لم تنتظر كتلة الأسعار في أسواق المناطق الخاضعة لسيطرة النظام طويلاً حتى سجلت ارتفاعاً جديداً، في انعكاس متوقع لقرار حكومة النظام السوري رفع الدعم عن عشرات الآلاف من الأسر السورية، على رأسها تلك التي يعيلها أصحاب السجلات التجارية من الفئتين الثانية والثالثة الذين تم إخراجهم من سجلات الدعم، الأمر الذي يُنبىء بتوسع شريحة الفقراء، والقضاء على ما تبقى من الطبقة المتوسطة وصغار التجار.
ويحذر خبراء اقتصاديون من ارتفاع نسبة الجياع في المجتمع السوري الذي يعيش فيه أكثر من 90 في المئة تحت خط الفقر، بينما يعاني أكثر من 60 في المئة منهم من انعدام الأمن الغذائي، بحسب بيانات الأمم المتحدة. ويعتبر رفع الدعم عن السلع والمواد الأساسية، فضلاً عن زيادة معدلات البطالة أحد أهم أسباب ذلك، مع توقع خروج قسم كبير من أصحاب المشاريع الصغيرة الذين يعتبرون الفئة الأكثر تضرراً من القرار، من سوق العمل.
قرار يرفع معدلات البطالة
وشهدت الأسعار في المناطق الخاضعة لسيطرة النظام ارتفاعاً ملحوظاً خلال الأيام القليلة الماضية، شملت مختلف أنواع السلع والبضائع المحلية والمستوردة، بنسبة تراوحت بين 20_40 في المئة، مقارنة بالأسعار منتصف شهر كانون الثاني/يناير، الأمر الذي يرجعه العديد من التجار إلى محاولة الحفاظ على مستوى دخل يتناسب مع وضعهم الاقتصادي الجديد.
ويؤكد أبو خالد، وهو تاجر تجزئة في المدينة القديمة بحلب، أن الزيادة الأخيرة في كتلة الأسعار تعتبر رد فعل أولي على قرار إزالة الدعم، هدفها حماية التجار من مختلف الفئات لرؤوس أموالهم فقط، متوقعاً أن تشهد الفترة القادمة وحتى نهاية شهر آذار/مارس القادم، زيادة بنسبة 60 إلى 100 في المئة بالأسعار.
ويقول: “انعكس قرار رفع الدعم الحالي على الجميع، وخاصة أصحاب المشاريع الصغيرة ممن لا يتجاوز رأس مالهم 5 إلى 10 ملايين ليرة، والذين يشكلون غالبية السوق والطبقة المتعاملة مع المستهلك، وهذه الفئة لم تعد قادرة على مواكبة التسعيرة الجديدة للبضائع من جهة، أو رفع الأسعار بالحجم الذي يمكنهم تغطية ما حرموا منه من جهة أخرى، خاصة وأن السلع تصل إلى رفوف الدكاكين محملة بزيادات مرهقة”.
ويشير أبو خالد إلى أنه “خلال شباط وآذار، سيشهد السوق تصفية كبيرة لمختلف الفئات من التجار، حيث بدأ قسم كبير من أصحاب محال بيع المفرق بتصفية بضائعهم، بعد خروجهم من الدعم، ما يعني خسارة الوسيط بين التاجر والمستهلك، وبالتالي تضرر سوق التصريف بشكل كامل”.
عجز حكومي
وسيؤدي القرار الأخير الى انضمام المزيد من السكان إلى فئة العاطلين عن العمل، خاصة وأن القطاعات الاقتصادية بشقيها العام والخاص تعاني من انهيار شبه تام، وعجز في تأمين فرص عمل حقيقية.
ويرى الاستشاري الصناعي سعيد نحاس في حديث ل”المدن”، أن جميع الطبقات المهنية والحرفية الخاصة تأثرت بسبب عوامل عدة، بعدما نفد صبرها ومدخراتها ولا تزال تناضل من أجل بقائها على قيد العمل، إلا أن الضرر الأكبر لحق بالتجار وأصحاب المشاريع البسيطة”.
ويقول: “رغم أن طبقة صغار التجار لا يمكن أن تنتهي أو تُلغى من نظام السوق الاجتماعي، طالما هناك مال يدفع وسوق استهلاكي وعرض وطلب، إلا أنها تعرضت لضربة موجعة أثّرت على قدرتها، كما أن فاعليتها ضعفت بشكل تلقائي وسريع فور صدور القرار”.
ويضيف أن “حكومة النظام لم تعد تمتلك حلولاً تقدمها للشعب، وهذا ما يؤكده قرار استثناء ميسوري الدخل من الدعم، وهذه الفئة لا يتجاوز دخلها الشهري الثلاثين دولاراً أميركياً، وعليه، فإننا قد نرى تداعيات خطيرة قادمة سريعاً، مثل المجاعة وانتشار الفوضى وانعدام الأمن الشخصي، خاصة وأن مصير الناس في حياتهم ودخلهم ومعاشهم مهدد بالانهيار”.
تحذيرات من انهيار تام
المخاوف من خلل البيئة الاقتصادية، دفع اتحاد الغرف التجارية السورية إلى إصدار بيان نبه فيه من مغبة خروج الفعاليات الصغيرة، التي تصنف ضمن الطبقتين الثالثة والرابعة من التجار، من السوق الاجتماعية، مطالباً بإعادة ترتيب ملف الدعم واستثناء هذه الشريحة.
وتصاعدت حدة الانتقادات لآلية رفع الدعم الذي أعلن عنه النظام مطلع شباط/فبراير، حيث تجاوز عدد الاعتراضات المقدمة عبر نظام الشكاوى في وزارة الاتصالات، أكثر من 250 ألف اعتراض، خلال اليوم الأول من صدور القرار.
وعقب اجتماع وزاري، أعلنت حكومة النظام الأحد، اقتصار الاستبعاد من الدعم الحكومي على أصحاب السجلات التجارية، بدءاً من الفئة الممتازة وحتى الفئة الثالثة، بينما يبقى حاملو السجل التجاري من الدرجة الرابعة مشمولين بالدعم.
ولا يستبعد الخبير الاقتصادي أحمد عزوز أن يشهد القطاعان التجاري والصناعي موجة هجرة جديدة على غرار الموجات السابقة، بالنظر إلى موجة الغلاء وحالة التضخم المستمرة التي تشهدها السوق السورية. ويقول ل”المدن”، إن “إصرار النظام على إبقاء الفئة الثالثة خارج نطاق الدعم، سيؤدي إلى إضافة طبقة جديدة إلى شريحة الفقراء، خاصة وأن حجم الإنفاق لهذه الفئة سيزيد شهرياً، بما يقارب 150 ألف ليرة فقط لشراء الخبز”.
ويشير عزوز إلى أن “هدف النظام تخفيف الأعباء عليه، والاستفادة من مورد إضافي متمثل بالوقود، حيث تقل تكاليف توزيع هذه المادة بالسعر المدعوم ويخفض إنتاج الخبز المدعوم مع تقليل الفئات المستفيدة”.
وبينما يصر النظام السوري على أن قرار رفع الدعم الحالي، سيحقق وفرات مالية تقارب الألف مليار ليرة سورية، “ستذهب إلى المستحقين من طبقة الفقراء”، يؤكد اقتصاديون أن هذا القرار سيؤدي إلى عجز اقتصادي، خاصة وأن هذه الوفورات لن تغطي أكثر من 25 في المئة من قيمة عجز الموازنة، في حين أن تداعياتها تؤدي إلى تخفيض الإنتاج المحلي وزيادة معدلات التضخم ومعها تجفيف القدرة الشرائية للسكان.
منصور حسين _ المدن