ما يزال العنف ضد النساء والفتيات في تزايد مستمر في سوريا، وهو أحد أكثر انتهاكات حقوق الإنسان انتشاراً خاصةً في شمال غربي البلاد، وهو يعدّ مظهراً لعلاقة القوة غير المتكافئة بين الرجل والمرأة، والتي أدت إلى هيمنة الرجال على النساء، فقد يمارس العنف من قبل الأب، أو الأخ، أو الزوج، أو أهل الزوج، أو ولي الأمر، أو رب العمل.
حقي أن أتعلم
سمر البالغة من العمر 24 عاماً من مدينة الدانا التابعة لمحافظة إدلب تروي لموقع تلفزيون سوريا قصة تعنيفها من قبل زوجها الذي كان يضربها ضرباً مبرحاً، ويحبسها في البيت لفترات طويلة تقول: تزوجت في السادسة عشرة من عمري بسبب الخلافات التي كانت تسود في بيت عائلتي بين أبي وأمي لوجود جدتي معنا في المنزل نفسه، فلم يتسنَّ لي إكمال دراستي لأن والدي لم يكن يرغب في تدريس الفتيات فكان يقول: “إن الفتاة مستقبلها في بيت زوجها”، وقد قام بتزويجي بأول شاب تقدم لخطبتي، كان يعمل في نقل الخضر والفواكه من الحدود التركية إلى أسواق مدينة الدانا.
وتابعت سمر: في بداية حياتي كان زوجي لطيف
نوعاً ما، ولكنه بعد فترة من زواجنا بدأ يظهر الشدة معي ولا يحترم رأيي ويفرض أحكامه عليّ ويقيد حريتي، وخاصةً بعد التحول الذي طرأ على المدينة والفساد الذي كان يسود المنطقة وتحولها إلى مدينة كبيرة تستقطب وافدين من كل مناطق سوريا، إذ تحول إلى رجل شكاك عديم الثقة.
سجناً وليس بيتاً
وتابعت: كنت أسكن وزوجي في بيت واسع تحلم به كل امرأة إلا أن سوء معاملته لي حطم نفسيتي وحوّل ذلك البيت إلى سجن ضيق، وزوجي السجان الذي كان يضربني على أتفه الأسباب وبأي شيء يوجد بين يديه وينهال عليّ بالكلام الجارح ويقوم بإهانتي وشتمي وسب أهلي، ويمنعني من زيارتهم أو التحدث إليهم من النافذة، حيث كان بيت أهلي يبعد عن بيتي عشرة أمتار فقط، كما قام برفع جدار سياج البيت نحو أربعة أمتار، ووضع له باباً كباب القلعة يقفل عليّ حين يذهب ويفتح حين يعود كي لا أتواصل مع أحد من الأقارب والأهل أو الجيران، لشدة غيرته، وخوفه أن أتعلم من أي أحد أن أدافع عن نفسي أو أن أتحرر منه ومن سجنه، أو أطالب بحقوقي كزوجة.
لم أكن يوماً صاحبة قرار
وتابعت: لم يكن يوماً يسأل عن احتياجات طفله الذي لم يسمح لي بإنجاب غيره أما عن احتياجاتي فهي ليست مهمة لدرجة أنه كان يقوم بشراء أي شيء حتى الثياب دون الأخذ برأيي أو مشورتي، ويعتبر أن له الفضل علينا بأي شيء كان يجلبه لبيته من طعام أو لباس أو حوائج منزلية كما أنه يعتبر أنه غير مقصر تجاه بيته.
كف العنف أولاً
بدورها أكدت بيان ريحان رئيسة مكتب المرأة في المجلس المحلي لمدينة دوما سابقاً قائلة: نحن نتحدث عن حقوق لنساء تعاني من القتل والضرب متقدمة لنساء تعاني من القتل أو الضرب وهو حق الإنجاب أو الميراث هناك عائلات عديدة لا ترضى بتوريث بناتها أو تزويجهن كي لا يخرج الميراث خارج العائلة حتى التعليم كانت تعتبره حقاً للذكور دون الإناث اللواتي يصلن للمرحلة الابتدائية فقط، وهذا الموروث الاجتماعي يرسّخه الإعلام عن طريق المسلسلات السخيفة التي لا تحمل وسائل توعية بقدر ما فيها انحطاط.
وأضافت أن في سوريا حتى الآن لا يوجد دور حماية للنساء المعنفات وليس هناك حلول بديلة للنساء المعنفات كي نستطيع مساعدتهن وتأمين بديل لهن كما أن حملات التوعية تكون قاصرة، وهي تضميد جراح ليس أكثر، أما واقعياً فإن لم نستطع تأمين حل بديل للمرأة المعنفة فلن نستطيع مساعدتها فعليا.
ظلم وتسلط جائر
مها العلي البالغة من العمر 30 عاماً من مدينة إدلب تحدثت لموقع تلفزيون سوريا عن تعنيفها من قبل أهل زوجها قائلةً: تزوجت في السابعة عشرة من عمري من رجل يكبرني بعشر سنوات ميسور الحال، كان أهله يمتلكون العديد من الأراضي الزراعية والبيوت إلا أنهم لا يحبون صرف المال والعيش كما يعيش الآخرون، بل كانوا شديدي البخل، فكان من أحد شروطهم أن أسكن معهم في البيت نفسه، كما أنهم لا يتعاملون مع المرأة على أنها زوجة، بل يعتبرون أنهم حصلوا على أجير (عامل) إضافي يعمل في الأرض من دون مقابل ففي بداية حياتي معهم كنت أعاني من شدة بخلهم، ولكن سرعان ما تبين لي سوء معاملتهم وذلك يعود لوجود ثلاث أخوات بنات في البيت نفسه إحداهن تجاوزت الأربعين واثنتان تكملان دراستيهما بالإضافة إلى والدتهن التي كانت تدير كل البيت بلا أي اعتراض من أي فرد من أفراد العائلة فأصبحت بعد فترة زمنية قصيرة مجبرةً على الذهاب للعمل معهم في الأراضي الزراعية.
وبدوها أكدت “ريحان” أننا نعيش أزمة العنف منذ زمن بعيد وأن العنف الموجود في سوريا أو في دول عربية أخرى ليس عنفاً آنياً إنما هو موروث شعبي ممارس منذ مئات السنين لكن الإعلام حالياً أعطى الفرصة لتظهر هذه القضايا على السطح.
أضافت: أن “آيات الرفاعي” لم تكن أول زوجة تقتل تحت مسمى العنف الزوجي وأن جميعنا نعرف في مجتمعاتنا قصص الحماية والكنة وبيت الحمو والعنف الممارس من قبل الحماية على الكنة وأن كنتها عندما تصبح حماية سوف تمارس العنف ذاته على كنتها أيضاً هذا هو العرف المجتمعي غير المضبوط بدين أو بقواعد هو الذي يوصلنا لهذه الحالة.
حلم بالتحرر
رغداء البالغة من العمر 40 عاماً من مدينة بنش التابعة لمحافظة إدلب والتي لم تفصح عن اسمها الكامل لأسباب خاصة، وهي محامية كانت تعنف من قبل زوجها هي وزوجتاه اللتان كانتا تعيشان معها في المنزل نفسه تقول لموقع تلفزيون سوريا: تأخرت بالزواج بعد تخرجي في كلية الحقوق فقد أصبح عمري 30 عاماً تقريباً ولم يتقدم لخطبتي شخص مناسب إلى أن جاء نصيبي على هذا الرجل الذي كان يعمل في البناء، وقد دفعني حلمي بالأمومة للقبول به إذ إنه لم يكن يعرف من الحياة سوى جلب الأموال وادخارها، فلم يكن هناك حياة في البيت أو جو عائلي، إنما كنا نحن الثلاثة نقف بكامل الاستعداد لخدمته حين وجوده في المنزل.
علمي يحميني من تعنيفه
وأضافت: قررت الانفصال عنه والعيش مع أطفالي في منزل مستقل بعد أن انتسبت لإحدى الجمعيات التي كانت تدعم تمكين المرأة بفضل شهادتي في الحقوق واستطعت بعد فترة زمنية قصيرة الانضمام للعمل مع المنظمات والجمعيات في مدينة إدلب التي كانت تعمل على تنظيم ورشات عمل تستطيع من خلالها تمكين المرأة وتعليمها مهناً تتناسب معها لتستطيع الاعتماد على نفسها في إيجاد دخل يحفظ لها كرامتها ويضمن لها قوت يومها كما كانت تقوم بتقوية شخصية المرأة ودعمها نفسياً لتكون قادرة على أداء واجباتها والدفاع عن حقوقها بعيداً عن الرضوخ والإذلال.
غياب قوانين تحمي المرأة
وبدوره أكد المحامي غزوان قرنفل أن القانون السوري لا يحمي المرأة التي تتعرض للعنف من زوجها، وليس في القانون السوري ثمة نظرية قانونية بشأن تجريم العنف ضد النساء.. قانون العقوبات العام ينظر إلى الفعل وأثره، فإن كان هناك أذىً فهو يفرض العقاب المتناسب مع حجم الأذى.
وأضاف قرنفل أنه لا عقوبات يفرضها القانون السوري على تعنيف المرأة لفظيا من قبل زوجها إلا إذا تضمن قدحاً وذماً فيفرض عقاباً على القدح والذم إن ثبت، وإذا تحول التعنيف إلى عنف فهو يحاسب على نتائج الفعل العنفي.
أما المشاجرة فهي فعل عنفي بين شخصين أو أكثر قد ينتج عنه أذى بدني.. القانون يحاسب على الأذى البدني، وتتناسب العقوبات طرداً مع مستوى الأذى.
وتابع أن القانون يحاسب على أثر فعل المجرم، وربما أحياناً يتشدد أكثر بالعقوبة إذا كانت الضحية سيدة أو طفلاً قاصراً، وهذا يعود للسلطة التقديرية للقاضي الناظر بالدعوى.
عملت العديد من الجمعيات والمنظمات في العالم على الحد من العنف ضد المرأة واتخذت قراراً أممياً منذ عام 1999 ينص على اعتبار 25 من تشرين الثاني يوماً عالمياً للقضاء على العنف ضد المرأة، وتواجه الجمعيات والمنظمات صعوبة كبيرة في إحصاء عدد النساء السوريات المعنفات، وذلك يعود لوجود حالات كثيرة غير معلن عنها خوفاً من المجتمع المحيط بهن.
ميس عبد الحميد _ تلفزيون سوريا