رغم ما تعانيه من عنف جسدي ونفسي من زوجها، تجد وعد محمد (15 عاماً) وهو اسم مستعار لفتاة قاصر من منطقة اللجاة بريف درعا الشرقي، نفسها مجبرة على تحمل زوجها على أمل أن تتغير تصرفاته بعد أن يصبح أباً.
تقول الفتاة إنها قبلت أن تتزوج منذ خمسة أشهر رغم صغر سنها، للتخلص من الواقع المعيشي السيء لعائلتها، حيث كانت تعمل منذ أن تركت الدراسة بالصف السادس في المشاريع الزراعية لمساعدة العائلة بالمصروف.
وعقد شيخ في منطقتها قرانهما، “زواج عرفي”، دون التمكن من تسجيله في المحكمة وذلك لأن الزوج متخلف عن الخدمة العسكرية الإلزامية في القوات الحكومية ويخشى ارتياد المؤسسات الحكومية خوفاً من سوقه إلى الخدمة.
ولكن بعد أسابيع فقط من الزواج، بدأ الزوج بتعنيفها وضربها ومعاشرتها بالإكراه، وبعد تكرار ذلك أكثر من مرة قررت القاصر طلب الطلاق بعد أن عادت لبيت عائلتها.
ولكن اكتشافها بأنها حامل بجنين في الشهر الأول ورفض والدتها مساعدتها على الإجهاض، أجبرها على العودة مرة ثانية إلى بيت الزوج.
وفي درعا، كما جميع المناطق السورية، تتزوج فتيات وهن قاصرات، ما يضعهن أمام أعباء تفوق قدرتهن الجسدية والنفسية.
وقبل الحرب، كانت نسبة زواج القاصرات في سوريا لا تتجاوز ثلاثة بالمئة، لترتفع خلال سنوات الحرب إلى 13بالمئة، وأغلبها وفق عقود عرفية، وذلك بحسب القاضي الشرعي الأول في دمشق محمود المعراوي، في تصريح لصحيفة “الوطن” شبه الرسمية عام 2019.
زواج خارج عن القانون
وبحسب عبد الله الحرير، وهو اسم مستعار لمحامٍ في مدينة درعا، فإن زواج القاصرات يتم في معظمه خارج المحاكم المختصة.
ويشير إلى أن عقد الزواج في حالات زواج القاصرات يتم بكتاب عرفي كما يسمى في المجتمع السوري.
ويتم تثبيت الزواج غالباً بعد أن تضع القاصر مولودها الأول، “حيث يتم وضع القاضي تحت الأمر الواقع ولا يستطيع أن يرفض تثبيت عقد الزواج”، بحسب المحامي.
لوبالنسبة للعقوبات التي وردت في القانون السوري، فإن قانون العقوبات وتعديلاته في المادة 469، تقول: “يعاقب بالحبس من شهر لستة أشهر وغرامة من خمسين إلى مئة ألف ليرة كل من يعقد زواج قاصر بكر خارج المحكمة المختصة من دون موافقة من له الولاية على القاصر”.
كما ويعاقب بالغرامة من خمسة وعشرين ألف ليرة إلى خمسين ألف ليرة كل من يعقد زواج قاصر خارج المحكمة المختصة إذا تم عقد الزواج بموافقة الولي .
ولكن بسبب وجود بعض الثغرات في القانون السوري يتم تثبيت الزواج للقاصرات، حيث إذا حضرت فتاة تحت السن القانوني للزواج، إلى القاضي الشرعي برفقة والدها، ونظر القاضي بأنها مناسبة للزواج ولديها الأهلية الجسدية والجنسية يتم الموافقة على تزويجها.
وبحسب محاميين وخبراء قانون فإن تطبيق القانون على أرض الواقع “قليل جداً”، وكثير من الدعاوى تسقط بالتقادم وعدد قليل جداً من حالات زواج القاصرات يتم الإبلاغ عنها ومتابعتها ضمن المحاكم السورية.
مخاطر
وتحذر الأخصائية النفسية التربوية رشا النوري، في محافظة اللاذقية، من الأضرار الناجمة عن زواج القاصرات، حيث تنفصل الفتاة القاصر عن زميلاتها في المدرسة، كما أنها تتأخر معرفياً عنهم بسبب تركها مقاعد الدراسة، إلى جانب تعرضها للاستغلال والعنف المنزلي.
وتؤدي المشاكل الأسرية للفتيات اللواتي يتزوجن مبكراً إلى الشعور بعدم الاستقرار مع زيادة التوتر والقلق بينهن وبين الزوج، ويمكن أن تصاب بعض القاصرات بالاكتئاب، بحسب “النوري”.
وتلفت الأخصائية النفسية إلى احتمالية إصابة الفتاة بالأمراض النفسية بسبب إجبارها على ممارسة العلاقة الحميمية، فضلاً عن المشاكل الصحية التي تواجها أثناء الحمل والولادة.
وتبدأ الإجراءات للحد من هذه الظاهرة في تقديم الدعم للفتيات المتزوجات مبكراً، عن طريق مراكز الدعم والاستشارات النفسية والزوجية وتوفير تعليم وعمل لها وتوعية لتنظيم النسل، بحسب “النوري”.
وتعتقد “النوري” أن “القانون غير كاف للحد من زواج القاصرات ويجب أن يكون هناك مادة في القانون الجنائي تجرمه”.
طفلة تربي طفلة
وفي بلدة المسيفرة بريف درعا الشرقي، تعمل أمل الزعبي (17 عاماً) وهو اسم مستعار لفتاة، في المشاريع الزراعية لتأمين مصروف طفلتها رغم ما تعانيه من مشاكل صحية.
وتقول، إنها مضطرة للعمل لأن عائلتها كبيرة ولا تستطيع أن تحملهم عبء طفلتها فوق عبئهم.
وقبل ثلاث سنوات تزوجت “الزعبي” عرفياً عن طريق شيخ، وبعد ولادة طفلتها تم تثبيت الزواج في المحكمة.
وتقول إن عائلتها أقنعتها بفكرة الزواج حينها، وأن المتقدم مناسب لها وستتخلص من الظروف المعيشية القاسية التي تعاني منها العائلة، “اقتنعت حينها لكني لم أكن أعرف معنى الزواج ومسؤولياته”.
وتوفي الزوج بعد أشهر، بينما كانت “الزعبي” حامل، لتجد نفسها أمام مسؤولية أكبر من عمرها بكثير، حيث عليها أن تؤدي دور الأم والأب لطفلتها وهي في الخامسة عشر من عمرها.
تشير “الزعبي ” التي تعيش حالياً مع والديها وأخوتها الصغار، إلى أنه بعد وفاة زوجها بدأت تعاني من المجتمع ونظرته للمرأة الأرملة، “أصبحت أفضل الانعزال حتى أسلم من ألسنتهم ومن عيون الطامعين بي وكأني أصبحت محط أطماعهم”.
وتلفت النظر إلى أنه بعد ولادتها بفترة قصيرة بدأت معاناتها الجسدية مع المرض نظراً لضعف بنيتها الجسدية “ولما عانيت منه من مشاكل صحية أثناء الحمل”.
وتؤكد أن زواجها بهذا العمر كان “دماراً نفسياً وجسدياً لها”.
وتضيف: “لا طاقة لي اليوم لمواجهة مشاكلي الصحية ولا لمواجهة المجتمع الذي يحاربني ليضعني بين خيارين أحلاهما مر، وهما إما التخلي عن ابنتي والقبول بالزواج أو التمسك بابنتي والتخلي عن فكرة الزواج متحملة كل ضغوطاتهم”.
المعاناة لا تختلف كثيراً لدى ليلى خالد (14 عاماً) وهو اسم مستعار لفتاة من ريف درعا الشرقي، إذ تقول إنها صَدَمت الأطباء أثناء حملها وولادتها وهي تبلغ من العمر 13 عاماً.
وفجعت “خالد” بطفلها بعد أشهر من ولادته، وأصبحت ثكلى وذاقت ألم فقدان “الضنا” وهي في هذا العمر، ليقوم الزوج بعد ذلك بطلاقها، فذاقت أيضاً ألم الطلاق في وقت من المفترض أن تكون فيه على مقاعد الدراسة.
إحسان محمد وسوزدار محمد _ نورث برس