طالما كان استمرار وتصاعد العنف الموجه ضد النساء على الصعيدين الشخصي والمؤسسي على السواء، يمكن أن يعزى بشكل كبير إلى الحرمان التقليدي للنساء من المشاركة فى عمليات التنمية واتخاذ القرار. هنالك حاجة إلى إجراء تعديل جذري في النظرة الجماعية للبشرية، كما أن هناك حاجة إلى سن تشريعات توفر تعبيرا عمليا لمبدأ تساوي الجنسين وذلك بتناول المظالم الخاصة التي تواجهها النساء.
إن العنف المنزلي هو واقع حياة بالنسبة للكثير من النساء في سوريا والمنطقة، بغضّ النظر عن الطبقة، والخلفية التعليمية. إن المعتقدات التقليدية في العديد من المجتمعات بمنطقتنا تعتبر النساء عبئا مما يجعلهن أهدافا سهلة للغضب. وفي حالات أخرى، إذا ما انكمش الوضع الاقتصادي أو انهار، يصب الرجال جام غضبهم وإحباطهم على النساء والأطفال. وما يزال العنف ضدّ النساء قائما ومستمرا، لعدم وجود عقاب لمن يمارسونه.
في المعتقدات والعادات
يجب إعادة النظر في المعتقدات والعادات التي تسهم في اضطهاد النساء وقمعهن وذلك في ضوء العدل والإنصاف. وعندما يتم فهمه بطريقة صحيحة، سيؤدي مبدأ المساواة الجوهرية بين الرجل والمرأة إلى تحول في جميع العلاقات الاجتماعية وإلى إتاحة المجال لكل شخص بأن يقوم بتنمية مواهبه ومهاراته الفريدة. إن الاستفادة من نقاط القوة لدى الجميع ستعزز نضج المجتمع. ومع ازدياد تقبل مبدأ المساواة، فإن التحدي المتمثل في نقله إلى الجيل القادم يجب أن يكون مهمة تقع على عاتق الوالدين والمدارس والحكومات والمنظمات غير الحكومية.
إن تعليم القيم المجتمعية العادلة ليس أمرا ضروريا من أجل حماية النساء فحسب، بل في الحقيقة، لتنمية وتعزيز الاحترام لجميع الناس، حتى يتم الحفاظ على عزة الإنسان وكرامته وخلق فكر أخلاقي يعم مجتمعات المنطقة ويدعم ويحافظ على كافة الحقوق الإنسانية.
إن الاتفاقيات الدولية والتشريعات ذات الصلة بحقوق الإنسان على وجه العموم، وحقوق المرأة بصفة خاصة، تؤكد كأصل عام على مبدأ المساواة بين الرجل والمرأة في مجال التمتع بالحقوق وتحمل الالتزامات، بوصفها قد وضعت الأساس الفكري والنظري لحقوق الإنسان وحرياته الأساسية.
لقد اهتمت الاتفاقات الدولية العالمية والإقليمية محل التحليل ببيان حقوق المرأة في الوضعيات المختلفة كأم وكامرأة عاملة معيلة وكلاجئة وكسجينة وكنازحة، فتناولت، من ثم، حقوق المرأة في كل حالة من هذه الحالات على حدة، جنبا إلي جنب مع الأحكام العامة ذات الصلة. ومن أمثلة هذه الاتفاقيات والمواثيق ذات الصلة: العهدان الدوليان للحقوق المدنية والسياسية وللحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية لعام 1966، والاتفاقية الدولية الخاصة بالقضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة لعام 1979، والاتفاقية الدولية المتعلقة بمكافحة الاتجار بالأشخاص واستغلال دعارة الغير لعام 1949، والاتفاقية الخاصة بالحقوق السياسية للمرأة لعام 1952.
فيما يلاحظ، أن الاهتمام الدولي بحماية حقوق المرأة لم يقف عند هذا الحد، أي عند مستوى إقرار المبادئ والقواعد القانونية ذات الصلة؛ وإنما امتد إلى إنشاء أجهزة دولية مستقلة تناط بها مهمة الاضطلاع بمجمل الوظائف والاختصاصات المتعلقة بشؤونهم؛ كهيئة الأمم المتحدة للمرأة، ولجنة مناهضة كافة أشكال التمييز ضد المرأة المعروفة باسم لجنة السيداو، وصندوق الأمم المتحدة الإنمائي للمرأة (اليونيفيم).
حماية حقوق المرأة
إن قضية المرأة لا يجب التعامل معها باعتبارها قضية صراع بين الرجل والمرأة. فالاثنان ليسا خصمين، بل شريكان متضامنان على الدوام. والمرأة تمثل بالنسبة للرجل ليس فقط الزوجة السكن التي يقاسمها الحياة المشتركة، وإنما هي أيضا الأم التي ينحني لها إجلالا وتقديرا، وهي الابنة التي يضحي لأجلها بكل رخيص وغال، وهي كذلك الشقيقة التي يجدها تحنو عليه في وقت الشدة.
إن الالتزام الدولي بحماية المرأة وكفالة حقوقها وحرياتها الأساسية ينطوي على شقين رئيسين، أحدهما ذو طبيعة إيجابية، ويقتضي تحقيق المساواة بين الجنسين وتكافؤ الفرص ومراعاة اعتبارات النوع الاجتماعي، أو ما يسمى المنظور الجندري، في البرامج والسياسات العامة، واتخاذ ما يلزم من تشريعات وتدابير تكفل تمكين المرأة وتحررها من العوز والخوف، أما الشق الآخر، فذو طبيعة سلبية، مفادها: القضاء على كافة أشكال التمييز ضد المرأة والحد من الأنماط المختلفة للعنف القائم ضدها في أغلب المجتمعات. ويتعين القول، إن التمييز المرفوض أو المستهجن، هنا، هو التمييز في معناه السلبي، أي التمييز ضد المرأة القائم لا لاعتبار سوى اختلاف الجنس، أما التمييز الإيجابي في إطار الاعتراف بالاحتياجات النوعية للمرأة والوفاء بمتطلباتها الخاصة، أو ما يعرف بالسياسات التعويضية لصالح امرأة، فهو، عادة، ما يكون مطلوبا في كثير من الأحيان.
إن الحديث عن دور فعال ونشط للمرأة على اختلاف مستويات الحياة الفكرية والاقتصادية في قضايا مجتمعها ومن أجل تأمين حقوقها، يظل غير ذي جدوى كبيرة، إذا اقتصر فقط على بيان المنظومة القانونية الحاكمة له، بل يتعين، كذلك، كفالة الضمانات اللازمة، وبخاصةً القضائية، لحماية هذه الحقوق وكفالة الاحترام الواجب لها وتعزيزها، وترجمتها إلى واقع ملموس على المستوى التطبيقي. أو بعبارة أخرى، يجب أن يتلاحم كل من القانون والقضاء، ويسيران جنبا إلى جنب من أجل كفالة حقوق المرأة واقعا وممارسة.
وفي إطار الوفاء بالتزاماتها الدولية ذات الصلة بحقوق الإنسان من اتفاقيات وإعلانات ومواثيق دولية عالمية وإقليمية، ضمنت عموم الدول في دساتيرها الوطنية أحكاما عديدة وتفصيلية في كثير من الأحيان، بشأن تقرير حقوق الإنسان والمواطن وكفالة الضمانات اللازمة لحمايتها وتعزيزها. كما أردفت ذلك، بسن العديد من التشريعات واللوائح في مختلف المجالات لضمان كفالة هذه الحقوق على المستوى العملي. وقد كانت قضية حقوق المرأة وحرياتها محل اهتمام نام ومستمر، من قبل هذه الدساتير وتلك التشريعات على اختلاف مستوياتها في سلم النظام القانوني للدول كافة.
سيرين شاهين _ الحل نت