يواجه رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو تحديات مصيرية تهدد مستقبله السياسي، في ظل تسونامي كورونا، والمظاهرات التي تطالبه بالتنحي، ويحاول الهروب من أزماته الداخلية بالتفاخر بإنجازاته التطبيعية مع دول عربية، بينما يتهمه الإسرائيليون بـ «تخريب الدولة» وفقاً لمصالحه السياسية.
أزمة سياسية
اتفاقيات التطبيع التي يفاجئ بها نتنياهو الجمهور الإسرائيلي، بين الحين والآخر، والتي هندسها مع حليفه الحميم في البيت الأبيض، في الخليج العربي ومنطقة البلقان، مؤخراً، هي بمثابة طوق نجاة لنتنياهو الغارق بأزمة سياسية تهدد وجوده بالسلطة، وتراجع شعبيته المتآكلة بسبب المظاهرات المستمرة.
يعيش الشارع الإسرائيلي أزمات حقيقية وعميقة، سياسياً واقتصادياً واجتماعياً، بسبب تفرد نتنياهو بالحكم وفشله الذريع في إدارة أزمة كورونا، إضافة للصراع السياسي داخل الحكومة الائتلافية غير المستقرة، وازدياد احتمال الذهاب إلى انتخابات رابعة ولكنه احتمال مؤجل لحين زوال الموجة الثانية (الحالية) من انتشار الفيروس، علاوة على تهم الفساد السابقة التي تلاحقه والمحاكم التي تنتظره.
ويحمّل غالبية الإسرائيليين نتنياهو مسؤولية الفشل في إدارة أزمة كورونا، لأنه تسرع بإعلان الانتصار على الفيروس الشهر الماضي بعد الموجة الأولى من الوباء، حيث فك الإغلاق دفعة واحدة، وليس بالتدريج، كما يقول معارضوه، الأمر الذي تسبب في عودة الوباء مرة أخرى، وبشكل أعنف.
وبدل من استثمار الوقت في تحسين القطاع الصحي ومعالجة آثار الوباء على الاقتصاد، يطل نتنياهو في سلسلة من المفاجآت على صعيد السياسة الخارجية، مدشناً عهداً جديداً أعاد تسميه مراراً وتكراراً أنه عهد جديد في تاريخ إسرائيل، عهد «السلام مقابل السلام» محاولاً إظهار نفسه أنه صانع سلام لا تعرف إسرائيل مثيلاً له، في إشارة إلى أن جميع اتفاقيات السلام السابقة، التي وقعتها تل أبيب مع القاهرة وعمان وما تم الاتفاق عليه في أوسلو إضافة إلى اتفاقيات متعثرة لم تر النور مع نظامي الأسد الأب والابن، جميعها كانت تقوم على مبدأ التفاوض وتضطر إسرائيل بموجبها للتنازل عن أراض احتلتها ودفع أثمان سياسية لتوقيع اتفاقيات سلام في أعلى سقف لها تكون بروتوكولية.
على خلاف ما فعله هو في أقل من شهر بفتح بازار «السلام مقابل السلام» أو «السلام المجاني» إن جاز التعبير، مع دول عربية، وأول المشتركين كانت الإمارات العربية المتحدة وتلتها البحرين التي انضمت إلى اتفاق «إبراهام» من دون تكلفة لمراسم التوقيع أو الدخول في مفاوضات ماراثونية كما حدث في معاهدتي «كامب ديفيد» و»ووادي عربة».
محادثات السودان
وتجري الآن محادثات مع السودان للدخول على الخط، ولكن الخرطوم تحاول التريث بينما تحاول كل من أبو ظبي وتل أبيب وواشنطن إغراءها بتلقي مساعدات مالية، والرقم المعروض الآن هو 800 مليون دولار، تدفع تل أبيب منها 10 ملايين دولار فقط، ووعود من واشنطن بشطب السودان من قائمة «داعمي الإرهاب» ويشير تقرير لصحيفة يديعوت أحرونوت أن القادة السودانيين يطلبون أضعاف المعروض، أي ما بين 3 إلى 4 مليارات دولار.
وتبقى أنظار المطبعين الجدد تترقب انضمام السعودية، الأخت الكبرى لدول الخليج، إلا أن هذه الطبخة لم تنضج بعد رغم كثرة التحركات التي يقودها ترامب وصهره كوشنير لتمهيد الطريق للرياض بدخول البازار التطبيعي، وليس انضمام البحرين الذي ما كان ليحدث لولا موافقة الرياض إلا مؤشراً على قرب التطبيع مع السعودية.
في الواقع ما أنجزه نتنياهو من تحقيق إنجازات على صعيد التطبيع مع دول عربية، لا ينكرها الإسرائيليون على اختلاف مشاربهم، ويصفونها بـ «التاريخية» ولكنهم في الوقت نفسه يتهمونه باستغلال هذه الإنجازات لمصالحه الشخصية التي يخلطها بالمصلحة العامة، لإسكات منتقديه.
ويقول بن كسبيت، أحد أشهر الصحافيين الإسرائيليين، إن اتفاقيات التطبيع مع إمارات وممالك بعيدة، لم نخض معها حرباً أبداً، يستطيع نتنياهو بقدراته الكلامية ومؤتمراته الصحافية الماراثونية أن يصفها أنها «سلام الشجعان» مقدماً نفسه كـ «رقم صعب» في تاريخ السياسة الإسرائيلية، و«لا بديل عنه» كما يراه أتباعه في اليمين العنصري.
بينما تقتضي المصلحة العامة، وسط هذه الأزمات الداخلية التي تعصف بإسرائيل، الحد من حالة الاستقطاب الحاد الذي يعيشه الشارع بسبب سياسات نتنياهو في السنوات الأخيرة، وتركيز الجهود لمواجهة الوباء الكارثي ومحاسبة المسؤولين والفاسدين.
الموجة الثانية
منذ أسابيع تعيش إسرائيل واقعاً أشد وطأةً من الحروب العسكرية السابقة، مع انتشار الموجة الثانية للفيروس، حيث قفز عدد الإصابات إلى نحو 7600 مصاب يومياً، الأمر يضعها في المرتبة الأولى عالمياً من حيث عدد المصابين قياساً إلى عدد السكان. وأمام هذا الواقع فرضت تل أبيب الخميس الماضي سياسة الإغلاق الكامل على جميع مناحي الحياة.
من أجل فرض الإغلاق الكامل الساري حالياً، اضطر نتنياهو لخوض معارك سياسية حادة وسجالات بين معسكرين، حيث يرى معظم الإسرائيليين أن سياسة الإغلاق الكامل ليست حلاً، ويتهمون نتنياهو باستغلال ظروف الوباء لمصالحه السياسية الخاصة، لوأد المظاهرات التي لم تنقطع منذ أربعة شهور، بسبب التداعيات الاقتصادية، ويرفع فيها المحتجون لافتات «أرحل».
لم يكن فرض الإغلاق الكامل -المفروض حالياً وغير المعروف متى ينتهي- سهلاً وكانت أهم القضايا الخلافية التي درات حول الإغلاق هي منع الصلوات ومنع التظاهر، ولذلك أصر نتنياهو والتيار اليميني على فرضه، في حين يرفض المتدينون والمتظاهرون الانصياع للقرار.
ومن جانب آخر يرى معارضو نتنياهو أن إصراره على الإغلاق، ليس إجراءً وقائياً بل يحمل طابعاً سياسياً، وبالإضافة لهدفه منع التظاهرات لإسكات المحتجين على سياساته وفساده، تذهب بعض التحليلات إلى أنه يرغب بتخفيف عدد الإصابات لكي تكون الأجواء مواتية لانتخابات رابعة، لأنه حسب جميع التقديرات الإسرائيلية يرفض تسليم الكرسي لشريكه في منصب رئاسة الحكومة العام المقبل، وفقاً لوثيقة الائتلاف الحكومي بينه وبين غانتس، بعد خسارة الأخير لتحالفه الذي تراجعت شعبيته وتفكك بمجرد دخوله في حكومة ائتلافية مع نتنياهو.
وما بين ضربات كورونا وحفلات التطبيع الخاصة بنتنياهو، يتداول الشارع الإسرائيلي من باب السخرية السياسية: (أن نتنياهو حزم أمتعته وأخذ زوجته «المضروبة» وابنه «البالوعة» وابنه الثاني، وهرب من أجل التقاط صور الانتصار في حديقة ترامب؟ مفلتاً من مسؤوليته عن الدمار الذي زرعه في البلاد والطاعون المتفشي والمستشفيات المنهارة وإغلاق لا أحد يعرف متى وكيف سنخرج منه والاقتصاد الغارق والبطالة الهائلة والتعليم المتعثر والاحتجاجات المستمرة ومحاكمته الوشيكة؟).
ربما تغيب عن التحليلات أن أحد أكثر أوجه التطبيع الحالي حلكة وتضليلا، إنه تطبيع مع نتنياهو شخصياً ومع اليمين العنصري الأكثر تطرفاً ومعاداةً للعرب، ولم يكن مع كل الأطراف السياسية الإسرائيلية كاليسار وأحزاب الوسط الأكثر عقلانية، الذين يرون أن التطبيع الذي يقوده نتنياهو، رغم أهميته، لن يصنع سلاماً حقيقياً ما دامت مصالح الفلسطينيين خارج الحسابات.
لذلك لا ينفك نتنياهو في إطلالته الصحافية المتكررة عن مهاجمة، أركان الدولة العميقة (الإعلام والقضاء) متهمها بمحاولة الانقلاب عليه وتحريض الشارع ضده، لأنها تركز على محاولاته الالتفافية في إدارة الحكومة وفشله في مواجهة كورونا وتهم الفساد، بينما يحاول هو التغطية على هذه الأزمات بانتصاراته الخارجية.
والمراقب لكيفية عقد صفقات التطبيع الحالية، يرى بأنها لم تكن وليدة اللحظة، بل سبقها تطبيع كامل من تحت الطاولة، خاصة بين تل أبيب وأبو ظبي، أدارها وأسس لها نتنياهو بالتعاون مع الموساد، جهاز الاستخبارات الخارجية، من دون إشراك الطبقة السياسية إلا بعد الإعلان عنها، ليضع هذه الإنجازات في سلته لوحده، ويستأثر بحصة الأسد للبقاء في السلطة.
وبذلك يكون التطبيع الإماراتي ولواحقه هدية شخصية من حكام أبو ظبي لنتنياهو لانتشاله من الغرق واستمرار سطوة اليمين العنصري في إسرائيل.
الكاتب: خالد خليل_ القدس العربي