يغلط من يعتقد أن أهداف روسيا والأسد بقيت هي نفسها التي كانت تجمعهما عام 2015، عندما طلب الأسد من موسكو غزو سورية. اليوم، لم تعد أهداف الطرفين متطابقة، بعد دور روسيا في إنقاذه، وتعيين دوره، منذئذ، بإرادة من أنقذوه بأوامر كان قد أصدرها الرئيس بوتين إلى جنرالاته، بحيث يمكن القول إن احتلال سورية بقوات روسية لم يعد مرتبطا بإرادة الأسد ووجوده في السلطة، بما أن علاقة المحتلين به لم تعد علاقة مركزٍ بمحيط، فهو كمحيط تلاشي أو مرشّح للتلاشي، إذا ما تطلبت مصالح الروس التخلي عنه، أو تحويله إلى هيكل فارغ لا وظيفة له.
ما الذي حققه الروس بعد خمسة أعوام غير هذا “الإنجاز”؟. وضعت روسيا لنفسها هدفا استراتيجيا، الانفراد بالسيطرة على سورية، وانتفاء أي طرفٍ منافسٍ لها، لاستخدامها نقطةً ينطلق الكرملين منها إلى الوطن العربي، واستعادة ما كان للاتحاد السوفياتي من نفوذ وحضور فيها.
لم يتحقّق هذا الهدف، فالروس يحتلون بمفردهم أقلّ من نصف مساحة سورية، فلم ينجحوا إذن في الانفراد بها، لأن الولايات المتحدة وإيران وتركيا تحتل مناطق سورية لا تستطيع موسكو تخطّي الخطوط الحمراء التي تحميها. إلى هذا، وضعت موسكو أيضا خطةً سياسيةً لحل روسي من بندين: تشكيل حكومة وحدة وطنية مرجعيتها الأسد. وفي حال رفضت المعارضة، يكون البديل حربا شاملة تشنّ على السوريين، لإرغامهم على الانصياع للأسد. بفشل البند الأول، سقطت رغبة الغزاة في إحلال بشار الأسد مرجعية بديلة لمرجعية الهيئة الحاكمة الانتقالية بقوة بيان جنيف وقرار مجلس الأمن 2118، فقرّرت الالتفاف عليهما ومنع تطبيقهما، لأنهما يزيحان الأسد عن السلطة. بينما حققت البند الثاني بأن دمّرت أكثر من نصف سورية، وهجرت وقتلت وجرحت مئات آلاف من مواطنيها.
هذان الإنجازان: السيطرة على النظام الأسدي، وتدمير الشعب السوري، يطرحان السؤال: هل تستطيع موسكو استثمار “إنجازيها” لفرض حل يتكافأ مع استراتيجيتها في الانفراد بسورية والانتشار منها إلى العالم العربي؟. وهل حسّن احتلال سورية وضعها الدولي الذي كان تحسينه من أهم أهداف مغامرة موسكو السورية التي أريد بها أيضا الضغط على واشنطن، وإجبارها على بناء علاقة تتسم بالندّية مع أميركا. لم يتحقق هذا الهدف، ولذلك يبدو أن موسكو قرّرت استبدال الورقة السورية الضعيفة بورقة إيران القوية، المهمة بالنسبة لأميركا، وصولا إلى ما رسمه لعلاقاتها مع الغرب عامة، وواشنطن خاصة، من أهداف.
بعد خمسة أعوام من احتلال سورية، تبدو موسكو عاجزةً عن تحويل إنجازيها إلى حل سياسي يحقق أهدافها السورية والعربية والدولية. في هذا الظرف، أقلقتها اتفاقية عسكرية عقدها الأسد مع إيران يوم 8 يوليو/ تموز الماضي، ورأت فيها محاولةً من الطرفين للإفلات من سيطرتها علي السلطة وعليه شخصيا، ردّت عليها بتعيين ممثل شخصي للرئيس بوتين، بصفة مندوب سام، مهمته الإشراف المباشر على الرئاسة، وتعيين رئيس أركان روسي للجيش السوري، ومحافظين روس في مختلف مناطق سورية، بينما عقد نائب رئيس وزراء روسيا اتفاقاتٍ اقتصادية بالعشرات، لإحكام قبضة روسيا على ثروات البلاد ومواردها الوطنية، في نقلةٍ نوعيةٍ لفصل وجود موسكو في سورية عن الأسد، واستكمال سيطرتهم على سلطته، ما دام فشلهم في الإنفراد بالسيطرة عليها يمكن أن يزجّهم في مآزق تضعفهم، بما سيترتب على ذلك من نتائج خطيرة في موسكو.
بعد خمسة أعوام من احتلال سورية، تجد روسيا نفسها أمام نجاحٍ عسكريٍّ نسبيٍّ، وفشل سياسي متحد، قيّد قدرتها على الانفراد بسورية، وفرض حلها عليها. لذلك، سيكون خيارها تجميد السعي إلى حل، وتشديد قبضتها على مستعمرتها.
العربي الجديد _ ميشيل كيلو