انعكست الخلافات بين روسيا وإسرائيل إثر الصراع في أوكرانيا على التنسيق بين الطرفين في سورية، حيث فرضت روسيا قيوداً واضحة على حركة سلاح الجو الإسرائيلي بشكل غير مسبوق منذ نهاية عام 2015، وذلك من خلال تفعيل منظومة الدفاع الجوي S300 قبل أشهر، حسب تصريحات لوزير الدفاع الإسرائيلي بيني غانتس أواخر تموز/ يوليو 2022.
ونتيجة تلك القيود فقد لجأت إسرائيل إلى تكتيكات خاصة من أجل ضمان استدامة الضربات الوقائية الهادفة إلى خفض التهديدات الأمنية من سورية، حيث زادت إسرائيل من الاعتماد على الضربات الصاروخية “أرض – أرض”، منذ شباط/ فبراير 2022، حتى بلغت 8 هجمات مقابل 8 هجمات أيضاً باستخدام الغارات الجويّة، غير أنّ العديد من الطلعات كان تتمّ باستخدام الأجواء اللبنانية والمجال الجوي لقاعدة التنف، تفادياً لأي صدام محتمل.
بدأ الخلاف “الروسي–الإسرائيلي”، منذ إعلان الأخيرة معارضة غزو أوكرانيا في شباط/ فبراير 2022، وتعمّق هذا الخلاف بعد توجيه وزارة العدل الروسية إخطاراً للوكالة اليهودية في روسيا بالإغلاق، في نهاية تموز/ يوليو، ولوّحت إسرائيل بعدها بالتخلي عن سياسة الحياد والاستعداد لتقديم الدعم لأوكرانيا.
وفي حين أدّى الخلاف بين الطرفين إلى تقييد حركة سلاح الجو الإسرائيلي فقد أتاح لإيران توسيع هامش نشاطها في سورية بشكل أكبر، لا سيما جنوب البلاد وبالقرب من خط وقف إطلاق النار لعام 1974، وعملت على نقل أنظمة توجيه متطورة لزيادة دقّة الصواريخ التي تخزنها في سورية.
ومع ذلك، ما تزال روسيا وإسرائيل تحتفظان بخط الاتصال والتنسيق العسكري، حيث ترسل تل أبيب إخطاراً إلى موسكو بجميع الهجمات الجوية قبل تنفيذها، بما في ذلك الاستهداف الذي طال شحنة صواريخ إيرانية وصلت إلى مطار دمشق الدولي في 10 حزيران/ يونيو 2022، حيث أتاح هذا الإخطار المجال لسحب عمال برج المراقبة وبعض القوات المرتبطة بموسكو قبل الهجوم.
في الواقع، لا يبدو أنّ روسيا ترغب بمنع الهجمات الإسرائيلية في سورية بشكل كامل، بل مجرّد تقييدها كنوع من ممارسة الضغط على إسرائيل بهدف تعديل مواقفها، ومنعها من تبنِّي أيّ سياسة تؤدي لتقديم الدعم إلى أوكرانيا. بذلك تحافظ موسكو على دورها كوسيط بين الفاعلين الدوليين في سورية، كما أن استمرار الهجمات بالحدّ الأدنى يتيح لها ضبط تحرُّكات الميليشيات الإيرانية في سورية.
بالمقابل فإنّ إسرائيل لن تنتهج غالباً سياسة تصعيد ضدّ روسيا في سورية، بل ستلجأ إلى القنوات الدبلوماسية من أجل تذليل العقبات أمام عملياتها الأمنية في سورية، وللتباحث حول مصير الفرع الروسي للوكالة اليهودية، وهذا يعكس حرص الدول الإقليمية على استمرار دور روسيا كضامن من أجل تحصيل مكاسب سياسية وأمنية، ولتفادي الصدام المباشر مع إيران.
المصدر: مركز جسور للدراسات