بين عامي 2014 و2020، ازدادت أعداد الأوروبيين المنحدرين من أصولٍ سورية بشكل مطرد، إذ أظهرت بيانات مفتوحة المصدر، جُمعت في ستِ دولٍ أعضاءٍ في الاتحاد الأوروبي خلال الفترة ذاتها، حصولَ ما لا يقل عن 130 ألف سوري على جنسية ثانوية. يعدُّ هذا ارتداداً مباشراً لـما سميَّ بـ”أزمة الهجرة في الاتحاد الأوروبي عام 2015″ حيث سعى 1.3 مليون شخصٍ- معظمهم من السوريين الفارين من عنف النظام والاعتقال التعسفي- إلى الحصول على الحماية الدولية في دولِ أوروبا الغربية.
إضافة إلى ميزاتٍ تتعلق بحريةِ السفر، تضمنُ جوازات السفر الأوروبية للسوريين أعلى درجات الحماية من احتمال العودة القسرية إلى سوريا والتطبيع مع نظام الأسد. في حين تختلف المتطلبات والشروط اختلافاً كبيراً من دولةٍ إلى أخرى، يتعين على بعض السوريين المقيمين في دول الاتحاد الأوروبي الانتظار أكثر من غيرهم قبل التقدم بطلبٍ للحصول على الجنسية.
في السويد وهولندا، حيث تعتبر إجراءات التجنيس من بين الأقل صرامةً في أوروبا، أصبحَ نحو نصف السوريين الذين طلبوا اللجوء بين عامي 2014 و2016 مواطنين أوروبيين. ويختلف الحالُ بعضَ الشيء في دولٍ أخرى كفرنسا وبلجيكا وألمانيا، حيث تسلطُ الأرقام بطيئة الارتفاع الضوء على التناقضات الكبيرة في حصول اللاجئين على الجنسية في دول الاتحاد الأوروبي المختلفة، بخاصة في ما يتعلق بالمدة والشروط التي عليهم استيفاؤها.
عبد الله (30 سنة)، لاجئ سوري معارض للنظام، كان عَمِلَ قبل وصوله إلى السويد في تشرين الأول/ أكتوبر 2014 مع جهات في المجتمع المدني في لبنان لتأمين حاجيات للسوريين المُهجرين داخل سوريا وخارجها. بعدما استوفى بنجاح معظم متطلبات اللغة والاندماج في مدينة مالمو حيث يعيش حالياً، أصبح على وشك الحصول على الجنسية السويدية. وينتظر عبد الله بترقب قرار إدارة الهجرة السويدية حيال طلب الجنسية الذي تقدم به، خصوصاً أنه لم يرَ والدته منذ أكثر من 8 سنوات، حتى عندما تلقى خبر وفاة والده في سوريا قبل أربعة أعوام، لم يستطع زيارة بلاده.
الآن، وبصحبة جواز سفر سويدي، سوف يتمكن عبد الله أخيراً من الذهاب إلى لبنان والالتقاء بوالدته المفجوعة، بفضل إعفائه من تأشيرة الدخول إلى لبنان.
السويد هي الأسرع
منذ عام 2015، حصل 121 ألف سوري آخر كعبد الله على الحماية الدولية في السويد. ومع استيفاء أعدادٍ كبيرة منهم الشروط المطلوبة كمدة الإقامة على الأراضي السويدية وإنهاء دورات الاندماج، أصبحوا مؤهلين للحصول على الجنسية.
يحصل السوريون المقيمون في السويد لسنواتٍ على الجنسية السويدية بمعدلٍ هو الأسرع مقارنة مع بقية دول الاتحاد الأوروبي، إذ يتمتع 72442 مواطناً سورياً الآن بالجنسية وجواز السفر السويدي. كما يُظهر الارتفاع في نسبة السوريين الحاصلين على الجنسية في السويد تشابهاً نسبياً مع حال المواطنين العراقيين [واضحٌ في الرسم البياني أدناه] الذين قدموا إلى السويد سعياً للحصول على الحماية الدولية بعد الحرب التي في بلادهم عام 2003.
اللاجئون في السويد، كبقية اللاجئين المقيمين في دول الاتحاد الأوروبي، يحملون “وثيقة سفر مخصصة للاجئين” تمكنهم من التنقل بحرية بين معظم دول الاتحاد الأوروبي الست والعشرين (باستثناء الجمهورية الإيرلندية). إلا أنه وبمجرد تخطي اللاجئين السوريين الحدود الخارجية للاتحاد الأوروبي، فإنهم يواجهون قيودِ التأشيرة ذاتها المفروضة على حاملي جوازات السفر السورية.
جواز السفر السوري: أغلى ثمناً، وأسوأ مرتبة
منذ عام 2019، جواز السفر السوري الذي يحتل حالياً ثالث أسوأ مرتبةٍ عالمياً وفقَ مؤشر Henley Passport، يُعدُ أغلى جوازِ سفرٍ في العالم، حيثُ يتعين على السوريين الراغبين بالحصول عليه، وبخاصة أولئك المقيمون في البلدان المجاورة لسوريا، دفعَ مبلغ قدرهُ 265 يورو لقنصليات النظام بهدف الحصول على الجواز العادي، وما يصل إلى 705 يورو في إطار الطلبات المستعجلة.
يقول عبد الله إن الجنسية السويدية، إضافة إلى ما تتيحه من مشاركة أوسع في الحياة السياسية في السويد، فهي تُمثل أيضاً “أقصى مستويات الحماية الجسدية والنفسية، مع عدم اليقين المحيط بمستقبل النظام السوري”. بالفعل، لقد توقفت المفاوضات التي تهدف لتحقيق الانتقال السياسي في سوريا بناءً على قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254، وتراجع اهتمام عددٍ كبيرٍ من وسائل الإعلام بالواقع السوري، ليركز على تغطية أخبار عالمية أكثر إلحاحاَ. في 18 آذار/ مارس 2022، زار رئيس النظام السوري بشار الأسد الإمارات العربية المتحدة في أول رحلةٍ له إلى دولة عربية منذ بدء الثورة السورية عام 2011. الإمارات والبحرين كانتا قد قررتا إعادةَ فتحِ سفارتيهما في سوريا في عامي 2018 و2021 على التوالي. وأعرب دول عربية أخرى عن رغبتها بإعادة تفعيل عضوية النظام السوري في جامعة الدول العربية.
بالنسبة إلى اللاجئين السوريين الذين يعيشون في البلدان المجاورة لسوريا، فإن جهود التطبيع المتواصلة مع نظام الأسد تعد أخباراً مقلقة للغاية. فعلى رغم ظروف الحياة المأساوية التي يعانون منها في هذه البلدان، إلا أن غالبيةَ هؤلاء اللاجئين يرفضون العودة إلى سوريا حيث يخشون التعرض للقمع والاضطهاد. لقد وثقت منظمتا “العفو الدولية” و”هيومن رايتس ووتش” انتهاكاتٍ مروعة بحق اللاجئين بعد عودتهم إلى سوريا، بما في ذلك الاعتقال التعسفي، والتعذيب والاغتصاب والاخفاء القسري. في تركيا على وجه الخصوص، يلقي عددٌ متزايدٌ من السياسيين الأتراك اللوم حيال الصعوبات الاقتصادية التي تعيشها البلاد على وجود نحو ثلاثة ملايين سوري في تركيا. ومنذ عام 2013، حصل حوالى 117 ألف سوري على الجنسية التركية، بحسب تصريحات رسمية.
العودة القسرية
من جهةٍ أخرى، تزايد الخوفُ من العودة القسرية إلى سوريا مكتسباً زخماً إضافياً بعد قرار الدنمارك العام الماضي اعتبار العاصمة دمشق “منطقة آمنة”، وهي الدولة الأوروبية الوحيدة التي قررت اتخاذ قرارٍ كهذا. وأدى ذلك، في دولةٍ لم يحصل فيها سوى 93 سورياً على الجنسية الدنماركية بين عامي 2014 و2020، إلى تجريدِ مئاتٍ آخرين من صفة “لاجئ”.
بالنسبة إلى السوريين الحاصلين على الجنسية الهولندية، فلا خطر عليهم بعد الآن من الإعادة القسرية إلى سوريا. يتذكر نائل (26 سنة) حماسته وارتياحه عندما علمَ بالقرار الإيجابي بعد تقدمه بطلب تجنس. “في العاشر من تشرين الأول 2021، تلقيت أروع الأخبار: حصولي على الجنسية الهولندية بعد ستِّ سنوات بالضبط على إقامتي في البلاد”.
ووفقاً لدائرة الهجرة والجنسية الهولندية IND، فإنه يتعين على الراغبين بالحصول على الجنسية الهولندية العيش في هولندا لمدة خمس سنوات متتالية مع تصريح إقامة ساري المفعول، قبل أن يتمكنوا من التقدم بطلب الجنسية وتكلف رسوم الطلب 945 يورو.
خمس سنوات كان يمكن أن تكون كافية لحصول نائل على الجنسية في الظروف العادية، لكن الرد على طلب إقامته الدائمة، التي يُعد الحصول عليها شرطاً أساسياً قبل التقدم بطلب الجنسية، تأخر بسبب جائحة “كوفيد- 19”. وعام 2020، حصل أكثر من 15 ألف سوري على الجنسية الهولندية، بزيادة تصل إلى عشرة أضعاف مقارنة بعام 2015.
يرتفع عدد السوريين الذين يطلبون اللجوء في هولندا بشكل مستمر منذ عام 2013. وعام 2015، بلغ عدد طالبي اللجوء من السوريين حوالى 19 ألفاً، حيثُ تقدم السوريون في هولندا بأكبر عددٍ من طلبات اللجوء، الأمرُ الذي أصبح اعتيادياً هناك لسنواتٍ تلت منذ ذلك الحين.
لا تكافؤ بين دول الاتحاد الأوروبي في منح الجنسية للاجئين
في أجزاء أخرى من الاتحاد الأوروبي، يتوجب على السوريين الانتظار لفترة أطول (واستيفاء المزيد من المعايير) قبل الحصول على جنسية البلد المستضيف. على رغم أن فرنسا ألغت شرطَ تجاوزِ مدة إقامة معينة لجميع اللاجئين على أراضيها، إلا أن عملية التجنيس تتّسم بالبطء، وتعتمد بشكل كبير على عوامل الاستقرار المهني والمالي على المدى الطويل. وفي الآونة الأخيرة في فرنسا، لجأ سوريون مجنسون حديثاً إلى وسائل التواصل الاجتماعي لمشاركةِ أولى تجاربهم على الإطلاق التي تتمثل بالتصويت في انتخاباتٍ رئاسية ديموقراطية. ومع ذلك، فإن آخرين من الذين حصلوا على الحماية الدولية في فرنسا ما زالوا يواجهون عقبات في طريقهم للحصول على الجنسية الفرنسية. بضعة آلاف فقط من السوريين حصلوا على الجنسية الفرنسية خلال سنوات العقد الماضي.
Aujourd’hui, pour la première fois de ma vie, ma voix compte ! Après avoir été naturalisé, je vote! Moi qui vient de Syrie, d'une dictature.
— omar youssef (@omarsouleimane) April 10, 2022
Tellement ému.@2022Elections
ترجمة التغريدة: صوتي مهمٌ اليوم وذلك لأول مرة في حياتي! بعدما حصلت على الجنسية، قمت بالتصويت! أنا من سوريا المعروفة بنظامها الديكتاتوري. يالهُ من شعورٍ مؤثرٍ”.
يُعدُ التقدم بطلب للحصول على اللجوء ممراً إلزامياً لمعظم السوريين كغيرهم من حاملي الجنسيات الأخرى الذين فضلوا البحث عن مأمنٍ لهم في الدول الأوروبية. وعلى عكس حالِ ما يقارب من خمسة ملايين لاجئ فروا من أوكرانيا بعد بدء الغزو الروسي في 24 شباط 2022 الماضي واستفادوا من قرار منحهم الإقامة القانونية الموقتة استثنائياً وتلقائياً في جميع أنحاء الاتحاد الأوروبي، كان على اللاجئين من سوريا الانتظار شهوراً، قبل تلقي الرد حول طلب لجوئهم وما إذا كان سيسمح لهم بالبقاء أم لا.
رفعت زريق هو لاجئ سوري يبلغ من العمر 34 سنة، وصل إلى تورنغن بألمانيا في أواخر عام 2015. ولأنه يجيد اللغة الألمانية، يساعد رفعت الكثير من السوريين الطامحين بالحصول على الجنسية الألمانية في ترجمة أوراقهم ومعاملاتهم. وأوضح رفعت أن “كثراً من السوريين الذين قابلتهم الآن مؤهلون للحصول على الجنسية في ألمانيا لكنهم فشلوا في الحصول عليها بسبب تجاهل مسؤولي الهجرة للخصوصيات المتعلقة بصفتهم كلاجئين”، على حد تعبيره.
في ألمانيا، حيث يتوجب على طالبي الجنسية أن يكونوا قد أكملوا 8 سنوات من الإقامة القانونية في البلاد، فإن أعداد الحاصلين على الجنسية تتزايد ولكن بشكل خجول. فبين عامي 2014 و2020، بلغ عددُ المجنسين من السوريين 22029، وهو رقم من المرجح أن يرتفع في السنوات المقبلة. وتحتل سوريا الآن المرتبة الثانية بعد تركيا بما يتعلق بنسب الحصول على الجنسية الألمانية.
يشير رفعت إلى أن عملية معالجة طلبات الجنسية تختلف من مقاطعة ألمانية إلى أخرى. وفيما يواصل رفعت دراساته العليا في علم الحاسوب، يخشى في حال تقدمه بطلب تجنس- وذلك برغم اقتناعه بأهليته- من أن يتلقى رفضاً من قبل إدارة الهجرة بسبب صفته كطالب.
ويتشابه الوضعُ في ألمانيا مع نظيره في بلجيكا حيث حصل حوالى خمسة آلاف سوري على الجنسية البلجيكية. وعلى رغم أن معالجة طلبات الجنسية في بلجيكا تتطلب الكثير من الوقت بالمقارنة مع بلدانٍ أخرى، فإن سوريا تحتل المرتبة الرابعة بعد المغرب ورومانيا وأفغانستان، من حيث عدد طلباتِ التجنس.
وعلى رغم حصولهم على جوازات سفر أوروبية مصنفة كثالث أقوى وثائق السفر عالمياً، فإن إحدى الوجهات لا تزال بعيدة المنال بالنسبة إلى معظم السوريين مزدوجي الجنسية. يقول نائل إن الحصول على جنسية إحدى دول الاتحاد الأوروبي يترك عقبة واحدة. “إذا عدت إلى سوريا في وقت لا يزال فيه نظام الأسد مهيمناً على معظم جوانب الحياة في البلاد، فسوف يتم اعتقالي فور وصولي”.
محمود نفاخ _ درج