هل هي مجرد صدفة أن يتطابق تاريخ استحقاق سندات خزينة صادرة عن “الدولة السورية”، ومبُاعة قبل عامين، مع يوم تسوية مزاد للاكتتاب على سندات خزينة جديدة؟ وهل يعني ذلك أن حكومة النظام تسدد ديوناً قديمة، من خلال استدانة أخرى جديدة، من جيوب السوريين، وبصورة إجبارية؟
بهذه المقدمة، قد يكون من الشيّق الإضاءة على لعبة تدوير الدين العام الداخلي، التي تعتزم حكومة النظام الإقدام عليها في 2022. فقد أعلنت وزارة المالية عن موعد المزاد الأول لسندات الخزينة للعام الجاري، في 31 كانون الثاني/يناير. على أن يكون يوم التسوية في 3 شباط/فبراير. وهذه المرة، ستكون السندات بقيمة إجمالية قدرها 200 مليار ليرة سورية، وبأجل استحقاق يمتد لخمس سنوات. وسيكون الاكتتاب على تلك السندات متاحاً للجمهور، وليس فقط للمصارف العاملة في سوريا، على أن يتم تفويض المصارف القيام بعملية الاكتتاب.
قبل عامين من اليوم، باعت حكومة النظام سندات خزينة لأجل سنتين، بقيمة تجاوزت 148.5 مليار ليرة سورية، كانت متاحة فقط للاكتتاب من جانب المصارف. وكان تاريخ تسوية مزاد الاكتتاب حينها، في 3 شباط/فبراير 2020، مما يعني أن تاريخ الاستحقاق سيكون في 3 شباط/فبراير القادم. وهو يوم تسوية الاكتتاب على سندات الخزينة الجديدة. وبما أن العائد على سندات العام 2020، كان 6.7%، وقيمة السندات المزمع بيعها، بعد أيام، ستكون 200 مليار ليرة سورية، يمكن لنا أن نذهب -بشيء من الخُبث- إلى نتيجة مفادها أن حكومة النظام تموّل سداد الدين السابق، وفوائده، بدينٍ جديد.
وحتى لو حاولنا كبت هواجسنا، والنظر بموضوعية حيال سياسة النظام باعتماد سندات الخزينة كوسيلة لتمويل جانبٍ من عجز موازنة 2022 بأسلوب يبتعد عن آلية التمويل بالعجز (الإصدار النقدي والاقتراض المباشر من المركزي)، والذي يفاقم التضخم.. فإن تفاصيل خطة الحكومة المعلنة، ستحبطنا، وتعود بنا إلى الهواجس ذاتها.
فوزير المالية، كنان ياغي، قال قبل ثلاثة أشهر، إنه ستتم تغطية عجز موازنة 2022، البالغ 4118 مليار ليرة سورية، عن طريق الاقتراض من سندات خزينة الدولة بقيمة 600 مليار ليرة سورية. وسيتم تمويل 500 مليون ليرة سورية من موارد خارجية. فيما ستتم تغطية ما تبقى من العجز، من خلال اعتمادات مأخوذة من احتياطي المركزي. أي أن حكومة النظام تعتزم أخذ 3517 مليار ليرة سورية من احتياطيات المركزي، خلال العام الجاري. أي أكثر من 976 مليون دولار، وفق سعر الصرف الرائج حالياً. فهل يملك المركزي هذه الاحتياطيات فعلاً؟ هذا هاجس جديد يعزز المخاوف من إصدار نقدي جديد يؤدي إلى تدهور سعر صرف الليرة السورية. لكن الهواجس لا تقف عند هذا الحد.
تبرر مالية النظام طرح سندات خزينة على المصارف –وحالياً على الجمهور أيضاً- بأنها ضرورية “لتأمين مصادر لتلبية احتياجات تمويل الإنفاق الاستثماري للموازنة العامة للدولة على أسس حقيقية غير تضخمية”. لكن مالية النظام لا تجيب على ثلاثة أسئلة ملحة، بهذا الخصوص. الأول: هل فعلاً يتم استخدام الأموال المتحصلة من بيع سندات الخزينة في تمويل الإنفاق الاستثماري؟ إذ أين صُرفت الـ 300 مليار ليرة سورية –تقريباً-، التي جمعتها حكومة النظام عام 2020 من بيع إصدارين من سندات الخزينة حينها؟! لا نجد أي توضيح بهذا الخصوص، ولا توجد أية مؤشرات لمشاريع استثمارية ضخمة، تم إنفاق هكذا مبالغ عليها. لذا، فإن المخاوف من أن حكومة النظام تستخدم تلك الأموال لتمويل النفقات الجارية –رواتب وسواه-، مبررة بشدة. خاصة إن أخذنا بالاعتبار مبدأ مُعتمداً في إدارة الموازنات العامة، وهو عدم تخصيص الإيرادات. فجميع الإيرادات تُجمع وتُرسل إلى الخزينة العامة للدولة، ثم يُعاد توزيعها بين المؤسسات حسب الأولويات في الإنفاق. ووسط شح الإيرادات، هل يمكن أن نتوقع أولوية ملحة أكثر من النفقات الجارية سواء كانت رواتب أو دعماً اجتماعياً (شراء محروقات وقمح وسواه)؟!
أما السؤال الثاني، الذي لا يجيب أحد من المسؤولين عليه. كيف يتم التوفيق بين منطق بيع سندات خزينة طويلة الأجل (5 سنوات)، وبين منطق الاستعانة باحتياطيات المركزي، والذي يعني زيادة المعروض النقدي، مما يؤدي إلى ارتفاع التضخم، وبالتالي، خسارة العملة لقيمتها، مما يعني خسارة سندات الخزينة لقيمتها، هي الأخرى؟
أما السؤال الثالث، فهو: كيف يتم التوفيق بين منطق بيع سندات خزينة بفائدة –كانت قبل سنتين قريبة من 7%- في بلدٍ تجاوز فيه معدل التضخم -في آخر سنة فقط- 40% وفق أكثر التقديرات تفاؤلاً؟ أي أن التضخم في عامٍ واحدٍ فقط، كفيل بشطب وتجاوز كامل الفوائد المرتقبة في خمس سنوات، والتي قد يحصّلها المستثمر (الساذج) الذي سيشتري سندات الخزينة!
بطبيعة الحال، يعلم الجميع في سوريا، أن لا أحد يشتري سندات الخزينة بإرادته. ففي عام 2020، فرضت حكومة النظام على المصارف العاملة في سوريا، شراء تلك السندات. وهو ما سيتكرر خلال العام الجاري. تلك المصارف ستستخدم ودائع السوريين في إقراض الحكومة قروضاً ستخسر معظم قيمتها، بصورة مؤكدة، خلال السنوات الخمس القادمة. ولن يُفاجأ أحد في 3 شباط/فبراير 2027 -تاريخ استحقاق السندات المزمع بيعها بعد أيام- أن تبيعنا حكومة النظام، قسراً، وباستخدام ودائعنا ذاتها، سندات جديدة أكبر من تلك السابقة، لتسدد الديون المتراكمة عليها، بديون أخرى أكبر. وهكذا دواليك.
إياد الجعفري _ المدن