تالا الشيخ _ syria press
انتشرت حالات الطلاق بين اللاجئين السوريين في تركيا، لأسباب كثيرة منها الاجتماعي والاقتصادي، وهذا انعكس سلباً على الأسرة بشكل عام، وعلى المرأة بشكل خاص، التي دفعت ثمناً مضاعفاً نتيجة جهلها بالقوانين التركية، فبعضهن تزوجن خارج إطار القانون، بما يعرف بالعقد العرفي، ما أفقدنهن حقوقهن، وأخريات أستغل أزواجهن ضعف قدراتهن المادية، ووجودهن وحيدات في تركيا دون دعم أو سند عائلي، فطردوهن خارج بيت الزوجية، ليعانين في البحث عن مأوى وعمل.
تقول”سلام” لـ”سيريا برس”، “عانيت من التقلبات المزاجية لزوجي، وسلاطة لسانه، وغضبه الشديد لأتفه الأسباب، وتهديده الدائم بالضرب والطرد، وتفاقمت الخلافات بيننا بعد جائحة كورونا، نتيجة ضائقة مالية ألمت به، ووجوده في المنزل لفترات طويلة، لقد تحملت منه الأمرّين، ألفاظ مسيئة، عنف وإهمال، ولطالما تأفف من الزواج ومسؤولياته، معبراً عن ندمه على الإنجاب، خصوصاً بعد أن عقد العزم على الهجرة إلى أوروبا، وعلى حد تعبيره يريد “الهجرة وحمله خفيف”.
بعد إقدام زوج “سلام” على طردها من منزل الزوجية، مع ولدهم الوحيد، تقطعت بها السبل، ولم تعرف إلى من تلجأ، وهي البعيدة عن عائلتها القاصرة عن دعمها مادياً ولو بالحد الأدنى. ما دفعها لكتابة منشور في مجموعة عبر منصة “الفيسبوك” تقدم خدمات للسوريات في مدينة إسطنبول، تطلب المساعدة بإرشادها إلى منظمات مجتمع مدني، تؤمن مأوى أو خدمات قانونية، ونتيجة الحاجة إلى حلول سريعة اضطرت “سلام” لاستئجار غرفة بسكن جماعي مع فتيات، ولاتزال لغاية يومنا هذا، تبحث عن مساعدة قانونية وعمل بأجر ثابت يؤمن احتياجاتها.
عن الطلاق في بلاد اللجوء، تقول فاطمة عبد العزيز، مديرة في مركز الكواكبي للعدالة الانتقالية وحقوق الإنسان، إن ارتفاع حالات الطلاق في دول اللجوء، مردُّه في المقام الأول، إصرار الرجل على إبقاء الحال على ما كان عليه، والتعامل مع المرأة ككيان ملحق به بلا رأي أو قرار، وإصرار المرأة على التمسك بما اكتشفته من حقوق، تعزز استقلال كيانها ومساواتها بالرجل، وتعزز أيضا استقلالها في قرارها ومالها ومعاشها، واحترام خصوصيتها، ووجود ملاذات آمنه لها ليست متوفرة في بلدها، كمؤسسات الدعم والحماية للمرأة، سواء كانت مؤسسات حكومية، أو غير حكومية، فضلا عن توفر الحماية القانونية لكل ذلك، وهذا يخلق حالة تصادم من الطبيعي أن تنتهي بالانفصال.
رفعت “حنان” قضية طلاق على زوجها، بعد أن استحالت الحياة بينهما، لأسباب خاصة اعتذرت عن ذكرها، وقالت “حاولت كثيراً أن أحصل على الطلاق بالتراضي دون محاكم، ولكن زوجي كان دائم التهديد، بأنه يريد أن يبهدلني بالمحاكم، رفعت قضية طلاق منذ عامين، وللآن مازالت المحاكم بيننا مستمرة”.
تضيف “حنان”: ” لقد طردني زوجي من المنزل مرات عدّة، كنت أخرج وأعود مضطرة، لعدم وجود مكان أنام فيه، كنت اجلس ساعات طويلة في الحديقة، عديمة الحيلة، خجلة من اللجوء لصديقة أو جارة، إلى أن وجدت أنه لامناص من العمل، والاعتماد على نفسي، واليوم أعيش حياة كريمة مع أبنائي في بيت متواضع، مرتاحة البال”.
حسب “عبد العزيز” مديرة مركز الكواكبي، هناك عوامل عديدة تسهم في اتخاذ قرار الانفصال، منهاماهو متعلق بالأحوال الاقتصادية المزرية، التي ترزح تحت نيرها الأسر السورية، وبعضها من نتائج وانعكاسات التفكك المجتمعي، الناجم عن حالة الصراع، طوال عشر سنوات، ومنها ما هو مستجد بالأوضاع القانونية للمرأة،وخاصة في دول المهجر، حيث منظومات قانونية، أكثر احتراما لحقوق المرأة ورعايتها وحماية استقلالها، بخلاف أوضاعها، داخل سوريا، حيث لا قانون ينصفها، ولا مؤسسات حكومية أو غير حكومية تحميها، وتدعم استقلالها.
و أردفت”عبد العزيز”: على سبيل المثال، في تركيا هناك مؤسسات حكومية، ومنظمات مجتمع مدني، تقدم الدعم والحماية للنساء، وحمايتهن من العنف الأسري، ويمكن للمرأة الاتصال على رقم الطوارئ155 أو 183، “خط الحماية الاجتماعية”، لتتلقى كل دعم ممكن، بدءاً من الإحالة للمشفى، لإجراء فحوصات طبية كاملة، وتثبيت آثار لأضرار جسدية، ناجمة عن العنف، مرورا بتأمين مكان لإقامة الضحية، وتقديم الرعاية الصحية والنفسية لها، والعلاج الفيزيائي، والعون المادي، وحتى تأمين الوظائف، وتعليم اللغة للنساء غير التركيات، وهناك أدوار أخرى لمنظمات المجتمع المدني، كإقامة ندوات توعية، سواء للنساء أو للرجال، في المجال القانوني والنفسي والأسري، بالإضافة لتقديم المشورة القانونية”.
الطلاق في القانون التركي
يقول المستشار القانوني “ إبراهيم حسين“: “من الممكن الحصول على الطلاق للاجئين السوريين في تركيا، وفقا لأحكام القانون المدني التركي. ومن الأهمية بمكان، أن نلاحظ أن الزواج الرسمي (المدني) فقط معترف به قانونا في تركيا، وهو ما يكفل الحقوق القانونية للزوجة والأطفال، وللمضي في طلب الطلاق يجب تقديم التماس إلى محكمة العائلة ذات الصلة”.
وعن الموارد المالية وحقوق الملكية، يقول “حسين”: “في حال عدم وجود اتفاق قبل الزواج، أو بعده، يتم تطبيق لائحة الملكية الزوجية القانونية، على الأصول المكتسبة،علماً أن المحاكم التركية تميز بين ثلاثة أنواع من الممتلكات،”المكتسبة، المشتركة، والأصول الشخصية”، وتؤيد المحكمة اتفاقية الزواج، إذا كانت صالحة، وفي حال عدم وجودها، أو عدم صلاحيتها، تصدر المحكمة حكماً بتخصيص الموارد المالية والممتلكات، وفقاً للقانون المدني، مع التمييز بين الممتلكات الفردية، والمكتسبة أثناء الزواج، عند إصدار الحكم.
وفيما يتعلق بحضانة الأطفال، يؤكد “حسين”، أنه جنسية الزوجين لا تؤخذ بالاعتبار، عند منح حضانة الأطفال، ويمكن اتخاذ قرار الحضانة أثناء إجراءات الطلاق، أو من خلال قضية حضانة منفصلة، يمكن رفعها بعد إنهاء الطلاق”. ويضيف: “عموماً تأخذ المحكمة بعين الاعتبار في قضايا الحضانة، عمر الطفل، والأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والأخلاقية للوالدين، وعوامل أخرى، من بينها تفضيلات الطفل للعيش مع أحد والديه، ويحق للوالد غير الحاضن تحديد موعد الزيارة بينه وبين الطفل.
تقدم بعض الجمعيات ومنظمات المجتمع المدني في تركيا، خدمات تتراوح بين تقديم المشورة القانونية، والدعم والتمكين للمرأة، وبعضها يقدم المأوى، مثل وحدة حماية المرأة في “جمعية اللاجئين“، التي تقدم وفق موقعها الالكتروني على الانترنت، “الدعم للنساء غير المتزوجات، والآباء الوحيدين، والنساء المحتاجات إلى مأوى، والنساء اللاتي تعرضن أو من المحتمل أن يتم الاتجار بهن، والنساء اللائي أجبرن على ممارسة الدعارة، أو المطلوب جرهن إليها، والنساء اللائي تعرضن للعنف القائم على النوع الاجتماعي”.
وكذلك جمعية “شمس” للمرأة والطفل، التي تهتم بدعم قضايا المرأة، ومساندتها وتفعيل دورها، في بناء المجتمع، وفي حالات الطلاق، من الممكن أن يتلقى اللاجئون مساعدة، من خلال مكاتب المساعدة القانونية، التابعة لنقابات المحامين، والتي تستطيع توكيل محامٍ مجاناً، في حال عدم قدرتها على تغطية أتعاب المحاماة والأتعاب القضائية.
تفتقر بعض الظواهر الاجتماعية، مثل الطلاق في بلاد اللجوء، إلى أرقام وإحصائيات من جهات رسمية، كما تتحفظ منظمات المجتمع المدني، عن إعلان المعلومات والأرقام للحالات التي تقدم لها الخدمات، بدواعي الحفاظ على الخصوصية، ويبقى التساؤل حول فعالية البرامج التي تقدمها هذه المنظمات، حق مشروع، لدى اللاجئات السوريات، اللواتي يجهلن كيفية الاستفادة من هذه الخدمات.
غياب المؤشرات الكمية، قد يعيق الاستدلال عن مدى انتشار ظاهرة الطلاق في بلاد اللجوء، ولكنه لايمنع من لمس الضغوطات الهائلة، التي ترزح تحتها اللاجئات السوريات، اللواتي يحملن على كاهلهن إرثاً ثقيلاً من التمييز الاجتماعي، والعادات والتقاليد البالية، التي تبدأ بحرمانها من التعليم، والالتحاق بسوق العمل، وإرغامها على الزواج المبكر، ومنعها من ممارسة حقها بالطلاق، خوفاً من الوصمة الاجتماعية التي تلاحق المطلقات.
محدودية البيئة الداعمة، وعدم قدرة اللاجئات السوريات في تركيا، على الوصول إلى المساعدة القانونية، وخدمات منظمات المجتمع المدني، وتأمين المأوى والحياة الكريمة تساعدهن، على متابعة حياتهن بعد الانفصال، أسوة بالحقوق التي اكتسبتها المرأة اللاجئة في أوروبا، كل هذه الأسباب مجتمعة، جعلت الكثير منهن، يعشن في دوامة من الإيذاء النفسي والجسدي هن وأطفالهن، ولا يستطعن طلب الطلاق لأنهن الحلقة الأضعف اجتماعياً واقتصادياً.
تالا الشيخ _ سيريا برس
‘‘تم إنتاج هذه المادة الصحفية بدعم من “JHR”صحفيون من أجل حقوق الإنسان”.