خلال السنوات العشر الأخيرة في سوريا، اعتمد رئيس النظام السوري، بشار الأسد، على حلفائه، روسيا وإيران و”حزب الله” اللبناني، في إعادة سيطرته العسكرية على مناطق فصائل المعارضة المسلحة.
ومنذ مطلع عام 2012، بدأت ميليشيات محلية وأجنبية تابعة لإيران بدعم قوات النظام في مواجهاتها ضد الفصائل والمجموعات التي شُكّلت في المدن والبلدات السورية لمقاومة قمع السلطة، واحتفظت هذه الميليشيات بحضور قوي داخل الأراضي السورية، وتعمقت ضمن أجهزة أمنية وعسكرية تابعة للنظام بمختلف المستويات والأشكال.
وبجانب خريطة النفوذ الإيراني الأمنية والعسكرية في سوريا، أُسّست عدة مشاريع اقتصادية تتبع بشكل مباشر أو غير مباشر للنفوذ الإيراني، فضلًا عن تمدد طهران الثقافي والمذهبي ضمن مدن سورية عدة.
وفي الوقت الذي يعيد الأسد فيه ترتيب نفوذه الأمني والسياسي داخل سوريا أمام حضور النفوذ الإيراني، تناقش دراسة بحثية أصدرها معهد “واشنطن للدراسات” إمكانية مساعدة روسيا النظام السوري لإبعاد طهران من الساحة السورية من أجل ترسيخ مصالحها الخاصة، وفق ما تأمله إسرائيل.
في 9 من كانون الأول الحالي، جدد وزير الدفاع الإسرائيلي، بيني غانتس، تأكيد بلاده أن إيران لا تزال “تشكّل تهديدًا للسلام والاستقرار العالميين”.
وكان ذلك خلال لقاء جمع غانتس مع وزير الخارجية الأمريكي، أنتوني بلينكن، في العاصمة واشنطن.
ضربات إسرائيلية بالتنسيق مع موسكو
يعتقد المسؤولون الإسرائيليون أن بإمكان روسيا المساعدة على ردع النفوذ الإيراني في سوريا من خلال الحد من القوات التي تنشرها طهران في سوريا.
تصريحات مستشار الأمن القومي الإسرائيلي السابق، مائير بن شبات، تدعم هذا الاعتقاد، إذ قال، إن “وجهة نظر مشتركة بيننا وبين الروس (…) الروس يسعون للاستقرار الإقليمي، لا سيما في سوريا. أعتقد أنهم سيوافقون على أن إيران هي القوة التي تتحدى هذا الاستقرار”.
ووفق الدراسة التي أعدتها الباحثة آنا بورشيفسكايا، ينبع هذا الاعتقاد من تدخّل موسكو في سوريا في أيلول عام 2015.
وبمجرد دخول روسيا مسرح الأحداث السورية بشكل مباشر، سيطرت موسكو على الأجواء السورية، وكان على “جيش الدفاع” الإسرائيلي في كثير من الأحيان، التحذير إذا لم يطلب إذنًا من روسيا لشن غارات جوية ضد أهداف عسكرية تدعمها إيران في سوريا.
وبحسب الدراسة، فسّر المسؤولون الإسرائيليون استعداد روسيا للسماح بمثل هذه الضربات على أنها إشارة إلى أن موسكو تفضّل مخاوف إسرائيل على مصالح طهران في سوريا.
اقرأ أيضًا: ماذا حققت موسكو بعد خمس سنوات من تدخلها العسكري في سوريا
ومع ذلك، قد يكون المسؤولون الإسرائيليون قد أساؤوا فهم دوافع موسكو، وفق ما تراه الباحثة، التي تفترض بالمقابل أن قبول موسكو للضربات الإسرائيلية ليس من منطلق التعاطف، بل لأن لديها مصلحة حقيقية في ضمان ألا يصبح أي لاعب في سوريا قويًا بما يكفي لتحدي روسيا، وبذلك فإن الضربات الإسرائيلية المتكررة مفيدة ببساطة في كبح جماح الطموحات الإيرانية.
وكررت إسرائيل قصفها مواقع ضمن الأراضي السورية، وسط عجز الدفاعات الجوية السورية عن الاعتراض أو الرد أو إيقاف الصواريخ والقذائف، التي استهدفت نقاطًا وقواعد عسكرية للنظام و”حزب الله” و”الحرس الثوري الإيراني” والميليشيات المحلية والأجنبية التابعة لإيران.
ويعلن النظام السوري مع كل استهداف تصديه للهجمات عبر المضادات الأرضية، إلا أن صور الأقمار الصناعية تظهر دمارًا في بعض مواقع النظام العسكرية ومنشآت البحوث العلمية بعد الاستهداف.
اقرأ أيضًا: دراسة ترصد التمدد الإيراني في سوريا بين عامي 2013 و2020
وبدأت العمليات الإسرائيلية في سوريا في كانون الثاني 2013، عندما قصفت طائراتها قافلة زُعم أنها كانت تحمل أسلحة من سوريا إلى مقاتلي “حزب الله”، بحسب تقرير صادر عن موقع “الحروب الجوية” (Airwars) البريطاني، ومنذ ذلك التاريخ، نفذت إسرائيل مئات الضربات المعلَنة وغير المعلَنة ضد الجماعات المسلحة المرتبطة بإيران.
مؤشرات معدومة
وبحسب الدراسة البحثية الصادرة عن معهد “واشنطن”، تنعدم المؤشرات لدى موسكو في رغبة الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، في الحد من تمدد نفوذ إيران في سوريا.
وانعدام هذه المؤشرات ترتكز على عدم إبداء بوتين أي نية علنية لتحدي التمدد الإيراني في سوريا، كما يميل المحللون الروس المقربون من “الكرملين” إلى التحدث بإعجاب واحترام عن إيران والحضارة الفارسية، بحسب البحث، وهو موقف لا يمتد إلى بقية دول المنطقة العربية.
واعتمد التدخل الروسي بأكمله في سوريا على قيام إيران بالمهمة الثقيلة عسكريًا على الأرض، وهذا عنصر رئيس في كيفية إبقاء بوتين التدخل الروسي محدودًا وغير مكلف في دعمه للأسد، وفق الدراسة.
ترى الباحثة آنا بورشيفسكايا، أن الأمل في أن تظهر الخلافات بين روسيا وإيران بمزيد من الوضوح مع انتهاء النزاع المسلح في سوريا هو في غير محله، ويعكس التمني أكثر من الواقع، إذ تُظهر سياسة بوتين في إدارة الملف السوري مرارًا وتكرارًا أنه يفضّل الفصل والعمل مع جميع الجهات الفاعلة في سوريا، حتى عندما تكون لديها مصالح متضاربة، وتستند الباحثة في هذا الاستنباط إلى حالة علاقة روسيا بتركيا بتوافق مصالحها في سوريا بجانب وتضاربه بجانب آخر.
خارطة النفوذ الإيراني العميقة في سوريا تدل على أن الأسد لا يدين لبوتين فحسب، بل لطهران أيضًا ببقائه في السلطة، في الوقت الذي لا يملك بوتين آلية لفصل إيران عن سوريا بطريقة تحدث فرقًا حقيقيًا لتغيير الأحداث.
ومن المرجح، من وجهة نظر الباحثة، أن يميل الأسد إلى إبقاء المشاركة الروسية في سوريا محدودة ومقتصرة على المصالح الضيقة لـ”الكرملين”، مع استمرار لوجود إيراني قد لا تراه إسرائيل مناسبًا لمصالحها.
المصدر: عنب بلدي