“كما هو معروف، أي شخص يريد الحصول على الجنسية التركية، لا يجب أن يكون عليه أي إشارة استفهام، وكل عسكري مُنشق يُثار عليه العديد من الأسئلة”، هكذا برّر بشار (28 عامًا) خوفه من تصريحه عن أي معلومات في حال ترشيح اسمه للجنسية التركية وخضوعه للمقابلة.
بشار من أبناء مدينة حلب شمالي سوريا، وصل إلى تركيا منذ ثماني سنوات، بعد أن انشق عن الخدمة الإلزامية في قوات النظام السوري، عن طريق لجوئه إلى أحد فصائل “الجيش الحر” في حلب حينها، ومنها إلى تركيا حيث كانت عائلته موجودة.
ويُمثّل بشار حالة العديد من الشبان السوريين الذين جاؤوا إلى تركيا، بعد انشقاقهم عن الخدمة الإلزامية، لكنهم يخفون هويتهم العسكرية السابقة في المجتمع بين السوريين أو الأتراك لأسباب مختلفة، أو بين المؤسسات الرسمية التركية أو الدولية.
كما يوجد العديد من السوريين المُنشقين الذين يعتقدون أن شرح وضعهم العسكري السابق وخطورة عودتهم إلى سوريا للمنظمات الدولية، يساعد على قبول ملفهم عند المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين (UNHCR) “كلاجئ سياسي” في البلدان الغربية.
“حكي بضر ما بينفع”
تمنح الدولة التركية الجنسية التركية بعدة طرق، إحداها الجنسية الاستثنائية أو الجنسية عن طريق الأصول أو الزواج من الأتراك، أو شراء العقار في تركيا بسعر معيّن.
ورُشح للحصول على الجنسية الاستثنائية عدد كبير من السوريين الذين تجري دراسة ملفاتهم وينتظرون الحصول عليها، ومنهم من حصل عليها سابقًا.
ومنحت السلطات التركية الجنسية لسوريين بشكل استثنائي في إطار إجراءاتها للاستفادة من أصحاب الشهادات وذوي الخبرات، بالإضافة إلى الحاصلين على تصاريح عمل.
وتسعى شريحة كبيرة من السوريين في تركيا للحصول على الجنسية التركية، بسبب ضعف جواز السفر السوري دوليًا ورغبتهم بتحسين أوضاعهم القانونية في تركيا.
وفي حالة السوريين المُنشقين، الذين لا يفكر معظمهم بالعودة إلى سوريا، أصبحت الجنسية التركية مطلبًا أساسيًا لمحو أي احتمال مستقبلي يُجبرهم على العودة، وتساعدهم على الاستقرار في بلدهم الجديد.
بشار يعتبر موضوع خدمته العسكرية من المواضيع الخاصة التي لا يذكرها إلا أمام المقربين، وحتى في حال ترشح اسمه للجنسية التركية، وطُرح خلال مقابلته للحصول عليها أي سؤال حول خدمته العسكرية، سوف يُنكرها.
وقال بشار لعنب بلدي عن سبب إخفاء خدمته العسكرية، “حكي بضر ما بينفع”، مُشيرًا إلى إمكانية تخوف المسؤولين عن ملف الجنسية من وضعه السابق، كمسؤوليته عن قتل أو أذية أحد السوريين في أثناء خدمته، دون أن يكون لذكره الموضوع أي فائدة لملف الجنسية.
شادي (30 عامًا)، الحاصل على الجنسية التركية عام 2021، بعد أن ترشّح اسمه إليها منذ عام 2018، يتفق مع رأي بشار، إذ خضع شادي للخدمة الإلزامية في قوات النظام كمجند، ثم انشق ووصل إلى تركيا في عام 2015.
وحين مقابلته مع المسؤولين الحكوميين عن ملفه للجنسية، كان شادي متخوفًا من ذكر موضوع خدمته العسكرية السابقة أمامهم، حتى لا تكون سببًا لبناء “رؤية سلبية عنه”، ورفض منحه الجنسية التي كانت من الأولويات بالنسبة له.
وقبل أن يحصل شادي على الجنسية، كان يخفي موضوع خدمته العسكرية أمام الأتراك في مكان عمله، أو حتى أمام السوريين، خوفًا من الانتقادات أو الآراء السلبية التي تطال المنشقين دون معرفة ظروفهم السيئة التي عاشوها، والمصاعب التي تحملوها لحين حصولهم على فرصة للانشقاق عن قوات النظام.
ويختلف محمد (30 عامًا)، المُنشق عن الخدمة الإلزامية في سوريا، والقادم إلى تركيا منذ عام 2014، مع رأي سابقيه، إذ قال محمد الذي ترشح اسمه للجوء عن طريق “UNHCR”، إن ذكره لخدمته العسكرية سابقًا وانشقاقه، سوف “يدعم” ملفه عند المنظمة الدولية، مُعتبرًا أن وضعه أخطر على أمنه من غيره، وسوف يصنفونه “كلاجئ سياسي”.
تمر ملفات الجنسية في تركيا بعدة مراحل قبل الحصول عليها، ولا يوضح القانون التركي فترة زمنية محددة بين التقدم للجنسية والحصول عليها.لكن تجارب بعض المتقدمين أظهرت أن المدة المتوقعة قد تتراوح بين عام وعامين، وقد تطول أكثر. ولضمان تقدم ملف الجنسية، يجب على المتقدم أن يُبلغ مديرية النفوس العامة بأي تغيير في عنوان السكن، أو تغير وضعه المدني، أو حصوله على مولود جديد. ويجب أن يكون الإبلاغ عن طريق عريضة مرفقة بالوثائق الرسمية اللازمة، ترسل إلى المديرية العامة للنفوس.وتقوم السلطات غالبًا بإجراء زيارات للتحقق من وجود المتقدم في العنوان من عدمه، وهو ما يمكن أن يوقف ملف الجنسية. وفي حال لم يكن المتقدم في عنوانه، تبلغه مديرية النفوس عن طريق رسالة قصيرة ليقوم بتأكيد عنوانه، لذا يجب المحافظة على رقم الهاتف نفسه، لإتاحة إمكانية التحقق. وتمر عملية الحصول على الجنسية الاستثنائية بعدة مراحل، أولاها إدخال البيانات، ثم تدقيق الملف، ثم البحث والتحقق من أهلية الشخص، ثم الموافقة الأولية وتحويل الملف إلى مجلس الوزراء، وتنتهي بالحصول على الجنسية. |
لا تأثير على الجنسية
لتوضيح أثر الخدمة العسكرية السابقة للمرشحين للجنسية التركية على ملف الجنسية، تواصلت عنب بلدي مع المختص بشؤون الجنسية التركية المحامي وسيم قصاب باشي، الذي أكد أنه لا تأثير سلبي أو إيجابي لذكر المنشقين عن الخدمة العسكرية لوضعهم السابق.
وأوضح المحامي أن تقييم الموظف المسؤول عن ملف الجنسية عند المقابلة له أثره في المراحل التالية للحصول على الجنسية، لذا وجب التعامل معه عند المقابلة بشكل طبيعي لا يثير الشكوك حول إخفاء معلومات عن سؤال مطروح.
وفي أيار الماضي، قال وزير الداخلية التركي، سليمان صويلو، إن عدد السوريين الحاصلين على الجنسية بعد استيفائهم المعايير المطلوبة، بلغ 200 ألف و950 شخصًا، من بينهم 113 ألفًا و654 بالغًا، بينهم 60 ألفًا و930 رجلًا و52 ألفًا و724 امرأة، فيما وصل عدد الأطفال إلى 87 ألفًا و296.
محمد فنصة _ عنب بلدي