نتوافق جميعاً نحن من كنا على قيد الرفض والموالاة على أن إعلام النظام غارق في عفن الفساد والتضليل، وانعدام المهنية وتسيّد من هم طارئون على المهنة، وهؤلاء وصلوا في السنوات العشر الأخيرة إلى ما وصلوا إليه لأنهم يجيدون التخوين والانبطاح وزرع الفتن، وأهم ما فيهم هو البراعة الفائقة في تمجيد البعث والقائد وحكمته، ولهذا بات هذا الإعلام عبئاً حتى على الموالين الذين باتوا يشكون ويشكّون في أنهم جزء من وطن لا يرى فيهم سوى أرقام يمكن شطبها وتحويرها متى شاء النظام وأبواقه.
منذ يومين خرج بطرس حلاق وزير إعلام النظام ليتحدث عن قانون إعلام جديد على طاولة النقاش، وتناول الدخلاء على الحرفة، وأن الخطة القادمة هي أن يتحول الإعلام السوري إلى إعلام دولة وليس إعلاماً حكومياً، وهي إيماءة تعني إعلام السلطة والنظام، ومهما كان الغرض من تلك الرسائل التي يجيد النظام تمريرها كلما احتاجها فإنها تصب لدى الآخر -من توجه إليه الرسالة- أن توجهاً جديداً سيتم فتحه في مؤسسات النظام الخشبية.
تبدو المعارضة السياسية واهنة متخبطة، ومن دون أي برامج مستقبلية أو راهنة، واتهامات بالتخوين بين أطرافها
الرسالة جاءت في وقت يتم الحديث فيه عن مرحلة تصويب تفكير النظام التي تقود روسيا فيه عملية التحول، وهي تتقاطع مع الرؤية الأميركية في عدم إسقاطه بل تغيير سلوكه، وفي الوقت نفسه تصريحات عربية هنا وهناك عن ضرورة إعادة العلاقات مع النظام وعودة سوريا إلى كرسي الجامعة العربية وفق ما جاء على لسان أمينها العام قبل أيام، وتوقيع اتفاقيات تعاون اقتصادي، وفتح المعابر، واتصالات أجراها رأس النظام مع اثنين من الزعماء العرب، وإفصاحات عن حجم التبادل الاقتصادي تم نشرها للمرة الأولى مع النظام.
في الوقت نفسه تبدو المعارضة السياسية واهنة متخبطة، ومن دون أي برامج مستقبلية أو راهنة، واتهامات بالتخوين بين أطرافها في حين تنخرط المعارضة العسكرية في صراع داخلي حيث تأكل الفصائل بعضها، وتمارس التنكيل في مناطق سيطرتها التي تعيش أقسى أوضاعها الاقتصادية والصحية حيث أطاح كورونا بالمؤسسات الصحية وتزداد أرقام الإصابات والوفيات، وأما البشر فيحاصرهم الجوع والمستقبل المجهول الذي ترسمه التفاهمات الإقليمية وضربات مدفعية النظام وصواريخ المقاتلات الروسية، واحتمالات رحيل جديد إلى مناطق تضيق عليهم سنة بعد أخرى.
مع رسائل الانتقاد التي أطلقها وزير إعلام النظام أخرج الأسد رأسه أمام الخريجين الجدد من المؤسسة العسكرية ليبعث رسائل تطيمن معاكسة تمجد جيش الشعب وصموده، والتفاف المواطنين حوله في مواجهة المؤامرة والخونة، وعن الشعوب التي تصمد فتجد لها وطناً، والفرق بين الصمود الإيجابي والسلبي، وكذلك عن جوهر الصراع الجديد السياسي وليس العسكري، وهنا بالضبط يتشكل الفارق الذي يصنعه النظام بالالتفات نحو صنع نصر سياسي على المعارضة المترنحة من خلال تحميلها وزر أوضاع السوريين البائسة، وإظهارها بأنها غير مبالية بمصائر من آمنوا بها، وأنها فقط مجموعات بائسة تبحث عن جواز سفر في سفاراته، أو معارضون هنا وهناك يبحثون عن جنسيات الدول التي لجؤوا فيها لتحصين أنفسهم وعائلاتهم فقط، وهو إلى حد ما وصل إلى مبتغاه وليس بيده بل بأيدي هؤلاء المعارضين.
وبالعودة إلى حديث حلاق عن قانون الإعلام الجديد وأهدافه، قال إنه سيركز على (تنقية المجتمع السوري الذي عانى من الحرب بكل أشكالها على مدى عشر سنوات من كل السلوكيات الغريبة والمفاهيم الدخيلة وذلك يتطلب عملاً احترافياً لبناء ثقة بين الإعلام والمواطن)..
وكلنا يعرف أن أعلام النظام هو من صنع هذه الفوضى واستفاد منها وعززها، وأن هذه الرسائل التي يمررها الوزير كاذبة لكنها موجهة إلى الخارج ولبعض من في قلبه مثقال ذرة ريب في خروجه على النظام.في ظل هذه الحرب الناعمة التي يشنها النظام لا تتوقف ميليشياته وقواته عن إمطار السوريين في الشمال بالقذائف وتدك الصواريخ الروسية مخيماتهم.. وفي الوقت نفسه يتابع الحلفاء والأشقاء ومعهم أميركا صياغة صورته الجديدة التي تتناسب مع صراعاتهم ومصالحهم، وأما الآخرون فما زالوا يتخبطون في صياغة ضياعهم بين حلم الخروج من سطوة السلطة والبقاء في مناصبهم التي باتت عبئاً عليهم وعلى من يمثلونه.
عبد الرزاق دياب _ تلفزيون سوريا