نجلاء إحدى النساء اللواتي اضطررن بسبب الظروف الاقتصادية الصعبة في سورية إلى العيش في منزل عائلة الزوج الذي يواجهن فيه ضغوطاً نفسية كبيرة، ولا سيما إذا جرت معاملتهن كأنهن “غريبات”. وتتمنى نجلاء بالتالي أن تعاملها حماتها (والدة زوجها) مثل بناتها، وأن تحظى بحياة مستقلة مع شريكها، فانعدام تفاهم الكنّة مع حماتها وبناتها يحوّل “عشّ الزوجية” الذي تحلم به الفتاة إلى أشبه بـ”مأساة يومية”.
تسرد نجلاء (27 عاماً)، وهي من حيّ برزة في دمشق، لـ”العربي الجديد” بعضاً من ظروف حياتها في منزل أهل زوجها في قرية معربا بريف دمشق، وتقول: “عندما تزوجت عام 2016، كان يقطن في المنزل والد زوجي ووالدته وأخوه وثلاث من أخواته، فسكنت في غرفة بسيطة، وتشاركت كل شيء مع عائلتي الجديدة. لكنّ حريتي الشخصية تقلصت بسبب وجود شقيق زوجي معظم الوقت في البيت، لكونه بلا عمل. وبعدما أنجبت طفلة ثم طفلين، بدأت الغرفة تضيق بنا. وطلبت مرة من زوجي أن يستأجر منزلاً كي نعيش براحة فدخلت، والدته وقالت لي: “هذه حياتنا ومعيشتنا. إذ أعجبك ذلك امكثي معنا، وإذا لا، فبيت أهلك موجود”.
توضح أنّ المشاكل زادت منذ أن حصلت تلك المشاجرة، وتقول: “كلّ يوم يتعكر مزاجي بتصرفات وكلام نساء عائلة زوجي. عندما أدخل إلى صالة الجلوس أسمعهنَّ يتحدثنَّ بأنني لم أحظَ بتربية جيدة في بيت أهلي. وسألت يوماً حماتي حين خرجت من المستشفى حيث أجريت عملية جراحية: لماذا لا تعاملينني مثل إحدى بناتك؟ فأجابتني: لأنك لا تشبهين أياً منهن. وأثّر هذا الكلام فيّ، وقلت في نفسي: حماتي أيضاً لا تشبه أمي التي كانت ستقف إلى جانبي”. تضيف: “خفّت حدة المشاكل بعدما تزوجت شقيقات زوجي، وطلبت أمي من حماتي أن تُحسّن من معاملتها لي. أما زوجي، فأخلاقه جيدة، لكنّ عمله موظفاً في محل تجاري لا يسمح له بفتح منزل آخر، وهو لا يريد أن يُغضب أمه”.
من جهتها تقول سمر (34 عاماً) التي تواجه المشكلة ذاتها إلى جانب سوء معاملة زوجها لها، وأصيبت بجلطة بسبب الضغوط النفسية الشديدة، لـ”العربي الجديد”: “تزوجت مباشرة بعدما تخرجت من كلية العلوم في جامعة حمص، واشترط زوجي أن أسكن في منزل عائلته حيث تعرضت لأسوأ معاملة منذ اللحظة الأولى، من دون أن يمنع ذلك إنجابي ثلاثة أطفال. وبين المشاكل التي أواجهها مساندة زوجي أمه، وعدم سماحه بزيارة أهلي إلّا مرة واحدة شهرياً تترافق مع اتصاله بي كي يُسمعني كلمات مزعجة. لا أعلم إلى متى سأصبر على هذه الحال، علماً أنّ الوضع المادي لوالدي حرج، ولا أريد أن أزيد الأثقال عليه”.
وفي مدينة حلب، تروي ميساء (30 عاماً) لـ”العربي الجديد” تجربتها في السكن مع عائلة زوجها الذي يعمل سائق أجرة وتوجد معه أمه وأخته التي فقدت زوجها في معتقلات النظام السوري، ولديها طفل: “في بداية حياتي مع العائلة قبل أربع سنوات كنت أنزعج من الوسوسة الزائدة لحماتي في شأن النظافة، وطلبها مني أن أنظف يومياً المنزل والدرج وأماكن صعبة مثل الخزانة والثريا وحتى جرّة الغاز، كذلك كنت أتضايق من الضجيج الذي يحدثه ابن شقيقة زوجي، لكنني تأقلمت مع الوقت، خصوصاً أن لا مجال للسكن في منزل خاص، وانشغلت بتربية طفلتي”.
وبالانتقال إلى الرجال، يخبر عمار (25 عاماً) المقيم في منطقة الحولة بريف حمص الشمالي “العربي الجديد” أنّ مشاكله لا تنتهي مع أمه وإخوته الخمسة وزوجته “ما قد يضطرني إلى المخاطرة بالسفر إلى لبنان للانضمام إلى والدي الذي يعمل في قطاع البناء، ومواجهة احتمال اعتقالي على حواجز النظام وإجباري على تأدية الخدمة العسكرية. لذا، أنا بلا عمل، ولا أستطيع الخروج من المنطقة”. ويؤكد أن “السبب الأول للمشاكل العائلية هو الظروف المادية الصعبة. والحقيقة أنّ الوضع بات لا يطاق، فقد زاد الوضع سوءاً بعدما وضعت زوجتي مولوداً، ما رتب عليّ أعباءً مالية إضافية تضطرني إلى طلب نقود من أمي التي تشتكي دائماً من نقص المصروف، خصوصاً بعدما توقف عمل أبي في لبنان بسبب الأزمة الاقتصادية”. يضيف: “حاولت أن أستأجر منزلاً للعيش مع زوجتي، لكنّ الديون تراكمت عليّ، وبتّ غير قادر على دفع إيجار المنزل، فاضطررت إلى العودة إلى منزل عائلتي”.
في المقابل، تعاني أمهات من المعاملة السيئة لزوجات أبنائهن. وقد تعرضت إحداهن للضرب والطرد من منزل أقامت فيه مع زوجات أبنائها في حي بحمص. ومع تزايد المشاكل، استؤجِر منزل للأم للعيش بعيداً عن زوجات أولادها.وتشير المستشارة التربوية والأسرية نورا نحاس في حديثها لـ”العربي الجديد” إلى أنّ “المجتمع لم يتخلّص من الموروث الاجتماعي الذي يفرض تجمّع أفراد الأسرة في بيت العائلة، ويعتبر نيّة الشاب الخروج منه مخالفةً، ما قد يعرّضه لمقاطعة الوالدين له هو وأولاده. والتحديات كبيرة، وخصوصاً بالنسبة إلى المرأة والأولاد، ومنها مشكلة التقليل من شأن الأم أمام زوجها وأولادها، وكذلك الابن عبر ضرب والده له أمام زوجته”.
وتتابع: “السكن مع عائلة تضم أفراداً كثراً مشكلة قديمة حديثة، والخروج من العائلة يقتضي شجاعة من الرجل الذي يقع بين فكي كماشة إرضاء والديه، أو مواجهة ضغط زوجته التي تطلب الانفصال عنه بسبب السكن. وعائلات القبائل ترى أنَّ زوجة الابن يجب أن تعمل في المنزل كي ترتاح ابنتهم من هذه الأعمال”.
وعلى صعيد التربية، تعتبر نورا أنّ “انفراد الجد والجدة بتربية الأحفاد لدرجة منع الأم والأب من المشاركة فيها لاعتقادهم أن طريقتهم أصح، يوقع الوالدين في مشكلة محاولة كسب رضا الوالدين والرغبة في الوقت ذاته بتربية أولادهما بأساليب حديثة. أما الشق الإيجابي في السكن بمنزل العائلة، فيتمثل بضمّ العروسين إلى العائلة الكبيرة وإنجاح المشاركة والتعاون بينهم. وهنا تلعب التربية الأصلية للزوجين دوراً مهماً، فالمرأة جاءت إلى منزل بيت حميها وهي مفعمة بالمحبة والمودة، لكن هذه الحالات قليلة، فالأكثرية تصرّ على احترام الخصوصية في أسلوب العيش”.
عائشة صبري _ العربي الجديد