذهب _ syria press_ أنباء سوريا
لم يشفع لمريم (اسم مستعار _ 15 عاماً) مقيمة في مدينة إسطنبول، سنها الصغير، حتى تتفهم عائلتها المرحلة العمرية التي تمر بها، وعمدوا إلى ضربها، ومنعها من الذهاب للمدرسة، لاكتشافهم تواصلها مع شاب يقطن في بلد آخر، عبر وسائل التواصل الاجتماعي.
شعور مريم أن مستقبلها انتهى، ومعاملتها بقسوة متناهية، دفعها للإقدام على الانتحار، ماجعل عائلتها تعيد النظر في العقاب الذي “لاتستحقه”، كما تقول. بحسب منظمة الصحة العالمية، الانتحار هو ثالث سبب للوفاة في صفوف الأشخاص الذين تتراوح أعمارهم بين 15 و19 عاماً. وتتعدد أوجه عوامل الخطر المؤدية إلى الانتحار، وتشمل التعرض إلى إساءة المعاملة في مرحلة الطفولة، والوصم الذي يمنع من التماس المساعدة، والعقبات التي تحول دون الحصول على الرعاية، وتوفر وسائل الانتحار.
تنظر منظمة الصحة العالمية للمراهقة على أنها مرحلة من مراحل الحياة تقع بين الطفولة والبلوغ، بين سن 10 إلى 19 عاما. وهي مرحلة فريدة من نوعها في مراحل نمو الإنسان وفترة حاسمة لبناء أسس الصحة الجيدة، ويجتاز المراهقون فترة نمو بدني ومعرفي ونفسي اجتماعي سريع. وهذا يؤثر على شعورهم وطرق تفكيرهم واتخاذ القرارات والتعامل مع العالم من حولهم.
في هذه المرحلة العمرية تعزز التغيرات الهرمونية الاستجابة للجنس الآخر، وتؤدي إلى تأجيج مشاعر الحب لدى المراهقين، والتمرد على القيم المجتمعية والعادات والتقاليد، وهذا يسبب الاضطراب والتوتر للمراهق، وينعكس على تصرفاته وسلوكه.
دمروا حياة أبنائهم
الشعور بعدم الرضا يتفاقم عند تعرض المراهقين للضغط والتحكم بحياتهم، وإجبارهم على مالايرغبون هذا ما قالته فاطمة (18 عاماً_ أم لطفل) مقيمة في مدينة إسطنبول، في حديث خاص إلى “سيريا برس”، تقول أن والدها ارغمها على الزواج منذ عامين من ابن عمها، عقب رفض شاب مرتبطة به تقدم إلى خطبتها مراراً لأنه من مدينة أخرى ولاصلة قربى تجمعهم، وهذا يخالف العادات والتقاليد بنظر عائلتها.
تعرضت فاطمة للضرب والإهانة ومنعتها عائلتها من الذهاب إلى المدرسة، ولم تجد تدخلات الكادر الإداري في مدرستها نفعاً في ثني والدها عن قراره، رغم شرح خطورة هذا القرار على مستقبل ابنته و تهديده بالعواقب التي ينص عليها القانون التركي المتعلق بإلزامية التعليم.
تفتقد فاطمة للسعادة حسب تعبيرها، وتخاف من إنجاب بنات يلقين ذات مصيرها، وتشعر بالاكتئاب والإحباط وهذا ينعكس على تربيتها لطفلها والتعامل مع أسرتها.
تتمثل مقومات الرضا عن الحياة، بعدة عناصر منها، قدرة التعرف على المشاعر والتعبير عنها، وشعور الفرد بالسعادة والراحة النفسية دون اضطراب أو تردد، والقدرة على إقامة العلاقات مع الآخرين، والشعور بالمسؤولية واتخاذ القرارات وصنعها.
تشير الدراسات إلى أن الحاجة إلى الحب من أهم الحاجات النفسية التي تؤثر على الفتيان والفتيات، منها دراسة بعنوان “الحاجة إلى الحب لدى المراهقين وعلاقتها بالذكاء الوجداني“، التي تؤكد تفوق الإناث على الذكور في الحاجة إلى الحب، وأوضحت أن الأنثى تحاول إخفاء جزء كبير من مشاعرها تجاه الآخرين لاعتبارات نفسية واجتماعية.
من أبرز حاجات المراهقين، الحاجة إلى الأمان، وإلى الحب والقبول، وإلى مكانة الذات، والإشباع الجنسي، والنمو العقلي والابتكار. وتختلف خصائصها باختلاف الجنس (إناث وذكور)، وباختلاف الثقافة، وكذا باختلاف المجتمعات بصورة عامة.
جرائم شرف
في المجتمعات الشرقية المحافظة قد تدفع المراهقات حياتهن ثمناً بدعوى المس بشرف العائلة المحصور بسمعة الأنثى وسلوكها، ووفقاً للسلطة الأبوية يحق للذكور في العائلة التحكم في قرارات النساء ونمط حياتهن وتتحمل الأمهات عواقب تربية أبنائهن، وفق العادات والتقاليد السائدة.
ومن هذا المنطلق دأبت والدة شيماء “16 عاماً” على رواية القصص لبنات فقدن حياتهن وجلبن العار للعائلة لأنهن تجرأن على الحب، وفي كل الحكايا الإناث فقط من يدفعن الثمن، حسب شيماء التي تضيف أن “الترهيب أسلوب تتبعه الأمهات، لتحذير البنات من الوقوع في الحب خوفاً عليهن وعلى تداعيات ذلك على الأم والأسرة”.
في العام الماضي، قُتلت إسراء ديب (17 عاماً)، في عفرين، على يد والدها وشقيقها، بعد اتهامها بالتراسل مع شاب عبر هاتفها المحمول، وبحسب شهادة صديقة الضحية لموقع سوريا على طول، كانت إسراء وأخواتها ضحية عنف أسري لسنوات، إذ أجبرهن أبوهن “على ترك مدارسهن في أعمار صغيرة رغم تفوقهن، وكان عنيفاً في التعامل معهن”، وبذلك “قتل طموح ابنته المتفوقة في دراستها والمعروفة بخجلها”.
وثق تقرير الشبكة السورية لحقوق الإنسان، مقتل ما لا يقل عن 24 امرأة، منذ آذار 2021 حتى آذار 2022، بدافع جنساني على يد أسرهن أو شركائهن، معظمها بذريعة “جرائم الشرف” أو رفض النساء تزويجهن قسراً، أو حالات ناجمة عن عنفٍ من الرجل، واعتبر التقرير أن هذه الاعتداءات والجرائم انعكاساً واضحاً لمدى هشاشة البنية القانونية والقضائية الناظمة لحقوق المرأة.
أوضح صندوق الأمم المتحدة للسكان في بيان أن المقصود من اعتبار العنف “أمراً طبيعياً” هو تزايد الشعور بالقبول الجماعي للعنف ضد النساء والفتيات كظاهرة اجتماعية. بعد ورود شهادات لنساء وفتيات تعرضن بشكل متزايد للعنف، وتشمل العوامل المساهمة في الظاهرة انتشار أوجه اللامساواة بين الجنسين والتآكل المتزايد في آليات الحماية، فضلاً عن غياب المحاسبة القانونية.
الآثار النفسية والاجتماعية
لا يقتصر تأثير العلاقات المُبكّرة على المراهق وحده، بل ينعكس على والديه المتخوفين من نظرة المجتمع، وتحديداً إن كانت ابنتهم دوناً عن ابنهم طرفاً في العلاقة.
تقول حنان (اسم مستعار- 49 عاماً)، إلى سيريا برس، عانيت الأمرين مع ابنتي المراهقة (17 عاماً)، التي تعتبر من حقها الطبيعي أن تخوض علاقة حب، أسوة بشقيقها، حاولت كثيراً أن أشرح لها مخاطر التعلق بشاب بهذا السن، ومدى تأثير ذلك على سمعتها وسمعة العائلة، وعملت جاهدة على إخفاء علاقتها عن والدها، خوفاً من ردة فعله.
حاولت توعية ابنتي، تقول حنان، ومصادقتها واستيعابها، ومراقبة تحركاتها، وتحملت مزاجيتها وردودها الحادة وعنادها، واتبعت معها أساليب عدة لتترك هذه العلاقة، منها التحفيز والتهديد، ولكن دون جدوى، وكان لابد من تدخل والدها.
تابع والد حنان المتفهم لخطورة هذه المرحلة على المراهقين، بأنه استخدم مع ابنته بداية لغة الحوار، ومع تعنتها اضطر آسفاً إلى استخدام العنف وحرمانها من مغادرة المنزل واستخدام هاتفها المحمول، حتى وصل الأمر إلى تهديدها بعدم الالتحاق بالمدرسة في العام القادم.
انتهت علاقة حب ابنة حنان، بعد أن تأكدت من عدم صدق مشاعر الشاب اتجاهها، والضغوط الكثيرة التي تعرضت لها من والديها، وانعكس ذلك سلباً على تحصليها العلمي وعلى صحتها النفسية، وفق والديها.
كشفت دراسة، نشرت في مجلة “تنمية الطفل“، في 16 يونيو/حزيران 2020، أن المراهقين ذوي الآباء المسيطرين كانوا أقل تحقيقا للإنجازات الأكاديمية أو تكوين الصداقات أو نسج علاقات عاطفية حينما يكبرون.
تتصف المشاعر في فترة المراهقة وفق الاستشاري النفسي الاجتماعي “باسل نمرة”، بالمشاعر المضطربة الفوضوية غير المستقرة، حيث يحب كلا الجنسين التعرف على بعضهما، وبناء الصداقات وتكوين علاقات تشعرهم بالسعادة وتقدير الذات، وإشباع الأنا لديهم وخاصة إذا كان الشريك يقدم له الاهتمام الكافي، وفي كثير من الأحيان يندفع المراهق لبناء علاقة مع الآخر تعويضاً عن الحرمان العاطفي الذي لم يحصل عليه من أسرته.
على الأهل أن يكونوا داعمين لأبنائهم المراهقين لا مسيطرين، مساعدين لهم كي تنضج شخصيتهم بشكل سليم معافى من خلال الأخذ بيدهم لحل المشاكل التي تعترضهم في حياتهم، واحترام مشاعرهم والإنصات لهم بشكل جيد واحتوائهم، وتفهم المرحلة الصعبة التي يمرون بها وتكوين صداقات معهم، والتعامل معهم كشخصية ناضجة ومستقلة.
ويحذر “نمرة” من الإفراط بالعقاب بالنسبة للجنسين وخاصة المراهقات اللواتي من الممكن أن يتعرضن بداية إلى صدمة داخلية، وعدم الفهم للخطأ الذي ارتكبوه وأدى إلى عقوبات قاسية من قبل والديهم، في ظل ازدواجية المعايير في التعامل بين الأنثى والذكر حيث تعتبر الأنثى من يجلب العار، ويسمحون للذكر بإقامة العلاقات وقد يفتخرون بذلك، ويتفاقم لدى المراهقة الشعور بالخوف ومن التعرض للأذى الجسدي والإهانات والضرب، وهذا يؤدي إلى اضطراب في الشخصية وقلة الثقة بالذات مما يؤثر إلى لجوء الفتاة للكذب والخداع لحماية نفسها.
بحسب اليونسيف، يمر المراهقون في فترة المراهقة، بمرحلة حرجة، فهم بحاجة إلى آبائهم ومعلميهم لرعايتهم، والاهتمام بهم ومنحهم الشعور بالانتماء، لكنهم لن يطلبوا ذلك أبدًا. وإذا شعروا أن آباءهم ومعلميهم لا يساندوهم، وينتقدوهم باستمرار، ويعاقبوهم دائمًا، ويصدرون أحكامًا على كل خطوة من خطواتهم دون وجود حوار حقيقي بينهم، فسوف يشعرون بعدم الانتماء وهم داخل منازلهم ومدارسهم.
ومع حدوث ذلك، يمكن أن يفقد المراهقون القدرة على التمييز بين الصواب والخطأ، ويسعون نحو الحصول على الدعم والمؤازرة من أشخاص آخرين قد لا يكونون الأفضل بالنسبة لهم.
العنف في القانون الدولي
يشمل العنف ضد الأطفال وفق “اتفاقية حقوق الطفل“، جميع أشكال العنف ضد الأشخاص دون الثامنة عشرة من العمر، سواء كانت تُرتكَب من الأبوين أو غيرهما من مقدّمي الرعاية أو الأقران أو الشركاء العاطفيين، وبحسب المادة 19 تتخذ الدول الأطراف جميع التدابير التشريعية والإدارية والاجتماعية والتعليمية الملائمة لحماية الطفل من كافة أشكال العنف أو الضرر أو الإساءة البدنية أو العقلية والإهمال أو المعاملة المنطوية على إهمال، وإساءة المعاملة أو الاستغلال، بما في ذلك الإساءة الجنسية، وهو في رعاية الوالدين أو الأوصياء القانونيين عليه، أو أي شخص آخر يتعهد الطفل برعايته.
كما نصت المادة على تدابير لحماية الطفل، وإجراءات فعالة لإنشاء برامج اجتماعية لتوفير الدعم اللازم للطفل ولمن يقومون برعايته..، والعلاج والمتابعة في حالات سوء معاملة الأطفال. وتكفلت الدول الموقعة على الاتفاقية في المادة 37 على ألا يعرض أي طفل للتعذيب أو لغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة.
وتتخذ الدول وفق المادة 39، التدابير المناسبة لتشجيع التأهيل البدني والنفسي وإعادة الاندماج الاجتماعي للطفل الذي يقع ضحية أي شكل من أشكال الإهمال أو الاستغلال أو الإساءة، أو التعذيب أو أي شكل آخر من أشكال المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة، أو المنازعات المسلحة. ويجرى هذا التأهيل وإعادة الاندماج هذه في بيئة تعزز صحة الطفل، واحترامه لذاته، وكرامته.
يحتاج المراهقون إلى الاستجابة لاحتياجاتهم وفق الحقوق التي ضمنتها لهم القوانين الدولية لحقوق الإنسان، ومنها الحق في الرعاية وعدم التعرض للعنف الجسدي أو النفسي أو الإساءة بأنواعها، وكذلك الحق في الحصول على المعلومات، ومن ضمنها الثقافة الجنسية التي تناسب أعمارهم حتى يتجنبون الوقوع بالأخطاء، وتوفير البيئة الآمنة والداعمة خاصة للمراهقات اللواتي يتعرضن للعنف والتمييز على أساس النوع الاجتماعي.
غصون أبو الذهب _سيريا برس
‘‘تم إنتاج هذه المادة الصحفية بدعم من “JHR”صحفيون من أجل حقوق الإنسان” .