أتت محاولة وزير التموين السوري، عمرو سالم، لامتصاص نقمة الجمهور حيال الموجة الجديدة لرفع أسعار حوامل الطاقة، بنتائج عكسية. إذ استفزت المواطنين تصريحاته عن معاناته الشخصية، في محاولة مبتذلة منه للإيهام بأنه يشارك السوريين معاناتهم العامة. وجاءت تعليقات الجمهور على الصفحات “الفيسبوكية” الموالية، لتعكس تفاعلهم السلبي مع محاولاته لتبرير رفع سعر الغاز المنزلي، الذي شكّل الضربة الثانية بعد رفع سعر الكهرباء، خلال يومين فقط.
فالوزير الذي قال إنه عجز عن النوم ليلة صدور قرار رفع الأسعار، وأشار إلى أنه ينتظر، كحال باقي السوريين، وصول رسالة البطاقة الذكية للحصول على جرة الغاز الخاصة به، منذ 100 يوم، لم يقنع جمهور المتابعين والمعلقين، في تبرير هذه القفزة في سعر واحدٍ من أبرز حوامل الطاقة المؤثرة في معيشتهم. فرفع سعر أسطوانة الغاز المنزلي المدعوم بنسبة 130%، لن يكون كافياً لتوفيرها عبر المنافذ الرسمية، من دون تأخير، حسبما توحي تصريحات الوزير ذاته، الذي قال إن البلاد بحاجة لـ 5 آلاف طن من الغاز السائل يومياً لسد الحاجة، وهذه الكمية لا تتوفر لدى وزارة النفط.
هذا التصريح أيضاً، أثار استياء المعلقين، الذين تساؤلوا، كيف يتوافر الغاز بالسوق السوداء، لمن يريد أن يدفع؟! يستبق الوزير هذا السؤال، بجواب أكثر إثارةً للاستفزاز، إذ يقول إن كل ما يتوافر في السوق السوداء من محروقات، مسروق من المؤسسات الحكومية، وأن دوريات التموين بصدد شن حملة للحد من تسريب المحروقات من المنشآت الحكومية المعنية إلى تجار السوق السوداء. فهل يوجد سوريّ عاقل، يستطيع الرهان على قدرة دوريات التموين -المعروفة بفساد عناصرها- على ضبط حالة التسريب تلك!
وفيما كان وزير التموين كبش فداء، نتيجة ميله الدائم للظهور الإعلامي والتواصل الافتراضي مع الجمهور، رمى وزير الكهرباء قنبلته عبر الإعلام الموالي، وتوارى، بعد أن قلل من أثر حصّة سوريا المنتظرة من الكهرباء التي ستمر من الأردن إلى لبنان، واصفاً إياها بأنها “نسبة ضئيلة”، مُبشراً السوريين بشتاء “لن يكن سهلاً”، مما يعني أن عليهم ترقب انقطاعات كبيرة للكهرباء، ستحرمهم من فرصة التدفئة باستخدام هذا الصنف من الطاقة، فيما تحلق أسعار مواد التدفئة الأخرى من مازوت وغاز وحطب.
لكن وزير الكهرباء طمأن السوريين، أن من سينجو منهم من شتاء 2022، قد يحصل على فرصة الدفء باستخدام الكهرباء في العام 2023، مطلقاً وعداً ثقيل الوطأة، بأن الوضع الكهربائي في البلاد سيعود حينها إلى ما كان عليه قبل العام 2011.
لكن ماذا بخصوص ما ينتظر السوريين في الفترة القريبة المقبلة؟ رفع الكهرباء بنسب تتراوح بين 100% و800%، بالتزامن مع رفع سعر الغاز الصناعي المدعوم وصولاً إلى أكثر من 300%، يسمح لنا بالرهان على إجابة مرجحة. دوامة جديدة من ارتفاع الأسعار، قد تصل إلى حالة ركود تضخمي في الأسواق، نتيجة انهيار جديد في القدرة الشرائية للسوريّ.
ولتهدئة خواطر السوريين، بدأ الإعلام الموالي يتحدث عن بوادر رفع للرواتب. وقد ألمح مسؤولون حكوميون، بصورة غير مباشرة، لذلك الاحتمال، حينما تحدثوا عن أن إعادة توزيع الدعم سيسهم في تحسين الرواتب، من دون أن يؤكدوا نيّة رفع الرواتب، بشكل حاسم.
وقد أشار وزير التموين، في خضم تصريحاته المستفزة الكثيرة، يوم الأربعاء، إلى نيّة حكومته استبعاد نصف مليون سوريّ من الدعم، نظراً لكونهم محسوبين على شرائح تملك المال –حسب وصف الوزير- وتشمل التجار والأطباء والمحامين. وأن ذلك الإجراء سينعكس إيجاباً على الشرائح المستحقة.أمام ما سبق، قد نكون مقبلين على سيناريو شبيه بذاك الذي حدث في منتصف تموز/يوليو الفائت، حينما أصدرت حكومة النظام سلسلة من قرارات رفع الأسعار، شملت السكر والرز المدعوم، والبنزين والمازوت، وكذلك الخبز، قبل أن يصدر رأس النظام، بشار الأسد، قراراً برفع رواتب موظفي الدولة، بنسبة 50%. ذلك الرفع للرواتب، حينها، امتصته قرارات رفع الأسعار السابقة له، والتي تراوحت نسبها ما بين 25% في حالة السكر، و100% في حالة الخبز، و170% في حالة المازوت. فكان قرار رفع الرواتب أشبه بتخفيض لقيمة العجز المُستجدة في قدرة السوريين الشرائية، نتيجة رفع الأسعار، وليس زيادة حقيقية لقيمة الأجور.
واليوم، ومع رفع تكاليف حوامل الطاقة، (الغاز والكهرباء)، بنسب تتراوح بين 100% ووصولاً حتى 800% (في حالة الكهرباء الموجهة للصناعيين)، فإن نسبة ارتفاع الأجور المأمولة يجب ألا تقل عن وسطي 350%، أي من 71 ألف ليرة سورية كحد أدنى للراتب إلى 250 ألف ليرة سورية، وذلك كي لا تتراجع القدرة الشرائية للمواطن السوري محدود الدخل، بعد زيادات أسعار حوامل الطاقة الأخيرة. وهو سيناريو يقترب من الاستحالة، إذ حتى لو كان هناك قرار بزيادة الرواتب، بالفعل، فإن نسب الزيادة ستتراوح بين 50% وحتى 100%، كحدٍ أقصى.
وإذا كان وسطي الأجور في القطاع الخاص والعام في المناطق الخاضعة لسيطرة النظام، وفق تقديرات، يتحرك قرب 150 ألف ليرة سورية، فإنه حتى لو تحقق سيناريو رفع الأجور بنسبة 100%، وصولاً إلى 300 ألف ليرة سورية، فإن ذلك الرقم سيبقى بعيداً جداً عن الحد الأدنى للإنفاق الذي تحتاجه الأسر السورية كي تلبي حاجاتها الأساسية، وذلك وفق أكثر التقديرات تفاؤلاً، والتي تذهب إلى رقم 650 ألف ليرة سورية شهرياً. والرقم الأخير، هو ما قبل التضخم المرتقب، إثر الزيادة الأخيرة في أسعار الغاز والكهرباء.
أي باختصار، وفي كل الأحوال، فإن القدرة الشرائية للسوريين، في طريقها نحو المزيد من الانخفاض في الفترة المقبلة. وعلى هذا الواقع، يعلّق أحد المتابعين في صفحة موالية، ما مفاده، أن السوريين يمارسون فعل “الصمود” حقيقةً، لكن هذا “الصمود” ليس ضد المؤامرات الخارجية، بل ضد قرارات حكومتهم، التي تراهن على آخر قطرة صبر في عروق الخاضعين لسيطرتها.
إياد الجعفري _ المدن