تقول صحفيات في إدلب شمال غربي سوريا إنهن يتعرض لمضايقات وتهديدات بالاعتقال من قبل الأجهزة الأمنية التابعة لهيئة تحرير الشام (جبهة النصرة سابقاً) أثناء محاولتهن كشف ممارسات وانتهاكات الهيئة والفصائل وإظهار الأزمات المعيشية في إدلب.
وقالت مريم المصطفى (29 عاماً) وهو اسم مستعار لصحفية في مدينة إدلب، إنها انتقلت برفقة زوجها إلى تركيا بعد تعرضها للتهديد ومحاسبتها على تقرير سلطت فيه الضوء على ممارسات “تحرير الشام” بحق النساء وفرض النقاب عليهن والتدخل بلباسهن.
وأشارت إلى أنه بعد نشر تقريرها على موقع صحفي محلي، وصلتها رسائل عبر حسابات وهمية تتضمن “عبارات تهديد ووعيد بمحاسبتي على التطاول والكذب وتلفيق التهم بحق السلطة”.
وأضافت “المصطفى” باستياء: “رغم أننا خرجنا في ثورتنا ضد كم الأفواه وتقييد الحريات، لنصطدم بواقع لا يقل قسوة عن سابقه”.
وعاشت الصحفية في تلك الفترة حالة من القلق والخوف من تعرضها أو زوجها لأذى، حتى قررا الانتقال إلى تركيا عبر دفع مبالغ مالية لأحد المهربين.
ووفقاً لصحفيات في إدلب فإنهن يتعرضن لمضايقات على يد عناصر “تحرير الشام” أثناء محاولتهن إعداد مواد صحفية عن انتهاكات الهيئة والفصائل.
كما أنهن يواجهن صعوبات في جمع المعلومات والتواصل مع المصادر وخاصة السياسية والعسكرية وصعوبة التصوير في الأسواق والأماكن العامة بسبب “حالة الهلع والخوف التي تسعى الهيئة لنشرها بين السكان”.
وتسيطر “تحرير الشام” على منطقة إدلب وأجزاء من ريف حلب بعد طردها الفصائل الأخرى الموالية لتركيا.
ومنتصف العام 2018، صنفت الولايات المتحدة الأميركية الهيئة التي يقودها أبو محمد الجولاني وكل فصيل له صلة بها كـ”منظمة إرهابية”.
ويقول سكان في إدلب إن الهيئة وعبر أجهزتها الأمنية تضيق الخناق عليهم عبر فرض أحكامها وأفكارها ومعتقداتها الدينية ويتدخل عناصرها في أدق تفاصيل حياتهم والتي تشابه ممارسات تنظيم الدولة الإسلامية (داعش).
وتشدد الهيئة قبضتها على الأنشطة والفعاليات في المنطقة عبر عسكرييها وأمنييها وحكومتها “الإنقاذ”، فلا اجتماع ولا مؤتمر خارج سياق “الفكر الثوري” ودون موافقة “ممثلي الدين”.
وفي تشرين الثاني/ نوفمبر العام الماضي، منعت الهيئة انعقاد مؤتمر نسائي في إدلب بقوة السلاح، بحسب مصادر مطلعة قالت إن برنامجه كان يحتوي جوانب سياسية وانتقادات.
إلا أن عناصر “تحرير الشام” أجبروا القائمين عليه إلى تحويله لندوة “ثورية” تتحدث عن “إنجازات الثورة السورية خلال السنوات العشر الأخيرة”.
وقالت دالية الحلبي (35 عاماً) وهو اسم مستعار لصحفية من مدينة إدلب إن عناصر تابعين للهيئة أجبروها على التوقف عن التصوير أثناء إعدادها تقريراً مصوراً حول أزمة غلاء الخبز، “بحجة عدم استصدار بطاقة صحفية خاصة بي من قبل حكومة الإنقاذ”.
وأضافت: “لم يكتفوا بذلك، بل قاموا بمصادرة هاتفي في انتهاك واضح وصريح لخصوصيتي ولم أتمكن من استعادته إلا بعد كتابة تعهد بعدم التصوير دون ترخيص من قبلهم” .
وتعمل الصحفية لصالح وسيلة إعلامية مرخصة لدى حكومة الإنقاذ.
وتضطر “الحلبي” كغيرها من الصحفيات في كثير من الأحيان لنشر موادها بأسماء مستعارة “حتى لا أتعرض للمساءلة والمضايقات أو حتى الاعتقال من قبل الهيئة.
لا قانون يحمي”
ويمثل رفض المجتمع لعمل النساء في المجال الإعلامي، وجهاً آخر لمعاناة الصحفيات في إدلب، حيث يُحظر على نساء في المنطقة مزاولة أعمال تُعتبر حكراً على الرجال، في ظل هيمنة عادات وتقاليد تمنعن من الدخول في العديد من مجالات العمل.
وقالت ظلال العبود (27 عاماً) وهو اسم مستعار لصحفية نازحة في مدينة سرمدا الحدودية مع تركيا إنها غالباً ما تتعرض لضغوط نفسية من محطيها بسبب عملها في المجال الإعلامي.
وأضافت: “كل يوم يقولون لي عمل المرأة في الإعلام حرام، الصحافة مهنة الرجال وغيرها من العبارات المحبطة”.
وكانت “العبود” قد نزحت نهاية عام 2019 من مدينتها كفرنبل والتحقت بالعمل الصحفي منذ أربعة أعوام، “دخلت مجال الإعلام لأنني أحبّ هذه المهنة وأحبّ نقل الحقائق والوقائع لكن ذلك يصعب في الكثير من الأحيان”.
لكن “العبود” شددت على أنها مصممة على متابعة عملها لإيمانها بضرورة وجود النساء في هذا المجال ودورها الأساسي في نقل الانتهاكات الواقعة على النساء في المجتمع بشكل خاص .
وأضافت، أنها ستتمكن بالإصرار والمتابعة من تجاوز كل القوالب النمطية والأفكار السائدة المقيدة لعمل المرأة، بحسب قولها .
ورأت ريم العرفات (44 عاماً) وهي مرشدة اجتماعية من مدينة إدلب أن المخاطر التي تواجهها الصحفيات في عملهن تعود إلى غياب القوانين التي تحمي حرية الصحافة في المنطقة، فضلاً عن انعدام الأمان وصعوبة الحركة والتنقل بسبب القصف المتواصل ووجود بعض الجهات التي تعادي الصحفيين .
وأشارت إلى أن الغالبية من السكان يرى عمل المرأة في الصحافة بمثابة خرق للأعراف والتقاليد المجتمعية “بسبب الجهل وقلة الوعي وحصر دور المرأة بأعمال محددة .”
وشددت على أهمية تمكين العاملات في مجال الإعلام من خلال دورات تدريبية ووضع آلية لمواجهة العنف وكيفية التعامل مع الانتهاكات والتعاون مع الصحفيات في نقل الحقائق والمعلومات .
وعد رحيمة وسوزدار محمد _ نورث برس