إدلب – كان عام 2015 لافتا فيما سجّله من ارتفاع في عدد زيجات القاصرات في سوريا. فقبل الثورة، كانت النسبة المعلنة في أحسن الأحوال هي 7%، لكنها وصلت إلى 30% عام 2015، واستمرت في الارتفاع، بحسب تقرير للمركز السوري للدراسات والأبحاث القانونية. وتشير إحصائيات لوزارة العدل في سوريا إلى أن النسبة تزيد كثيرا في مناطق الأرياف البعيدة عن العاصمة، إذ إن 60% من الزيجات غير المسجّلة في المحاكم الشرعية عُقدت على قاصرات.
وقد أسهمت الحرب -وما أرخته من ظروف اجتماعية واقتصادية وسياسية وقانونية ضاغطة إلى جانب الموروث الثقافي- في تعميق الظاهرة وتوسعها، مع اختلاف ترجمتها باختلاف البيئة والظروف المحيطة بالفتاة القاصر. ومن بين ما أظهره تقرير المركز السوري كان انتشار هذه الظاهرة في مناطق سيطرة المعارضة التي تتعرض للقصف وتعاني من الفقر، بحيث يكثر تزويج القاصرات اللواتي يفتقدن إلى الإعالة والحماية.
إنقاذ حياة الفتيات
في هذا التقرير -الذي أُنجز في إطار برنامج تدريب يضم صحفيين من سوريا وغزة واليمن وهو من تنظيم مؤسسة “أوان” وبدعم من منظمة “دعم الإعلام الدولي” (International Media Support)- رُصدت الظاهرة وتفاصيلها في بعض القرى النائية في مناطق الشمال السوري التي تتمثل بمدينة إدلب ونواحيها الخاضعة لسيطرة قوى المعارضة السورية، ليتبين حجم الكارثة بالنسبة لهذه القرى القليلة فقط، ونتساءل كيف هو الحال على نطاق أوسع؟ وكيف من الممكن إنقاذ حياة ملايين الفتيات دون سن الـ18 سنة من الآثار السلبية للزواج المبكر؟
الكريز، الشيخ يوسف، القنيطرة، بسليا، عري الشمالي، عري الجنوبي، سيجر، هي قرى تقع غربي جنوبي محافظة إدلب التي باتت تضم مختلف الأعراق والأجناس والثقافات والعادات بعد نشوب الصراع في سوريا. فبعد أن كان عدد سكانها يقدر بحوالي 164 ألف نسمة عام 2010 باتت الآن تضم أكثر من 4 ملايين نسمة نصفهم من السكان الأصليين ونصفهم الآخر من النازحين والمهجرين، بحسب آخر إحصائية لـ “منسقي الاستجابة في الشمال السوري”.
وخلفت رحلات التهجير المستمرة وانتشار بيئة المخيمات العشوائية أجيالا تفتقر إلى أبسط الحقوق كالتعليم والمأوى والنشوء في مجتمعات سليمة. ووسط هذه البيئة، ازداد لجوء الأهالي إلى تزويج بناتهم في سن الطفولة لتأمين حياة الفتاة والاطمئنان عليها خوفا من تركها بلا معين، ولحمايتها من جميع أنواع الاستغلال أو الاعتداء في ظل غياب الجهات الداعمة.
3 شهادات
هنا في هذا التقرير، 3 شهادات تعكس بعض ما تواجهه فتيات من تلك المناطق، تزوجن في عمر مبكر، سواء بإرادتهن التي أسهم المجتمع في تكريسها، أو رغما عنهن.
أروى.. ندم وصدمة
بتوتر ملحوظ يعلو وجهها الطفولي ويدين متشابكتين تتعرقان، بدأت أروى (اسم مستعار) تتحدث عن قصة زواجها المبكر قبل 4 سنوات. كانت قد تركت المدرسة في سن الـ13، نتيجة الحرب الدائرة في المنطقة وتحول المدارس إلى مأوى للنازحين، لتتزوج بعد ذلك بأقل من سنة.
بأجوبة عفوية مترددة وغير ناضجة، تقول أروى إن أهلها لم يجبروها على الزواج لكنهم اعتبروه أمرا طبيعيا في هذه السن، نتيجة الموروث الثقافي.
“عندما تقدم لي زوجي ظننت أنه الشخص المناسب، لم يكن فارق العمر بيننا كبيرا، كان في الـ18 وأنا في الـ14، لكن سرعان ما وجدت نفسي خلال الفترة الأولى من الزواج ضمن أجواء لا تشبهني، إذ لم أعتد سابقا على كثرة المسؤوليات والتعامل مع أخطاء الجميع بروية، لا سيما أننا عشنا في بيت العائلة مع ذويه. هكذا، وجدت نفسي مع زوج يعاملني بقسوة، فيُهينني ويضربني في كل مرة، ليثبت لأهله وأمه تحديدا أنه رجل”.
تتابع أروى الحديث عن الفترة الأولى من زواجها. يتغيّر صوتها الجهور ليصبح أكثر هدوءا، كأنها وصلت إلى عمق صفحة مليئة بالآلام تحاول أن تتناساها لتستمر في حياتها التي كرستها لتربية طفلها في الوقت الحالي.
“بدا قادرا على تفهم مشاعر الخوف والخجل لدي في الأيام الأولى، لكن بعد ذلك بأسبوع وعلى امتداد الأشهر العشر الأولى بدأت حياتي تتغير للأسوأ بسبب كثرة المشاكل مع ذويه الذين اعتبروا أن قدومي للعائلة نذير شؤم وبأنني لست أهلا لحمل المسؤولية” تقول أروى.
ورغم تعبير الزوج الدائم عن حبه لها، كما تقول، لم تتراجع حدة ضربه لها، ومع ذلك أحسّت أنها مجبرة على تقبله لأن الموروث الثقافي يفرض عليها أن تعمل على طاعة زوجها والتودد له كي لا يصل إلى مرحلة النفور منها.
تقول أروى إن موقف أهل زوجها، غيّر أسلوب الأخير في التعامل معها، فدخلت في حالة من الندم والصدمة، دفعتها للعودة إلى منزل أهلها وطلب الطلاق أكثر من مرة.
تتوقف أروى عن الكلام وتحتضن طفلها وتتابع حديثها عن السبب المباشر الذي أودى بها إلى الانفصال قائلة “سافر زوجي إلى دمشق للالتحاق بدورة في كلية الشرطة، وبعد ذلك بدأ والد زوجي بضربي وإهانتي في كل مرة كنت أريد استخدام الإنترنت للتواصل مع زوجي الذي بدا أنه نسيني ونسي طفله”.
وتنهي حديثها قائلة “من الصعب جدا أن تكوني أمّا في هذا العمر، ولو عاد بي الزمن 5 أعوام فقط إلى الوراء ما كنت لأخطو خطوة واحدة في طريق الزواج”.
مها.. إكراه بعقد شرعي
“حياة بالإجبار”. هكذا وصفت مها (اسم مستعار) حياتها الزوجية خلال الـ14 سنة الماضية، مؤكدة أن كل فتاة بحاجة إلى أن تنضج قبل الإقبال على مرحلة الزواج، موضحة أنها لا تقصد النضج الفكري فقط إنما نضج الجسد والروح والمفاهيم الحياتية الصحيحة، بعيدا عن أي موروث ثقافي ألقاه الأهل أو المجتمع على عاتق النساء.
مها (28 عاما) أرملة وأم لـ4 أطفال، أكبرهم عمره 6 سنوات. كانت قد نزحت من شرقي مدينة سراقب إلى قرية الكريز غربي مدينة إدلب، وهي تعود اليوم بذاكرتها عدة أعوام لتحدثنا عن تجربتها في الزواج الذي حرمها أهم مراحل حياتها.
“كان عمري 14 عاما، وكنت أعيش طفولتي وسط أخوتي وأصدقائي ومدرستي وحلم الهندسة المدنية الذي يكبر بداخلي، إلى أن قرّر والدي تزويجي غصبا من ابن عمتي الذي يكبرني بـ13 سنة، بحجة أن القريب وابن عمتك أولى فيك”، هذا ما تقوله مريم موضحة أن “المحاولات الكثيرة التي استمرت طيلة فترة الخطبة بعدم لقائه أو الحديث معه لإفشال هذا الزواج لم تنفع في تغيير القرار المفروض”.
تتوقف برهة وتأخذ نفسا عميقا لتقول “في أول يوم زواج، شعرت بخوف شديد. جسدي كان يرتعش ولم أستطع تصوره يقترب مني رغم محاولاته اللطيفة معي واستيعابي في البداية لاعتقاده هو وأهلي بأن السبب الكامن وراء فشل كل تلك المحاولات أنني مسحورة. بقينا على هذه الحال طيلة الأسبوع الأول، ليتم الأمر بعد ذلك بالقوة والعنف، وأكون بذلك ضحية اغتصاب زوجي (وفق وصفها)، ما تسبب لي بأذى جسدي ونفسي تطلب نقلي إلى طبيب مختص”.
تؤكد مها أن المطلب الوحيد الذي بقيت مصرة عليه هو متابعة الدراسة حتى تمكنت من إنهاء اختصاصها في الرياضيات الجامعية، بينما كانت تقضي معظم وقتها في منزل أهلها نتيجة المشاكل الدائمة مع عائلة زوجها التي كانت تطالبها بالنضج والوعي متناسية أنها طفلة، كما تقول.
وقد استمر زواج الإجبار هذا في سنواته الثلاث الأولى على نفس المنوال، كان زوجها يصر خلالها على ممارسة الضغط عليها بشتى الطرق، وتحريض والدها عليها لاعتقاده بوجود شخص آخر في حياتها يمنعها من تقبله بعد كل هذه الفترة، كما تقول مريم.
وتضيف “مثلي مثل آلاف الفتيات اللواتي أُرغمن على الزواج، فكرت في الانتحار أو الهرب، لكن عاداتنا وتقاليدنا التي نحفظها عن ظهر قلب كانت تمنعني”.
وتروي بلوعة ما عاشته بعد أحداث كثيرة مرت بها، فتقول “بقيت سنة في منزل والدي، كنت قد علمت خلالها أنني حامل في طفلي الأول ورغم معرفة زوجي بحملي لم يكلف نفسه عناء السؤال أو القدوم لرؤيتي حتى بعد مضي 7 أشهر على وضعي طفلتي الأولى، الأمر الذي دفع والدي للإحساس بحجم الكارثة التي أوصلني لها بيده، مع ذلك لم يكن أمامي خيار إلا العودة إليه وتقبل حياتي كما هي”.
وتختم حديثها “الآن بعد مرور سنة ونصف على حادثة غرقه مع مجموعة شبان أثناء ذهابهم إلى قبرص من أجل العمل، أعيش مع أطفالي الأربعة حياة هادئة وأعتبر أنهم المكسب الوحيد الذي بقي لي في هذه الحياة ويستحق أن أكافح من أجله مهما كلفني الأمر”.
مروى.. عادات خاطئة
مروى، اسم مستعار (18 عاما)، تنحدر من قرى ريف مدينة اللاذقية. التقينا بها في إحدى مشافي مدينة إدلب وهي تشرف على رعاية شقيقتها المريضة.
تخطو مروى خطوة صغيرة خارج حاجز خجلها، وبابتسامة باهتة تعلو وجهها الصغير الشاحب تجلس على كرسي الانتظار المقابل لقسم العناية المركزة وتقول “تزوجت منذ 3 أشهر من شاب من ريف مدينة إدلب يكبرني بـ3 سنوات فقط، لم أرغب قط به أو بفكرة الزواج لصغر سني أولا وتعلقي بأخوتي الذين أقوم على رعايتهم بعد وفاة والدتي، لكن القرار الأخير كان لوالدي الذي وافق على إتمام تجهيزات الزواج في أقل من شهر وبمهر زهيد لا يكاد يذكر”.
تتحرك مروى بجسدها النحيل لتتفقد شقيقتها وتعود لتكمل ما حل بها بغصة تكاد تخنق صوتها الهادئ، قائلة “منذ الليلة الأولى والتي يُفترض أن تكون من أجمل لحظات حياتي بدأ بضربي وإهانتي تبعا لتعاليم والدته التي أملت عليه بوجوب تربيتي كي أصبح زوجة مطيعة لا تخالف له أمرا”.
وتتابع “لم أستطع إخبار أحد عن تلك الليلة بعد تهديده بأنه سيدعي أنني لست عذراء. رضيت بالأمر الواقع وبقيت على هذه الحال 3 أشهر وكأنها 3 سنوات، في كل يوم أتعرض خلالها للضرب والإهانة دون حجة أو سبب”.
تشكو مروى من أن زوجها كان يفعل كل ما تمليه عليه والدته، سواء في العلاقة الخاصة بينهما أو في تصرفاته معها، وعندما كانت ترفض الانصياع لأوامره أو أوامر والدته خاصة في موضوع إجباره لها على العمل في الأراضي الزراعية وهو نائم، كان يمنعها من الجلوس معهم على الطعام ويضربها برغيف الخبز على وجهها.
“في إحدى المرات، لم أعد أحتمل ضربه المبرح لي وقررت الذهاب إلى منزل عائلتي وإخبار والدي بكل ما أعيشه، فتقدم بشكوى عليه في مخفر القرية لكن مع الأسف كانت النتيجة لصالحه بعدما ادعى أنني لا أصلح لأكون زوجة لأنني لا أعطيه حقوقه الزوجية. وعندما دافعت عن نفسي موضحة مدى ظلمه وقسوته، كان الجواب هو الصمت واقتراح الصلح بيننا”.
وتتابع “عادت الأمور أسوأ مما كانت عليه بألف مرة، الأمر الذي دفعني لاتخاذ قرار الرحيل هذه المرة دون عودة، والآن رغم رفض والدي لقرار طلاقي فإنني مصرة على عدم العودة إليه مهما كلفني الأمر من أثمان نفسية وجسدية.
ثغرات حقوقية
بحسب عدد من المحامين المتواجدين ضمن مدينة إدلب، يتم تزويج القاصر ضمن المحاكم الشرعية بوجود أحد أولياء أمرها (الأب أو الأخ) في حال كانت قد أتمت الـ16 أو الـ17 من العمر، وفي حال كانت تحت سن الـ15 عاما يمكن تزويجها بتقرير طبي يُثبت سلامتها الجسدية التي تؤهلها للزواج.
ويشير المحامون إلى عدم وجود مفهوم محدد وواضح للقاصر ضمن مناطق الشمال السوري، حيث تُعقد زيجات لفتيات في الـ13 والـ14 من العمر بإجراءات بسيطة، تقتصر على إخراج قيد لكل من الزوج والزوجة مع اثنين من الشهود، وإن كان هناك عقد شرعي خارج المحكمة تصبح القاصر بحكم البالغ، خاصة في حال الحمل، وإذا قرر الزوجان تثبيت الزواج في المحكمة الشرعية، يقومان برفع دعوى تسمى “دعوى تثبيت الزواج”، ليحكم القاضي لهما بقرار إصدار صك زواج رسمي.
ويقول المحامي زياد أصفري إنه لا يوجد في المناطق المحررة -خاصة في محافظة إدلب وما حولها- ما يُعرف بسن الزواج القانوني، حيث بمجرد بلوغ الفتاة تصبح مؤهلة للزواج ومكتملة الأهلية، أي أن مفهوم القاصر غير واضح بموجب القانون أو الاتفاقيات الدولية.
وبحسب ما قاله أصفري، فإن كل فتاة تعتبر بالغة من سن الـ12 وما فوق، حسب بنيتها الجسدية والصحية وطبيعة المنطقة التي تنحدر منها، حيث غالبية الزيجات الحاصلة تتم بعقد عرفي يُعرف بـ”عقد كتاب براني” عند رجل دين، ليتم بعد ذلك رفع دعوى لتثبيت الزواج بالدوائر الحكومية تحت مسمى عقد شرعي لدى القاضي الشرعي، بموافقة كلا الزوجين وحضور كل من ولي أمر الفتاة وشاهدين.
ويشير أصفري إلى أن هناك حالات زواج تتطلب من القاضي التأكد من صحة بلوغ الفتاة وحالتها الجسدية، إلا في حالة الحمل.
وكان تقرير المركز السوري للدراسات والأبحاث القانونية قد ذكر أن أغلب عقود الزواج التي تتم على قاصرات تجري خارج المحكمة، ويكون مثل هذا الزواج قصير الأجل، وهو ليس سوى غطاء قانوني للاستغلال الجنسي. ويأتي أخيرا عدم تحديد سن للزواج، بسبب الفتاوى الدينية التي تدعو إلى تزويج القاصرات، وتعطيه غطاء شرعيا من وحي الشريعة الإسلامية، وفق المركز السوري.
أمام هذا الواقع، يرى المركز السوري أن معاناة النازحين واللاجئين من الإهمال ونقص الرعاية والخدمات، يجعلهم عرضة لكل أنواع الانتهاكات والحرمان. من هنا، طالب المركز بضرورة تقديم الخدمات اللازمة للاجئين والنازحين، وتوفير الأمن في مخيمات اللجوء، وقطع الطريق على عصابات الجنس وخطف النساء والتحرش بهن، ومحاسبتهم على جرائمهم، كما أكد على أهمية إلغاء القوانين التمييزية ضد المرأة، ورفع التحفظات عن اتفاقية “سيداو” (cedaw) التي من شأنها الحد، بل القضاء، على زواج القاصرات الذي يعتبر “انتهاكا صارخا” لأهم الاتفاقيات الدولية التي تعنى بحقوق المرأة والطفل في آن، والموقع عليها من أغلب الدول، ومنها سوريا منذ عام 1989، وفق المركز السوري.
عواقب صحية
لاستيضاح الآثار الصحية المترتبة على ضحايا هذا النوع من الزواج، تقول طبيبة النساء والتوليد الدكتورة إكرام حبوش إن زواج الفتاة في عمر صغير يعرضها لمشكلات صحية ونفسية عدة، نتيجة عدم النضج الجسدي وقلة الوعي.
وتوضح حبوش -وهي مديرة مستشفى الأمومة في إدلب- أن الفتاة التي يتم تزويجها في هذه السن تكون أكثر عرضة للتمزق المهبلي والنزيف الحاد الناتج من العلاقة الزوجية، والذي ربما يستدعي تدخلا طبيا حرجا، فضلا عما يلحقه من صدمة نفسية قاسية قد تستمر وتشكل عائقا في العلاقة الزوجية مستقبلا.
وتشير حبوش إلى أن الدراسات الطبية تؤكد أن العلاقة الجنسية في سن مبكرة تزيد من إمكانية الإصابة بسرطان عنق الرحم، كما أن “الحمل المبكر وما يصاحبه من مشكلات كثيرة يعرض الجنين للإسقاط والولادة المبكرة الناتجة من الالتهابات والانقباضات الرحمية المتكررة”.
وخلال حديثها، تلفت حبوش إلى أن 75% من المراجعات لعيادتها هي من فتيات حوامل وقاصرات، موضحة أن هناك فرق بين الفتيات الناضجات وغير الناضجات جسديا من حيث اكتمال تشكل الرحم والحوض وملحقاته.
تأثيرات اجتماعية
من جهتها، تتحدث المختصة النفسية والاجتماعية زهور قهواتي عن التأثيرات الاجتماعية والفردية التي تنتج عن زواج القاصرات. وتقول “لزواج القاصرات مخاطر جسيمة سواء على المجتمع أو الفرد، حيث يوجد عدة تأثيرات نفسية تؤثر سلبا على القاصر، منها الإحساس بالعجز والفشل وعدم تحمل المسؤولية، الأمر الذي يتسبب باضطرابات نفسية عميقة -مثل الاكتئاب والقلق- يصعب الشفاء منها بسهولة”.
وتتابع قهواتي حديثها عن المخاطر التي تنتج عن زواج القاصرات، ألا وهي الحرمان من فرص متاحة مثل التعليم والتأثير بالمجتمع، إلى جانب احتمالية فشل العلاقة التي تؤدي إلى تفكك أسري نتيجة الطلاق، حيث تشير إحصائيات إلى أن غالبية حالات الطلاق التي تحدث أو حدثت في المجتمعات العربية بشكل عام يكون سببها الزواج المبكر، الذي ينتج عنه وجود أطفال يفتقدون للعيش في جو أسري متكامل، لمجرد قيام الأهل باتخاذ القرار عوضا عن ابنتهم التي لا تمتلك وعيا كاملا بالمسؤوليات والواجبات المترتبة عن موضوع الزواج المبكر.
وبحسب المختصة النفسية لا يمكن معالجة مثل هذه المعضلة (الزواج المبكر) إلا بنشر الوعي أولا، ثم بفرض قوانين صارمة ترفض زواج القاصرات وتعاقب ولي الأمر أو مقدم الرعاية عليه.
وبينما لا يكفي القانون وحده -إذ يلجأ الكثير من الأهالي إلى تزويج بناتهم بـ”كتاب براني” (عقد شرعي)- تشدد قهواتي في ختام حديثها بأن للوعي الدور الأهم في أي علاقة وعدم وجوده وفهم حجم الواجبات المترتبة على الموضوع يؤدي إلى كارثة.
سيلا الوافي: الجزيرة نت