سيريا برس _ أنباء سوريا
يجر طه أبو أحمد 42 عاماً ساقيه خلفه للوصول إلى خزان مياه بجانب خيمته الواقعة على أطراف مخيم “سنجار كهربا” قرب سرمدا شمالي إدلب، يحاول تطبيق طريقة غسل اليدين وما تعلمه من الإجراءات الوقائية التي تحدّ من انتشار فايروس كورونا الجديد، يقول أبو أحمد “نمت الليلة الفائتة دون طعام. خفت من الخروج والاختلاط بالناس والإصابة بالفايروس. وما زاد خوفي أن مناعتي ضعيفة جداً فعندما أصاب بـ “رشح العادي” أبقى أياماً عدة طريح الفراش”.
تعرض أبو أحمد في صغره لإصابة في الظهر أدت إلى شلل في ساقيه، ويسكن حالياً في مخيم سجل إصابات بالفايروس من أصل ثمانية عشر مخيما سجلت مثل هذه الإصابات في محافظتي إدلب وحلب شمال غربي سوريا، بحسب فريق “منسقو استجابة سوريا” الذي أوضح في تقرير له وجود 49 مصاباً في تلك المخيمات توزّعت على 11 مخيماً في محافظة إدلب، وسبعة في ريفي محافظة حلب الشمالي والشرقي.
وأضاف التقرير أن وفاة واحدة ناتجة عن الإصابة بكورونا سجّلت في تلك المخيمات، كما أشار إلى أن نسبة الإصابات بلغت 10,86 بالمئة من الإصابات المسجّلة في مناطق المعارضة، شمالي البلاد، وبحسب الفريق فإن الشمال السوري يحوي أكثر من 1500 مخيماً تنتشر قرب الحدود التركية، ويقطنها أكثر من مليون ونصف مليون نازح.
وحذّرت منظمات طبية محلية ودولية من وصول الفايروس إلى الشمال السوري وبخاصة المخيمات، التي تشهد كثافة سكانية عالية، ونقصاً كبيراً في مراكز الرعاية الطبية والأدوية، وحذرت من وقوع كارثة طبية بسبب القصور الطبي الحاد وغياب أجهزة الإنعاش ومستلزمات مواجهة كورونا.
ذوو الاحتياجات الخاصة أكثر عرضة للإصابة
يقول مدير الرقابة الدوائية في مديرية صحة إدلب الدكتور مصطفى السيد الدغيم إن ذوي الاحتياجات الخاصة أكثر عرضة للإصابة بالفيروس من غيرهم، وذلك بسبب مناعتهم الضعيفة، وإن أعدادهم ازدادت بسبب العمليات العسكرية والقصف من قبل قوات النظام وروسيا خلال السنوات التسع الماضية.
ويضيف أن هناك شريحة من ذوي الاحتياجات الخاصة تصعب العناية بها وإيصال الإرشادات الصحية والوقائية لها، كذوي الإعاقات الذهنية، فهؤلاء يصبح احتمال إصابتهم بالفيروس أكبر، وهذا يجعل حياتهم في خطر، بحسب الدكتور.
ومن هذا المنطلق تقسّم مقدمة الرعاية الصحية المعتمدة رهف الجع ذوي الاحتياجات الخاصة إلى قسمين، الأول وهم أصحاب الإعاقات الذهنية وهؤلاء هم الفئة التي من الممكن أن ينتقل لها الفيروس بشكل أكبر، بسبب الصعوبة في التواصل معهم، وهذه الفئة تحتاج إلى متابعة دائمة من قبل الأهل.
أما القسم الثاني فهم أصحاب الإعاقات الجسدية، وهؤلاء ينقسمون أيضاً إلى فئتين، الفئة الأولى هم الذين يستطيعون تدبر أمور النظافة بأنفسهم وهؤلاء يتم تلقينهم طرق الوقاية بشكل أسهل، أما الفئة الثانية وهم الذين لديهم عجز جسدي يجعل من الصعب اعتمادهم على أنفسهم في أمور النظافة، وحينها يتم تلقين التعليمات للأهل أو لمن يهتم بشأن الشخص الحامل للإعاقة.
وكانت منظمة “هيومن رايتس ووتش” الحقوقية الدولية، قد قالت في تقرير سابق لها، إن فيروس “كورونا” الجديد ، المسبب لمرض كورونا، يشكل مخاطر لكثير من الأشخاص ذوي الإعاقة حول العالم، وأن على الحكومات أن تبذل جهوداً إضافية لحماية حقوقهم في الاستجابة للجائحة.
وقالت جين بوكانان، نائبة مدير قسم حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة، في المنظمة الدولية إن “الأشخاص ذوي الإعاقة، هم من الفئات الأكثر تهميشاً وتعرضاً للوصم في العالم، حتى في الظروف العادية، وما لم تتحرك الحكومات سريعاً لاحتوائهم، ضمن استجابتها لتفشي الفايروس ، فإنهم سيتعرضون بشدة، لخطر العدوى والموت مع انتشار الجائحة”.
ووفقاً لهيومان رايتس ووتش، فإن هناك أكثر من مليار شخص تقريبا يمثلون ما نسبته 15 بالمئة من سكان العالم يعيشون مع أحد أشكال الإعاقة، وتشير المنظمة إلى أن هؤلاء قد يشملون الأشخاص الأكبر سناً، أو من لديهم حالات صحية مزمنة، أو ذوي الإعاقة التي تؤثر على قدرتهم التنفسية وكلهم وفقاً لها معرضون بشكل خاص للإصابة الخطيرة بكورونا أو الموت جراءه.
المخيمات بيئة جالبة للوباء
في آخر إحصائية زودنا بها فريق منسقي الاستجابة، يقدر عدد ذوي الاحتياجات الخاصة في مخيمات إدلب بأكثر من 49,861 يعيشون في بيئة غير صحية وفيها مخاطر التلوث عالية. بسبب انتشار حفر الصرف الصحي المكشوفة، إضافة إلى الحرمان من مصادر الدخل الأساسية والاعتماد على المساعدات الإنسانية فقط، وغياب الرعاية الصحية والأسس الوقائية اللازمة من فايروس كورونا المستجد، والنقص المستمر في الغذاء والماء وانعدام أبسط الخدمات اليومية.
علياء جريش والدة لطفلين يعانيان من مرض في عينيهما، تتخوّف من وصول المرض إلى ابنيها، فهما بحاجة إلى من يساعدهم بأبسط احتياجاتهم و تحركاتهم وحالياً بظل انتشار وباء كورونا تعمد إلى منع خروجهم من الخيمة إلا للضرورة.
وعن المعلومات التي تعرفها عن هذا الوباء تقول علياء قرأت معلومات عن الوباء على “فيسبوك”. إنه مرض يشبه الكريب لكنه مميت لذلك لا نخرج من الخيمة ولا نجتمع مع الناس في المخيم ونغسل أيدينا جيداً عند الخروج بالماء والصابون.
في مخيم خيارة شرق مدينة سرمدا يوجد حوالي 150 عائلة حسب مدير المخيم “محمد العبد الله” يحوي المخيم حوالي 10 أشخاص من ذوي الاحتياجات الخاصة. وفي ظل انتشار وباء كورونا، يتخوّف العبد الله من وصول العدوى لهؤلاء الأشخاص، خاصة أنه لا يوجد أي منظمة تقدم للسكان التوعية أو المساعدات بمواد تنظيف أو المعقمات.
يقول محمد حلاج المتحدث باسم فريق منسقي الاستجابة إن المخيمات تعتبر بيئة جالبة للوباء، بسبب الكثافة السكانية، إذ في أحسن الأحوال تبعد الخيمة عن الأخرى متراً واحداً، ويقطن كل خيمة وسطياً خمسة أشخاص، ولا مجال لتطبيق التباعد الجسماني.
ويشير إلى أن ما يزيد الطين بلة أن معظم الحمامات ودورات المياه وخزانات المياه مشتركة في تلك المخيمات، ما يجعل الوقاية من الإصابة بالفايروس أمراً شبه مستحيل ولو تمّت توعية السكان وتوزيع مواد تعقيم وتنظيف بشكل دوري. فالمشكلة جذرية في تلك المخيمات وكان من الواجب العمل عليها في أيام انتشاره الأولى.
ذوو الاحتياجات الخاصة لم يحظوا بأي خصوصية في المخيمات
بحسب المسؤول في وحدة تنسيق الدعم عبو الحسو ورائد الصالح مدير الدفاع المدني ومحمد حلاج مدير فريق منسقي الاستجابة والطبيب مصطفى الدغيم مسؤول الرقابة الدوائية في مديرية صحة إدلب، فإن المؤسسات التي يعملون بها قدّمت حملات توعية في المدارس والمساجد وسيّرت فرقاَ جوالة لتعليم سكان المخيمات طرق الوقاية من الفايروس، لكنّ جميع المنظمات التي وردت أسماؤها لم تفرد أي حملة لذوي الاحتياجات الخاصة.
ويقول محمد حلاج إن المساعدات والسلال التي تحوي مواد تنظيف ومعقمات كانت توزّع على قاطني المخيمات بشكل عام، وكانت تصل العائلات الأكثر حاجة، ولم تكن هنالك أي حملة مخصصة لذوي الاحتياجات الخاصة، بالرغم من المعاملة الخاصة التي يحتاجونها.
وبدوره يقول مدير مكتب الإحصاء بمخيم كتيان في إدلب “أبو بكر النعيمي” إن عدد ذوي الاحتياجات الخاصة في المخيم حوالي 41 حالة، قامت إحدى الفرق التطوعية بتقديم سلل منظفات لمرة واحدة، أعطى الفريق خلالها معلومات لسكان المخيم بشأن الوقاية من الفايروس، ولم يتم استهداف ذوي الاحتياجات الخاصة بشكل خاص.
أما عبد اللطيف الخطيب إعلامي مؤسسة “بشائر الخيرية” فيقول إن المؤسسة التي يعمل بها استهدفت تسع مخيمات لمدة 14 يوماً في منطقة دير حسان وبابسقا، إضافة إلى مخيمات كتيان وتجمع الضياء 2 ومخيم “لستم وحدكم” ومساكن العودة وبشائر الخير وقرية أسنلر، وتم خلال الحملة توزيع ولصق بروشورات التوعية، وهذه البروشورات وصلت جميع العائلات في تلك المخيمات ومن بينهم ذوي الاحتياجات الخاصة.
يقول عبد السلام اليوسف مدير مخيم أهل التح ناشدنا عدداً من المنظمات ومديرية الصحة بهدف زيارة المخيم والاطلاع على أحوال ذوي الاحتياجات الخاصة وتقديم الفحوص اللازمة لهم وتوعيتهم ولم نتلق أي رد، إذ يضم المخيم 10 أشخاص من ذوي الاحتياجات الخاصة.
ويرى اليوسف أن هذه الفئة يجب أن تخضع لبرامج توعية لمعرفة خطر الفيروس وطرق الوقاية منه كما ينبغي إخضاع ذويهم لهذه البرامج لأنهم المسؤول الأول عن رعايتهم وقد لا يعي بعضهم خطورة المرض وكيفية انتقاله. وبالتالي يتحمل الأهل مسؤولية الاهتمام بنظافته وتأمين الوقاية الصحية له.
تعمل ولاء محمد مع إحدى فرق الدعم النفسي وتتجول في المخيمات بشكل مستمر، تقول إنها تصادف عشرات الحالات من ذوي الاحتياجات الخاصة الذين يجب أن تقدم لهم رعاية صحية واجتماعية خاصة، لكن المنظمات الإنسانية لا تخص هذه الفئة بأي رعاية أو دعم، بعض الأسر تهتم بأولادها بشكل جيد لكن لاحظت إهمالاً كبيراً ولا مبالاة عند آخرين.
حملات تحتذى في بلدان مجاورة
قد لا تكون المقارنة منطقية بين ظروف مخيمات إدلب وبلدان مجاورة لسوريا كتركيا ولبنان، لكن يرى محمد حلاج أنه لو أفردت بعض المنظمات جهوداً خاصاً لرعاية ذوي الاحتياجات الخاصة، فهذا سيقلل من معاناتهم، ومساواتهم بباقي فئات المجتمع، وبخاصة أن لهم ظروفاً ومتطلبات خاصة.
في تركيا خصّصت بعض البلديات مع انتشار الجائحة أرقام اتصال لتلبية احتياجات ذوي الاحتياجات الخاصة، فإذا ما أراد أحد هؤلاء الأشخاص شراء دواء أو نوعاً من الأطعمة فإنه يتصل بالرقم المخصص، ليقوم موظفون في البلدية بإيصال طلبه إلى المنزل.
كما سيّرت فرق توعية مدربة لذوي الاحتياجات الخاصة لتقوم بزيارتهم في منازلهم، وتقدّم لهم المعلومات اللازمة، كل حسب حالته. إضافة إلى تقديم كمية من الكمامات والمنظفات ومواد التعقيم المستخدمة لتعقيم الحاجيات الخاصة.
ولا تقتصر أعمال موظفي البلديات على جلب الاحتياجات، بل لديها سيارات مخصصة لنقل ذوي الاحتياجات الخاصة إلى البنوك والدوائر الرسمية لإجراء المعاملات الرسمية التي لا تتم إلا بحضور صاحب العلاقة.
يقول وائل أبو كويت المدير التنفيذي لمنظمة سند لذوي الاحتياجات الخاصة التي تنشط بشكل أكبر في تركيا، إن المنظمة التي يعمل بها ترعى نحو 2500 من ذوي الاحتياجات الخاصة، وقد خصصت لهم مساعدات في ظل انتشار كورونا، تمثّلت بتقديم كمامات بشكل مستمر، ومواد تعقيم وتنظيف، إضافة إلى تقديم الدعم الصحي والنفسي لهم.
وبحسب وائل فإن المنظمة كانت ترعى نحو خمسة آلاف من ذوي الاحتياجات الخاصة في الشمال السوري، لكن أعمالها تراجعت أخيراً بسبب الحظر الذي سببه انتشار الفايروس وإغلاق المعابر وصعوبة التنقل.
وفي لبنان أطلقت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسيف) حملات للتواصل مع ذوي الاحتياجات الخاصة وعائلاتهم عبر الإنترنت، وكانت تقدّم لهم التوعية عبر محادثات مرئية، كما سجّلت فيديوهات توعوية موجهة لفاقدي السمع، وهذا الجزء البسيط من الاهتمام لم تقم به أي منظمة في سوريا.
خط انتشار الفيروس في سوريا يتصاعد
منذ تاريخ تسجيل أول إصابة في الشمال السوري في تموز الفائت، ما زال عدد الإصابات مستمراً بالارتفاع، وقد وصل المخيمات، وبات تهديده أكبر لذوي الاحتياجات الخاصة وكبار السن، وأصحاب الأمراض المزمنة.
يقول وزير الصحة في الحكومة السورية المؤقتة الطبيب مرام الشيخ إن الأيام القادمة ستشهد ارتفاعاً أكبر في عدد الإصابات، ما زال الشمال في المراحل الأولى من انتشار الفيروس، وهذا سيؤثر بطبيعة الحال على جميع فئات المجتمع وعلى ذوي الاحتياجات الخاصة وسكان المخيمات بشكل خاص.
وبحسب الشيخ فإن انشغال العالم كله بالجائحة أدى إلى تراجع الخدمات والأجهزة المقدمة لقاطني الشمال السوري، وبخاصة بعد حصر دخول المساعدات من معبر باب الهوى فقط، وهذا أثّر سلباً على وضع المصابين، وقد يسهم أيضاً بارتفاع عدد الوفيات بينهم في الأيام القادمة.
ويؤكد الشيخ أن التوّجه أصبح حالياً لدعم الإنتاج المحلي إن كان من ناحية الكمامات أو مواد التعقيم وأجهزة التنفس، وهذا يجعلنا أقوى في المرحلة المقبلة، وفي حال طال أمد انتشار الفيروس، وزاد من انشغال المنظمات الأممية عن الشمال السوري.
وبتاريخ أمس الخميس أعلنت شبكة الإنذار المبكر التابعة لوحدة تنسيق الدعم المعارضة تسجيل 95 إصابة جديدة في المناطق الواقعة شمال غربي سورية، وهو أعلى رقم يسجّل في المنطقة منذ وصول الفيروس إلى المنطقة.
وبذلك يرتفع عدد المصابين في مناطق سيطرة المعارضة بحسب آخر إحصائيات الشبكة إلى 1474، تعافى منهم 808 وتوفي 14.
المصدر: الغربال