تشهد مهنة المحاماة في سوريا تراجعاً ملحوظاً، انعكس بشكل سلبي على أوضاع المحامين المعيشية، لتفقد هذه المهنة رونقها تدريجياً.
وعبّر عن ذلك بوضوح، حديث رئيس فرع دمشق لنقابة المحامين التابعة للنظام، عبد الحكيم السعدي عن اضطرار آلاف المحامين إلى العمل بتعقيب المعاملات والوثائق القانونية مثل جوازات السفر، مشدداً على عدم قبول النقابة بأن يتحول المحامي إلى معقب معاملات.
وأكد السعدي أن أكثر من 60 في المئة من إجمالي عدد المحامين يعيشون على الكفاف، وهناك نسبة بسيطة من المحامين وضعهم “يُعدّ جيداً”.
وساهمت جملة من العوامل في تراجع مهنة المحاماة في سوريا، في مقدمتها وفق تأكيد أمين سر نقابة المحامين الأحرار في حلب المحامي عبد العزيز درويش ارتفاع عدد المحامين قياساً على عدد السكان في مناطق النظام وفي سوريا عموماً.
ويشير في حديث لـ”المدن”، إلى انتشار شبكات السماسرة بشكل كبير في مناطق النظام، ما يعني أن معيار حصول المحامي على العمل، علاقاته ومعرفته بالقضاة والأجهزة الأمنية.
ويلفت درويش إلى الحالة الاقتصادية المتردية وحالة الفقر العامة التي يعيشها المجتمع السوري بشكل عام، وفي مناطق سيطرة النظام بشكل خاص، موضحاً أن “مستويات الفقر تحدّ من قدرة الأهالي على توكيل المحامين ودفع الأتعاب المالية لهم”.
من جهته، يرجع الكاتب والمحامي علاء رجب أسباب تدهور مهنة المحاماة إلى فساد سلك ومنظومة القضاء، بحيث تحولت المهنة إلى شكل من أشكال السمسرة أكثر من كونها مهنة مجتمعية.
ويوضح لـ”المدن”، أن كثيراً من أصحاب القضايا يتوجهون فوراً إلى القاضي المكلف بالنظر في القضية، دون الحاجة إلى توكيل محام، ف”إرضاء القاضي يجعل القضية رابحة”.
الأكثر من ذلك، أن “الدولة” كلها قائمة على الفساد بعيداً عن القانون”، ما يعني بحسب رجب، أن من الطبيعي أن تتراجع مهنة المحاماة التي يقوم جوهرها على تطبيق القانون.
لكن ما سبق لا يحجب الضوء عن العدد القليل من المحامين الذين تمكنوا من حصد أرباح خيالية لا سيما الذين تخصصوا في قضايا الإرهاب، وذلك على حساب أهالي المعتقلين في سجون ومعتقلات النظام، الذين يضطرون إلى دفع كل ما يملكون في سبيل الحصول على معلومة عن مصير ذويهم.
مكاتب المحاماة تتحول تجارية
ويبدو أن القرار الصادر في تشرين الأول/أكتوبر، عن وزارة المالية في حكومة النظام، الذي ينص على تحويل مكاتب المحامين إلى مكاتب تجارية بغضّ النظر عن مكانها والعقار الذي يشغله المحامي، قد أسهم في زيادة متاعب المحامين الاقتصادية.
وسابقاً كان النظام يستثني المهن التي تعتمد أعمالها على الجهد الشخصي أكثر من رأس المال من الحصول على الترخيص التجاري، ويترك انتسابهم إلى “غرف التجارة” اختيارياً.
لكن النظام يخطط لزيادة حصته من العائدات المالية من مكاتب المحاماة، إذ يتطلب تحويل المكاتب إلى تجارية استصدار السجل التجاري بعد دفع رسوم اشتراك سنوية وطوابع خاصة، وهو الأمر الذي تعتبره النقابة “قراراً غير منصف”، وتقول إن “ليس كل المحامين لديهم القدرة على افتتاح وترخيص المكاتب”.
وسبق وأن قال نقيب المحامين لدى النظام الفراس فراس أنه “من الظلم ومن غير المنطقي أن يتم اعتبار مهنة المحاماة تجارية علماً أنها مهنة بعيدة عن هذا المجال”.
وأضاف أن “الحكومة تنظر إلى المحامين على اعتبارهم من أصحاب الياقات البيضاء”.وعن ذلك، يقول المحامي علي رجب إن “مهنة المحاماة تُعتبر من المهن الفكرية المجتمعية، ومن غير اللائق تحويلها إلى مهنة تجارية، والواضح أن النظام يريد بهذا القرار زيادة حصته من الضرائب والرسوم”.
مصطفى محمد _ المدن