خدمات دور ضيافة مرضى السرطان القادمين من سوريا بين الواقع والمأمول 

غصون أبوالذهب _ syria press_ أنباء سوريا

تستقبل دور الإيواء المعدودة ومحدودة الإمكانيات في تركيا، مرضى السرطان السوريين عند تحويلهم من الشمال السوري حسب طاقتها الاستيعابية والموارد المتوفرة لديها، وتوفّر لهم الإقامة، وخدمات الرعاية الصحية والاجتماعية، وتساهم في تخفيف الأعباء الصحية والاقتصادية عن المرضى.

وصلت “أم أحمد” من مدينة إدلب إلى تركيا لتلقي العلاج من مرض السرطان، وأقامت في أحد دور الإيواء التي تحفّظت على ذكر أسمها، ووصفت الخدمات والرعاية التي تقدمها الدار بالمحدودة، وتفتقر إلى تأمين الراحة المُثلى للمرضى، وتعزو ذلك إلى الأعداد الكبيرة للمرضى.

 وأوضحت المريضة أن وثيقة العلاج السياحية الممنوحة لها من قبل السلطات التركية لا تغطي كامل نفقات العلاج في المشافي الحكومية، واكتشفت أنها بحاجة إلى مصاريف إقامة وتنقل وطعام وأدوية باهظة الثمن تعجز عن تأمينها، ما وضع على كاهلها وعائلتها أعباء جمة، أثّرت سلباً على صحتها الجسدية والنفسية.

 يشير المنسق العام لجمعية الأمل لمكافحة السرطان الدكتور “غياث مارتيني”، أن التأمين الصحي يغطي بموجب وثيقة العلاج السياحية الممنوحة للمرضى السوريين على نفقة الاتحاد الأوربي، الإقامةَ في المشفى والتحاليل الأولية، والتصوير، والعلاج الكيمائي، أما الوصفات الطبية غير المتوفرة في المشافي فلا مناص من شرائها على حساب المريض الخاص، ومنها أدوية رفع المناعة المعروفة بثمنها الباهظ، وأحياناً تناهز قيمة الوصفة الطبية الواحدة الأربعين ألف ليرة تركية.

معاناة مرضى السرطان

تخضع “كوكب” 40 عاماً إلى العلاج من سرطان الثدي، منذ عام تقريباً في مشفى الجامعة بولاية غازي عنتاب، تقول لـ “سيريا برس”، دخلتُ إلى تركيا بهدف العلاج، وحصلت على “إحالة طبية”، وكلما انتهت فترة علاج أضطر للسفر لتجديدها من مكان إصدارها في أنطاكيا، كل عشرين يوماً بمعدل تقريبي، متكبّدة بجسدي المنهك مشقّة السفر، ومصاريف المواصلات.

عمّا سبق يوضح الدكتور “مارتيني”، أن المريض السوري يدخل من المعبر الى مدينة أنطاكيا، ويتم تحويله إلى المشفى المختص في مدينتي غازي عنتاب أو أضنة -حيث تحوّل معظم الحالات إلى هناك في الوقت الراهن- ويمنح إحالة طبية مدتها خمسة أيام، يدخل خلالها إلى المشفى، وبعدها إذا طلب منه الطبيب استشارة طبية أخرى، يضطر المريض للعودة إلى أنطاكيا للحصول على إحالة جديدة.

ويلفت الدكتور “مارتيني” إلى أن جمعية الأمل تتكفل بنقل مرضاها لاستصدار إحالات طبية جديدة بسيارة المركز، ويوضح أنه بسبب الأعداد الكبيرة للمرضى قد يضطرون أحياناً للذهاب على حسابهم الخاص بالمواصلات العامة إلى أنطاكيا ما يشكل أعباء مادية وجسدية عليهم.

يضيف المنسق العام للجمعية، إلى أن علاج مرضى السرطان يحتاج إلى فترات علاجية طويلة وهذا يتنافى مع مدة وثيقة العلاج السياحية الممنوحة للمرضى المحالين من الداخل السوري الممتدة إلى ثلاثة أشهر فقط، ما يضطر المريض إلى عبور الحدود وتجديد الوثيقة بشكل دوري.

مرافقو مرضى السرطان

دخلت “فاطمة” 54 عاماً منذ أشهر للعلاج في تركيا، وطالت مدة علاجها حسب وصفها وأنهكها الشوق لعائلاتها وقالت بحرقة في حديثها مع سيريا برس، اشتقت لأولادي وأحفادي وأخاف أن أموت وحيدة، لولا ضغط زوجي وأبنائي لمواصلة العلاج كنت رجعت إلى منزلي منذ عدة أشهر، ربما لن يقتلني السرطان ولكني سأموت من الغربة والبعد عنهم.

تمنع السلطات التركية في الوقت الراهن، دخول مرافقي المرضى الذين تزيد أعمارهم عن عشر سنوات إلى أراضيها، وفق الدكتور “مارتيني”، الذي أشار إلى مريض شاب لم يتجاوز18 عاماً، تعرّض لانتكاسة صحية وهو حالياً في العناية المشددة، وطلبت الدكتورة المعالجة دخول أحد من ذوي المريض إلى مدينة أضنة للضرورة، ورغم إرسال المشفى كتاباً رسمياً إلى مكتب والي المنطقة منذ أسبوع لم تتم الموافقة على دخول أحد من عائلته إلى الآن. 

مركز جمعية الأمل

تأسست جمعية الأمل عام 2005 في سوريا، وبسبب ظروف الحرب انتقلت إلى تركيا عام 2013، واستضافت الجمعية وفق الدكتور “مارتيني” خلال عام 2014، أكثر من عشرة آلاف وخمسمئة مريض، وتجاوزت عدد الخدمات المقدمة للمرضى النصف مليون خدمة، بين طعام وإقامة ومواصلات وأدوية وتحاليل وتصوير، وتستقبل مراكز الإيواء المرضى ومرافقيهم حسب الطاقة الاستيعابية لكل مركز، حيث يستقبل مركز عنتاب 80 شخصاً موزعين على مبنيين واحد للنساء وآخر للرجال.

ويتسع مركز مدينة أضنة لـ 160 مريضاً، بينما يستقبل مركز أنقرة المرضى الذين يحتاجون إلى جراحات كبرى وزراعة نقي العظام بطاقة استيعابية 200 مريض، ويقتصر مركز إسطنبول على تقديم خدمات الدعم اللوجستي فيما يتعلق بمتابعة المريض في المشافي، والترجمة، والأمور القانونية، وتأمين بعض الأدوية التي لا يغطيها التأمين الصحي.

وتقدم جمعية الأمل لمرضى السرطان بحسب منسقها العام، خدمات عديدة بداية من متابعة المريض من الداخل السوري إلى وصوله إلى تركيا، وعمل الإجراءات اللازمة حتى إحالة المريض إلى المشفى المختص، وتستقبل الجمعية المريض ومرافقه في مركز الجمعية بحسب الولاية المحوَّل إليها.

 ووفق الدكتور “مارتيني” تحتوي دور إيواء المرضى، على أسِرّة مجهزة وخزانة لوازم شخصية، ومستلزمات الاستحمام ودورات المياه والتعقيم، إضافة إلى نشرات التغذية المطلوبة لمرضى السرطان، وتعليمات تتعلق بمواعيد الطعام اليومي، ومواعيد انطلاق سيارات المراكز إلى المشافي وأماكن وقوفها ومواعيد عودتها، وكذلك التعليمات المتعلقة بالحالات الإسعافية الطارئة.

كذلك تقوم الجمعية بمتابعة المريض بنقله إلى المشفى لفتح الملف الطبي ومتابعته في الأقسام المختلفة، (المعاينة والتحاليل والتصوير والجرعات) وإعادته إلى مركز الجمعية، مع توفير خدمة الترجمة وهي إحدى أكبر العوائق أمام المريض إضافة إلى أعباء الغربة والمرض وضعف الإمكانات المادية لدى المريض وذويه، كما تقوم جمعية الأمل بصرف الوصفات الطبية غير المشمولة بالتأمين الصحي، وفي حالات الوفاة لا سمح الله، تتابع الجمعية إجراءات التخريج والطبابة الشرعية ونقل الجثمان إلى المعبر لتسليمه إلى ذويه.

ولدى الجمعية أربع عيادات متنقلة في الداخل السوري، تتنقّل شهرياً من منطقة لأخرى فيها أطباء داخلية ونسائية ومخابر تحاليل، وفيها عيادة للكشف المبكر عن السرطان، وبعد أيام سيتم افتتاح العيادة المتنقلة الخامسة المختصة بأمراض العيون، وتعالج هذه العيادات الكثير من الحالات الطبية التي لا تستدعي التحويل إلى الخارج.

كفلت المواثيق والعهود الدولية حق الإنسان في تلقي العلاج، حيث تنص “المادة 25” من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان على أن: “لكل شخص حق في مستوى معيشة يكفي لضمان الصحة والرفاهية له ولأسرته، وخاصة على صعيد المأكل والملبس والمسكن والعناية الطبية…”، ويقتضي الحق في الصحة أن تكون المَرافق والسلع والخدمات الصحية متوفرة بالكميات الكافية، ومتاحة للجميع دون تمييز بأسعار معقولة، وتحترم أخلاقيات مهنة الطب، ومناسبة علميًا وطبيًا، وعالية الجودة.

يحتاج مرضى السرطان المحالين من الداخل السوري، إلى تضافُر جهود منظمات المجتمع المدني العاملة في القطاع الصحي، لتأمين دور إيواء للمرضى وتقديم خدمات ورعاية طبية طويلة الأمد، والعمل على تذليل المصاعب ومعاناة المرضى مادياً ومعنوياً، والضغط على أصحاب القرار لتقديم تسهيلات لدخول المرضى إلى الأراضي التركية لتلقي العلاج، والتخفيف من وطأة إجراءات الإحالات الطبية، والعمل على تأمين كافة مستلزمات العلاج بالمجان.

غصون أبو الذهب _ syria press_ أنباء سوريا

تم إنتاج هذه المادة الصحفية بدعم من “JHR” صحفيون من أجل حقوق الإنسان.

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

آخر الأخبار

سوريّات في فخ “تطبيقات البث المباشر”..بين دعارة إلكترونية واتجار بالبشر

يستقصي هذا التحقيق تفشي “تطبيقات البث المباشر” داخل سوريا، ووقوع العديد من الفتيات في فخ تلك التطبيقات، ليجدن أنفسهن يمارسن شكلاً من أشكال “الدعارة...

ابتزاز واغتصابٌ وتعذيب.. سوريون محاصرون في مراكز الاحتجاز اللّيبية

يستقصي هذا التحقيق أحوال المحتجزين السوريين في ليبيا خلافاً للقانون الدولي، وانتهاكات حقوق الإنسان داخل مراكز احتجاز المهاجرين، وخاصة تلك التي تتبع “جهاز دعم...
ماروتا سيتي دمشق

كعكةُ “ماروتا سيتي” بمليارات الدولارات

آلاف الأسر تتسوّل حقّها بـ"السكن البديل" على أبواب "محافظة دمشق" يستقصي التحقيق أحوال سكان منطقة المزة – بساتين الرازي في دمشق، بعد تهجيرهم من بيوتهم...
جمعية الأمل لمكافحة السرطان

معاناة اللاجئات السوريات المصابات بمرض السرطان في تركيا

تصطدم مريضات السرطان من اللاجئات السوريات في تركيا بحواجز تمنعهن من تلقي العلاج على الوجه الأمثل، بداية من أوضاعهن الاقتصادية الصعبة والاختلاف في أحقية...

خدمات المساعدة القانونية المجانية للاجئين السوريين في تركيا

غصون أبوالذهب _ syria press_ أنباء سوريا الجهل بالحقوق القانونية للاجئين السوريين في تركيا يقف حجر عثرة أمام ممارسة حقهم بالوصول إلى العدالة، ويمنعهم...

الأكثر قراءة