لا تبدو رانية العبد (34 عاماً)، وهو اسم مستعار لسيدة تعيش في حي ركن الدين بالعاصمة دمشق، نادمة على قيامها بعملية إجهاض في الشهر الخامس من حملها رغم مخاطر ذلك وعدم قانونيته.
وتتذرع المرأة بعدم قدرة عائلتها على تحمّل نفقات طفل جديد، وأنها اتفقت مع زوجها على إجراء العملية الخطرة.
وتعلل بكاءها حين الحديث عن الموضوع بغريزة الأمومة وخشيتها من تحمل الذنب.
ورغم عدم توفر إحصاءات دقيقة لعمليات الإجهاض في البلاد، تقول نساء قابلتهن نورث برس في دمشق إنهن لم يكترثن بمخاطر العمليات غير القانونية التي أجرينها بسبب الضغوط المعيشية على عائلاتهن.
وفي أيلول/ سبتمبر الماضي، قالت منظمة الأمم المتحدة، الثلاثاء، إن 73 مليون حالة إجهاض تحدث حول العالم كل عام، وإن حوالي 45% منها غير آمنة.
وجاء ذلك في سياق إحيائها لليوم العالمي للإجهاض الآمن والذي يصادف الثامن والعشرين من أيلول سبتمبر من كل عام.
عمليات غير قانونية
وكانت “العبد” قد اكتشفت حملها في وقت متأخر لأنها كانت مطمئنة أثناء استخدامها وسائل منع الحمل، ولم تتوقع حدوثه.
تقول الأم لثلاثة أطفال إنها لا تستطيع إنجاب طفل آخر تعجز عن تلبية احتياجاته وحقوقه من “الرعاية الصحية والتعليم والتغذية والبيئة الآمنة في مجتمع مليء بالحروب والنزعات والمجاعات”.
وتضيف، وهي تمسح دموعها: ” على الرغم من صعوبة القرار إلا أنه كان عقلانياً، لست نادمة أنني تغلبت على ارتباطي بالجنين، فقد فكرت فقط بمنح أطفالي الآخرين حياة أفضل”.
ويعمل زوج “العبد” في خدمة الغرف بإحدى فنادق دمشق، “وراتبه لا يكفي لتأمين احتياجاتنا وأجرة المنزل”.
وحول كيفية إجراء عملية الإجهاض التي تجرمها الحكومة، علقت بتهكم: “لا مانع لدى الأطباء من إجراء هذا النوع من العمليات سواء في عياداتهم أو في أماكن مخصصة لها، فقط عليك أن تدفعي أكثر”.
ويسمح القانون السوري بالإجهاض فقط في حال كان ضرورياً لإنقاذ حياة المرأة، ما يجعل الإجهاض في جميع الظروف الأخرى غير قانوني.
وتُعاقب المرأة التي تقوم بإجهاض نفسها ومن يجريه لها بشكل غير قانوني بالحبس من ستة أشهر إلى ثلاث سنوات ، وفق قانون العقوبات السوري.
وتشدَّد العقوبة إذا تسببت عملية الإجهاض بوفاة المرأة، حيث يعاقَب الفاعل بالحبس من أربع إلى سبع سنوات مع الأشغال الشاقة.
كما يفرض القانون عقوبة على الطبيب الذي يقوم بعملية الإجهاض ويخالف الشروط، بأن يُسحب الترخيص منه ويُمنع من مزاولة المهنة بأي صفة كانت لمدة لا تقل عن سنة واحدة بقرار من وزير الصحة ينفذ بواسطة النيابة العامة.
وفي حالة التكرار، وهي سبب من أسباب تشديد العقوبة، تُسحب الشهادة الطبية من الطبيب.
ومع إصرارها على أنها محقة في ما فعلته، تصف السيدة الثلاثينية عملية الإجهاض بأنها من “أقسى التجارب التي عاشتها نفسياً وجسدياً”.
“طرق غير آمنة”
ولم تتردد غادة سليمان (40 عاماً)، وهو اسم مستعار لسيدة تعيش في عشوائية القدسيا شمالي دمشق، في شراء دواء مخصص للإجهاض عبر أحد صفحات موقع التواصل الاجتماعي (فيسبوك) التي تروج لهذا النوع من الأدوية.
تقول إنها جربت قبلها طرقاً أخرى خطرة ووصفات شعبية قد تكون غير آمنة.
تقول “سليمان”، التي هي أم لأربعة أطفال: ” خاطرت بحياتي حتى لا أظلم طفلاً أخر، فنحن لا نملك منزلاً وأحياناً لا نجد ما نأكله ونشربه، ويكفي ما يعانيه أطفالي الأخرون”.
وتضيف: “لقد كان قراري أنا وزجي الذي يعمل في المياومة حاسماً، فمن الظلم أن ننجب طفلاً وسط كل هذه الأزمات”.
ورغم تحريمها دينياً، قد تأتي هذه القرارت حتى من أزواج محافظين دينياً، إذ يتم تبرير الإجهاض بالتدهور المعيشي.
وتقول الصيدلانية لجين العلي (48عاماً)، وهي عاملة في أحد مراكز بيع الأدوية في مشروع دمر، إن الأرقام والإحصاءات حول عمليات الإجهاض “غائبة، لأنها تحدث بشكل سري ولا يدل عليها سوى الشهادات والمشاهدات”.
وتعتبر أن ازدياد عمليات الإجهاض هو أحد مفرزات الحرب الدائرة في سوريا منذ أكثر من عشرة أعوام.
ورغم معارضتها للإجهاض، تشير الصيدلانية إلى ارتفاع تكاليف رعاية الأطفال إلى جانب الأوضاع السياسية والاجتماعية السيئة في البلد.
وتضيف: “في الأعوام الأخيرة زاد استخدام نساء لموانع الحمل لسنوات متعاقبة، ومعظمهن من الفئة الشابة”.
وتحذر “العلي” من أن الحصول على أدوية الإجهاض يتطلب وصفة طبية رسمية، وإلا قد تنتهي المضاعفات بالوفاة.
“قد تؤدي للوفاة”
وتقول وداد أحمد، وهي طبيبة نسائية في أحد المشافي الحكومية في دمشق: “حتى عندما أقوم بعمليات الإجهاض التي تشكل خطراً على حياة الأم ضمن النطاق الذي يسمح به القانون، إلا أنني رغم ذلك لا أستطيع أن أنسى الذكريات المؤلمة لهذه الحالات”.
وتضيف: “تلجأ العديد من الفتيات والنساء إلى الإجهاض السري، الذي يتم في ظروف محفوفة بالمخاطر وبوسائل بدائية، وأدوات حادة غير معقمة، أو وصفات شعبية، ما ينتج عنه مضاعفات صحية قد تؤدي إلى الوفاة”.
واستمعت طبيبة للعديد من النساء اللواتي قمن بعمليات الإجهاض، وكيف تعرضن للإهانات وعمليات الاحتيال من جانب أطباء وممرضين، “وقد يكتشفن أحياناً بأن من يجرون العملية لا علاقة لهم بالطب”.
وتشير “أحمد” إلى انخفاض واضح في معدل حالات الحمل، اعتماداً على مراقبة عدد الحوامل اللواتي يراجعن عيادتها.
ياسمين علي وحكيم أحمد _ نورث برس