بدأ قطار التطبيع العربي مع نظام الأسد السير بتسارع ملحوظ، والتقديرات أن المرحلة المقبلة ستشهد مزيداً من التحرّكات في هذا المسار، والذريعة العربية، المرفوعة هنا، ليس حبّاً ببشار الأسد، بل لتدعيم ركائز النظام العربي في مواجهة محاولات اختراقه من دول الجوار، مع أن هذا النظام معطّل منذ تم إنشاؤه، والغريب أن محاولات تفعيله سيكون وقودها دماء السوريين التي هُدرت أو ستهدر لاحقاً.
لا يستطيع أحد منع أي طرف يريد استعادة تواصله مع نظام الأسد، فالعلاقة بين الوحدات السياسية غالباً ما تكون محكومةً بتقديرات صناع القرار لمصالح بلادهم، والفرص التي من الممكن الحصول عليها من إعادة العلاقات والمخاطر المترتبة على إبقاء العلاقات مقطوعة، وهذه في الغالب يتم تقديرها حسب زاوية النظر التي تتم من خلالها رؤية القضية التي على أساسها يتم حساب الأرباح والخسائر في هذه العملية.ولأن الموضوع خارج قدرات الآخرين، ومنهم الشعب السوري، في التأثير على قرارات أولئك الذين حزموا أمرهم على زيارة دمشق، لن يسع السوريين سوى تقديم استشارة، قد لا تكون ضرورية، ولكنها فقط للتذكير، المقصود منها تقديم خريطة طريق للذاهبين إلى دمشق، علّها تجنبهم صدمة ما قد يواجهونه في دمشق.
أولاً: لا تستغربوا أنكم لن تجدوا أثرا لرائحة الياسمين في دمشق، فكل ياسمين دمشق جرى قطعه، لوضعه على قبور الذين قتلتهم عصابة الأسد، لذا ستشمّون رائحة الدم في كل زاوية وركن فلا تتفاجأوا.
ثانيا: لن تجدوا صدى لأشعار نزار قباني، فالعصابة تمنع هذا النوع من الكلام من التداول، لأنه قد يزيد من شجن الناس وغضبهم على دمشق المغدورة التي بدّلت الياسمين باللطميات والسواد في شوارعها وباتت إحدى علاماتها المميزة.
ثالثاً: ستقابلون هناك أعداء دمشق، أولئك الذين لديهم خيار دائم يتمثل في تدميرها إذا شعروا بأن السلطة ستخرج من أيديهم. هذا أسهل الخيارات، على مدار خمسة عقود من الحكم، لم يجهزوا سوى هذا الخيار، صنعوا له هياكل وأطرا، معسكراتٍ تزنّر دمشق، دبابات وطائرات جاهزة لتنفيذ هذا الخيار، وجيوشاً تتكوّن من الحرس الجمهوري والفرقة الرابعة والأجهزة الأمنية العديدة، وجلبوا مليشيات إيران احتياطا كي تساعدهم على إنجاز هذه المهمة على أكمل وجه.
رابعاً: اعلموا أن سورية فقدت نصف سكانها بين قتيل ومخفي وهارب إلى اللجوء، والنصف الآخر يحلم بالرحيل غداً، بل يعيش النصف الآخر بلا روح، بعدما داستها العصابة ومزّقتها، رعباً تارّة، وإذلالاً دائماً جرياً وراء لقمة الخبز.
خامساً: ثمّة مناطق وشوارع لا ننصحكم بالمرور بها، وهي في الغالب غالبية شوارع المدينة، حيث تنتشر أجهزة أمن العصابة، فهناك ما زالت السوريات يغتصبن، ولا يحبذ أن تصل صرخات ألمهن إلى مسامعكم، حتى لا يقال، “لا سمح الله”، إنكم شركاء في هذه الجريمة القذرة. وهناك أيضا يجري في كل ساعة قتل سجين وربما أكثر، ويجري أيضاً تشليح عائلاتٍ باعت أرزاقها لتخليص أبنائها الذين اعتقلتهم أجهزة العصابة، لا لذنبٍ ارتكبوه، فقط ليدفع أهلهم الفدية لإخراجهم.
سادساً: بقدر ما سيشعر زعيم العصابة هناك بالفخر، لأنه استطاع إخضاعكم وجلبكم إلى دمشق، سيشعر ملايين السوريين، في دمشق وغيرها، بالحزن. سيقولون إنه لولا ضغط أميركا لتقاطر العرب بالدور على أبواب قصر رئيس العصابة فوق جبل قاسيون. سيتساءلون: هل نهر الدماء الذي سال من أجساد أبنائنا غير كافٍ لإقناع العرب بنبذ الأزعر؟
سابعاً: لا تستغربوا، غداً أو بعده، ستخرج منابر إيران الناطقة بالعربية في بيروت، بعناوين من نوع “المهرولون إلى دمشق”، وستفيض المتون بلغة الشماتة والفخر بالنصر المتحقّق عليكم، وستنضم لهم جوقة صحافيي إيران في عمّان ورام الله، سيصفونكم بـ”المهزومين” الذين جاؤوا يسترضون زعيم العصابة في دمشق، وسيقولون إن “سورية الأسد” لا تذهب إلى الآخرين، عليهم أن يأتوا إلى دمشق لإبداء الأسف راكعين.هل معهم حقٌّ في ذلك؟ لا نستطيع مجادلتهم، أنتم قلتم إنكم تريدون هزيمة إيران في سورية والانتصار للشعب السوري، وقلتم أيضاً إن على العالم أن يتحرّك لوقف المذبحة الجارية أمام أنظاره، فما الذي تغيّر اليوم؟ لا المذبحة توقفت، فقط هي تجري بالخفاء وبعيداً عن أعين الكاميرات، ولا نفوذ إيران سيتراجع بعودتكم لنظام الأسد، ولن يتراجع ما لم تتم إزالة الأسد وعصابته.
ثامناً: اعلموا، أيها الذاهبون إلى دمشق، أن زعيم العصابة هناك لن يراكم سوى أكياس أموال متحرّكة، وتذكّروا أن ما قاله إعلامه في أثناء مقاطعتكم له، من وصفكم بالعربان وأنصاف الرجال وشاربي البول، لم يكن نتيجة نزق، بل كان يقول ما تؤمن به هذه العصابة وكيف تنظر لكم، دعكم مما سيقوله لكم في أثناء الاجتماع عن الأخوة العربية وضرورة توحيد الصف العربي، حيث سيضحك كثيراً، هو ومستشاروه، بعد مغادرتكم الاجتماع، على هذه الفانتازيا التي صدرت منه، وسيزيد في الضحك كيف اقتنعتم ببساطة بهذه الفانتازيا.
تاسعاً: لا تسلّموا بأيديكم على كل من يقابلكم من أفراد العصابة، كلهم أيديهم ملوثة بالدماء، لا أبرياء بينهم، أسماؤهم معروفة ومعروضة على شبكات التواصل الاجتماعي.
عاشراً: أيها الذاهبون إلى دمشق، سلّموا لنا على وطنٍ بات للإيراني والروسي أكثر مما هو لأبنائه. أخبروه، ولو همساً، بأننا، وكما قال الفلسطينيون قبلنا، لن ننسى دار أهلنا، كما لن ننسى جروحنا ودماءنا وشواهد قبور أحبتنا.
غازي دحمان _ العربي الجديد