شهدت مناطق متفرقة من محيط محافظة دير الزور شرفي سوريا مناورات عسكرية مشتركة بين التحالف الدولي و“قوات سوريا الديمقراطية” (قسد)، في محاولة يقول التحالف إنها للحد من نشاط تنظيم “الدولة الإسلامية” الذي تصاعدت وتيرته خلال الأسابيع الماضية.
وتزامنت الدوريات مع إعلان التحالف الدولي عن انتهاء مهامه القتالية في العراق ضد تنظيم “الدولة”، وتصاعد وتيرة الحديث عن تسليم مناطق من شمال شرقي سوريا لقوات النظام السوري.
عملت قوات التحالف على إجراء أحاديث مع سكان ومدنيين من قرى وبلدات دير الزور، خلال جولتها التي انطلقت برفقة قوات عسكرية تابعة لـ”قسد” من منطقة المعامل في ريف دير الزور الشمالي، مرورًا بمنطقة أبو خشب، وحقل “العمر” النفطي، كما ستتجه القوات بعد إنهاء جولتها نحو قرية الباغوز شرقي دير الزور.
وبحسب مدنيين قابلتهم عنب بلدي في بلدة الصالحية شرقي محافظة دير الزور، فإن قوات التحالف أجرت محادثات مع سكان في قرى وبلدات دير الزور، محاولة تقديم تطمينات بعدم الانسحاب من المنطقة أو تسليمها لقوات النظام مستقبلًا.
المناورات العسكرية “رسالة صريحة”
ربما لا تعتبر التطمينات التي تقدمها قوات التحالف الدولي وحليفتها “قسد” شمال شرقي سوريا موجهة للسكان على وجه التحديد، بحسب ما يعتقده الباحث في مركز “جسور للدراسات” وائل علوان.
في حين تقع على عاتق التحالف اليوم مهمة حماية المناطق التي يستقر بها، وسط العديد من المخاطر التي “يكاد يكون الوجود الإيراني في المنطقة على رأسها”.
كما تحاول إيران على الدوام مد نفوذها الأيديولوجي والسيطرة على المنافذ الحدودية بين سوريا والعراق، وتأمين خطوطها البرية لضمان نفوذها في المنطقة، بحسب علوان.
واعتبر الباحث أن مناورات التحالف الأخيرة هي “رسالة صريحة”، مفادها أنه على المستوى القريب والمتوسط، لا يوجد أي تغيير عسكري فيما يتعلق بالقوات الأمريكية في سوريا، مشيرًا إلى أن هذه المناورات تدل على “حذر من التمدد الإيراني أو سيطرة أكبر للنظام على موارد الطاقة شرقي سوريا”.
وتعتبر محافظة دير الزور من أكثر المناطق التي تشهد انتشارًا للميليشيات المدعومة من قبل “الحرس الثوري الإيراني”، إضافة إلى المقاتلين والقادة الإيرانيين في سوريا.
وبحسب معلومات تحققت منها عنب بلدي، فإن الميليشيات الإيرانية في مدينة دير الزور والمنطقة الشرقية، يترأسها قيادي ملقب بـ“الحاج مهدي”، وهو قائد عسكري إيراني الجنسية، في حين يتولى قيادة الميليشيات في مدينة الميادين وريفها القيادي الملقب بـ“الحاج حسين”، وفي البوكمال وما حولها “الحاج عسكر”.
التحالف الدولي يوازي التحركات الروسية
أجرت طائرات مروحية وحربية روسية، مطلع تشرين الثاني الماضي، مناورات وتدريبات عسكرية وقتالية استمرت لعدة أيام في مناطق نفوذ “قسد” شمال شرقي سوريا.
تبعتها محاولات متكررة روسية لتسيير دوريات عسكرية لها ضمن مناطق نفوذ “قسد”، لاقت اعتراضًا من قبل السكان، حتى تحولت إلى مظاهرات وتهديدات باستهداف هذه الأرتال.
لم تحرك قوات التحالف الدولي حينها ساكنًا باستثناء حضورها إلى المنطقة التي شهدت تظاهرات رافضة لعبور الأرتال الروسية، بالقرب من دوار المدينة الصناعية، لتهدئة الأوضاع.
واعتبر الباحث في مركز “جسور للدراسات” أنس شواخ، أن التحركات الأمريكية شمال شرقي سوريا، تأتي ردًّا على الدوريات العسكرية الروسية التي سُيّرت في المنطقة ذاتها داخل مناطق سيطرة “قسد” في ريفي دير الزور الغربي والشمالي.
هذه المنطقة تعتبر خطًّا فاصلًا بين مناطق انتشار كل من القواعد العسكرية لقوات التحالف الدولي والقواعد العسكرية الروسية داخل مناطق سيطرة “قسد”.
واعتبر شواخ أن قوات التحالف الدولي تحاول من خلال هذه المناورات قطع الطريق أمام القوات الروسية، ومنعها من تكرار أو توسعة مسار الدوريات التي قامت بها مؤخرًا في هذه المنطقة، متذرعة حينها باحتمالية وجود خلايا تتبع لتنظيم “الدولة” فيها.
وكانت وكالة “سبوتنيك” الروسية نقلت، في 3 من تشرين الثاني الماضي، عن مصادر ميدانية لم تسمِّها، أن المناورات العسكرية الروسية التي أُقيمت في ريف محافظة الرقة شمال شرقي سوريا، شاركت فيها مقاتلات حربية ومروحيات حلّقت على علوّ منخفض في أجواء الريف الشرقي لمدينة عين عيسى.
وامتدت هذه المناورات، بحسب الوكالة الروسية، إلى خطوط التّماس بين “قسد” و”الجيش الوطني” المدعوم من تركيا، في صوامع “شركراك”، وألقت خلالها البالونات الحرارية والقنابل الضوئية.
واقع التحالف في العراق “يشابه مستقبله في سوريا”
أعلن مستشار الأمن القومي العراقي، قاسم الأعرجي، انتهاء المهمة القتالية لقوات التحالف الدولي لقتال تنظيم “الدولة الإسلامية” رسميًا وانسحابها من العراق.
وقال الأعرجي في تغريدة عبر “تويتر”، في 9 من كانون الأول الحالي، “اليوم أنهينا جولة الحوار الأخيرة مع التحالف الدولي والتي بدأناها في العام الماضي، لنعلن رسميًا انتهاء المهام القتالية لقوات التحالف وانسحابها من العراق”.
وأضاف المستشار أن العلاقة مع التحالف الدولي ستستمر في مجال التدريب والاستشارة والتمكين.
وعن دلالات انسحاب قوات التحالف من العراق وعلاقتها بالتحركات الأخيرة في سوريا، قال الباحث في مركز “جسور للدراسات” أنس شواخ، إن انتهاء المهمة القتالية لقوات التحالف الدولي في العراق لا يعني انسحابًا أمريكيًا كاملًا من هناك، بل إن هذا الوجود سيبقى مستمرًا، بينما تتولى المهام القتالية ضد تنظيم “الدولة” القوات التابعة للحكومة العراقية من الآن فصاعدًا.
وأضاف شواخ أن واقع استمرار التزام قوات التحالف بمهامها غير القتالية في إطار “التدريب والاستشارة والتمكين” للقوات والحكومة العراقية، يشابه إلى حد كبير مستقبل قوات التحالف الدولي في سوريا، فهذه القوات ملتزمة أيضًا بحماية المناطق الكردية، وتمكين حلفائها المحليين، وأهمهم “قسد”، وضمان استمرار قدرتهم على “مكافحة الإرهاب” لضمان عدم عودة التنظيم.
واعتبر أن أخطار تنظيم “الدولة” ربما تزول في حال تكفلت قوات التحالف بدعم قوى محلية أخرى بمهام مكافحتها، وأشركت “قسد” في تنفيذها، مثل النظام السوري أو قوات المعارضة، وخاصة تلك المدعومة من التحالف الدولي والمتمركزة في قاعدته العسكرية بالتنف (على الحدود السورية- العراقية- الأردنية)، وهذا الاحتمال طبعًا بحاجة إلى كثير من التفاهمات الأمنية الدولية بين الولايات المتحدة وروسيا وتركيا.
هل ينخفض نشاط تنظيم “الدولة” عقب تحركات التحالف
زاد تنظيم “الدولة” من وتيرة نشاطه في سوريا، خلال تشرين الثاني الماضي، وهو ما يؤكده التحالف الدولي لمحاربة التنظيم، معتبرًا أن التنظيم يستخدم أسلوب العصابات.
وأصدر تنظيم “الدولة”، حينها، مجلة “النبأ” الناطقة باسمه، وتضمنت “إنفوغرافًا” تحدث فيه عن أبرز عملياته ما بين 10 و23 من تشرين الثاني الماضي، بحسب ما رصدته عنب بلدي.
وعن انخفاض نشاط التنظيم شرقي وشمال شرقي سوريا، قال الباحث أنس شواخ، إن من المبكر ربط الانخفاض النسبي في معدل عمليات التنظيم بتسيير دوريات التحالف في هذه المناطق.
وأشار إلى أن خلايا التنظيم كثيرًا ما تمر بفترات “خمول نسبي” أو نقل مراكز نشاطها من منطقة إلى أخرى لأسباب متعددة، لكن في حال استمرار هذه الدوريات وترافقها مع عمليات أمنية حقيقية تستهدف خلايا التنظيم، فإن ذلك من المؤكد سيؤدي إلى خفض نشاطه.
وكان التنظيم فجّر في مدينة الحسكة، في 12 من تشرين الثاني الماضي، عبوة ناسفة بعربة كانت ضمن رتل للقوات الأمريكية، يمر من قرية السعدة الغربية جنوبي الحسكة، ما أدى إلى احتراق العربة.
وفي 15 من الشهر نفسه، نفّذ مقاتلو التنظيم كمينًا ضد الميليشيات الموالية لقوات النظام السوري، وفجروا عبوات ناسفة بها واستهدفوها بالأسلحة الرشاشة، ما تسبب بمقتل سبعة من بينهم قيادي، ودمروا آلية.
وتعليقًا على تزايد نشاط التنظيم، قال المتحدث باسم قوات التحالف الدولي، جويل هاربر، إن تنظيم “الدولة” لا يزال يعاني من “ضعف شديد” في مناطق وجود التحالف وشركائه، إلا أنه يستخدم “أساليب العصابات” لترهيب المدنيين وابتزازهم وسرقتهم وتعريض قوات الأمن المحلية للخطر.
خالد الجرعتلي _ عنب بلدي