لا شك أنّ ما أشار إليه ماكرون عن أزمة يعيشها الإسلام بسبب عجزه عن مواءمة الحضارة والتغيرات الهائلة في أنماط الحياة الاجتماعية والسياسية، هو صحيح، فالعقل الإسلامي متجمّد عند لحظة قديمة في الماضي، ولا يقبل أي تغيير، ولو حتى في شكل التطبيق، ويعتبر كل مراجعة شيئاً مستنكراً، فكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار، فالتحديث والتغيير والتطور شيء مرفوض كليا في الفقه الإسلامي الذي لا يميز بين الثابت والمتغير، بين العقيدة ونماذج التطبيق، بين الغايات وبين الوسائل. ماكرون
ولا شك أيضاً أنّه يعبر عن كراهية متزايدة وضيق متنامٍ بسرعة من سلوك المسلمين الذين يغزون أوروبا ويشكلون ضغطاً ديموغرافياً متزايداً، يهدّد بسيطرتهم على أوربا خلال عدة عقود، ويهدّد قبلها بانقسام مجتمعي تصادمي داخل هذه الدول. ماكرون
ولا شك أنّ ذلك يتلاقى مع الأزمات الهائلة التي تعيشها المجتمعات الإسلامية في كل مكان، والتي وصلت حدّ الحروب الأهلية وفشل الدول، والتي تبرر تصريحات ماكرون، ناهيك عن ظاهرة الإرهاب والعنف والجرائم التي ترتكب بيد المسلمين وباسم الإسلام، ويتلاقى أيضاً مع معاناة معظم أبناء الأجيال الجديدة من تناقضات هائلة، بين ما يفترض بهم الاقتناع به وتطبيقه، وبين ما هم يعيشون عليه فعلاً بحكم ضغط الظروف، فما يعاش هو شيء آخر متناقض مع كل الخطاب الرسمي والمعلن والمعترف به.
المشكلة اذاً ليست في تصريحات ماكرون، بل في طريقة تعاملنا معها، والقفز فوقها باعتبارها تعبيراً عن العنصرية والصليبية… وهكذا نحافظ على القوقعة التي وضعنا أنفسنا فيها، ونحافظ على الجدران والأبواب المغلقة في وجه الخروج للحضارة، حيث لا يبقى سوى طريق واحد هو القفز من فوق السور، أي التخلي جملة وتفصيلاً عن الهوية والموروث والدين، وهو ما نشهده ينتشر بسرعة في معظم الدول المسلمة وعند نسب متزايدة من الأجيال الجديدة، رغم عدم التصريح عنه.
فالأزمة التي أشار إليها ماكرون قد أثبتتها ردة الفعل الغوغائية على تصريحاته، وهي ما يدفعنا للقول نحن فعلاً في أزمة كمريض نفسي يرفض الاعتراف بمرضه، ويرفض أيضاً تلقي العلاج بل يعتدي على طبيبه ومن يريد مساعدته، وهذا ما يدفع بالآخرين لوضعه في سجن المصحة العقلية الاحترازي.
لذلك ندعو للتفكير العقلاني فيما قاله ماكرون، واعتباره محرضاً لإعادة النظر وتقييم ما نحن عليه كمسلمين، لا يعرف الآخرون الإسلام إلا من خلال صورتهم وسلوكهم، أما إذا وجد إسلام آخر نحن لا نطبقه، فيجب علينا أن نعيده للعمل ونظهره سلوكاً وحضارة ودولاً ومجتمعات ناجحة، فهم غير معنيين بدراسة أمهات الكتب المدفونة، بل يحكمون على ما يرونه من تطبيق للإسلام وهو ما لا يمكن تسويقه قطعاً، أو حتى الدفاع عنه، بل نبرره بالتخلّف الذي تسبب به عداء الآخر الذي لن يستطيع صداقتنا طالما نحن كذلك. ماكرون
شكراً ماكرون على هذه الصفعة، التي ربما تدفع البعض منا للاستيقاظ، بعد أن صرنا مشكلة للعالم ولأنفسنا قبله، ولا نريد الاعتراف بأنّ ذلك من صنع أيدينا بل نبرره بالعداء والكراهية، من دون أسباب، لأنّنا نعتبر أنفسنا شعب الله المختار وغيرنا شعب الشيطان الملعون. ماكرون
الكاتب: د. كمال اللبواني_ليفانت