طرحت عملية الإنزال الجوي التي نفذتها مروحيات تابعة للقوات الأمريكية في بلدة أطمة شمالي إدلب، فجر الخميس 3 من شباط، العديد من التساؤلات حول توقيت تنفيذ العملية، ومكان القيادي المستهدف، والتأخير في إعلان الشخصية المستهدفة.
ونفّذ الجيش الأمريكي عملية إنزال جوي على منزل في قرية أطمة الحدودية، تبعها اشتباك استمر لنحو ساعتين بين القوات المهاجمة والمجموعة التي كانت في المنزل.
وقُتل في العملية زعيم تنظيم “الدولة الإسلامية”، عبد الله قرداش، الملقب بـ”أبو ابراهيم الهاشمي القرشي”، وأسفرت العملية عن مقتل 13 شخصًا على الأقل بينهم ستة أطفال وأربع نساء.
إثبات الذات بعد “غويران”
عملية الإنزال جاءت بعد أقل من أسبوعين على هجوم تنظيم “الدولة” على سجن “غويران”(الصناعة) في مدينة الحسكة شمال شرقي سوريا، إذ شهدت الحسكة، في كانون الثاني الماضي، مواجهات عسكرية بين خلايا لتنظيم “الدولة” تسللت إلى محيط السجن الذي يعتبر أحد أكبر السجون التي تضم عناصر وقياديين في التنظيم، ممن اعتقلتهم قوات التحالف الدولي في سوريا خلال عملياتها العسكرية بين عامي 2017 و2022.
واعتُبر الهجوم على السجن اختراقًا أمنيًا كبيرًا قام به عناصر التنظيم منذ سقوطه عسكريًا في معركة “الباغوز” عام 2019.
وقتل عناصر تنظيم “الدولة” 77 شخصًا من العاملين في مؤسسات السجن والحراس، كما قتلوا 40 مقاتلًا من “قوات سوريا الديمقراطية”(قسد)، وأربعة مواطنين، بحسب بيان القيادة العامة لـ”قسد”، في 31 من كانون الثاني الماضي، الذي لم يشر إلى الحصيلة النهائية لقتلى عناصر التنظيم خلال المواجهات.
عملية إنزال “أطمة” جاءت عقب هجوم “غويران” بأيام، رغبة من الولايات المتحدة الأمريكية التي أرادت تأكيد استمرار قدرتها على مراقبة ومتابعة أنشطة قيادة التنظيم وتقويضها في المناطق التي يُعتقد أن بإمكان خلاياه وقادته الاختباء بها، بحسب دراسة أصدرها مركز “جسور للدراسات“، ولا سيما أن عمليات التحالف وعلى رأسها أمريكا ضد “الإرهاب” في إدلب انقطعت بشكل تام منذ أيلول 2021، بعدما أسفرت عن مقتل قياديين من تنظيم “حراس الدين”.
وكانت الولايات المتحدة أعلنت، في أيلول 2021، مسؤوليتها عن غارة جوية بالقرب من إدلب، استهدفت قياديًا في تنظيم “القاعدة” هو “سليم أبو أحمد”، الذي اعتبره المتحدث باسم القيادة المركزية الأمريكية، جون ريجسبي، “مسؤولًا عن التخطيط والتمويل والموافقة على هجمات (القاعدة) العابرة للمناطق”.
ويعتبر “حراس الدين” فرعًا لتنظيم “القاعدة” في سوريا، وهو أبرز الجماعات “الجهادية” الملاحَقة من قبل “هيئة تحرير الشام” صاحبة النفوذ في إدلب شمال غربي سوريا، واعتمدت القوات الأمريكية بمعظم عملياتها على استهداف قياديين أو تابعين للتنظيم من خلال طائرات مسيّرة، دون عمليات إنزال.
أمريكا قادرة والمكان “مكشوف”
تُعتبر عملية الإنزال هي الثانية من نوعها في مناطق إدلب، وخصوصًا في المناطق الحدودية مع تركيا، وأثارت العمليتان اللتان نفذتهما القوات الأمريكية حفيظة السوريين، من حيث قربهما من الحدود السورية- التركية، المرصودة من قبل القوات التركية، وظهور طائرات أمريكية في المنطقة.
العملية التي أنهت وجود “القرشي” ابتعدت حوالي 24 كيلومترًا عن المكان الذي قُتل فيه القائد السابق للتنظيم، “أبو بكر البغدادي”، الذي قُتل في منطقة باريشا شمالي إدلب.
وكانت القوات الأمريكية نفذت إنزالًا جويًا في تشرين الأول 2019، بعملية “خاصة” استهدفت من خلالها “البغدادي”، وكلتا المنطقتين حدوديتان مع تركيا.
الدراسة التي نشرها مركز “جسور للدراسات” بيّنت الحرص “الواضح” على تنفيذ القوات الأمريكية العملية بمفردها دون أي طرف آخر، رغم قدرة القوات التركية على ذلك بمفردها أو بشكل مشترك معها، لا سيما أنها تمّت أصلًا عبر “تنسيق أمني رفيع المستوى”، بحسب مركز الدراسات، عدا أن الموقع الذي قُتل فيه “القرشي” ومن قبله “البغدادي” يقع ضمن مربع أمني للقوات التركية في إدلب.
وأوضحت الدراسة أن قيادة التنظيم كانت تستخدم إدلب ملاذًا آمنًا لها لا منطقة عمليات، رغم وجود نشاط محدود لخلاياه فيها، لكن بعد هذه العمليات تبدو إدلب مكانًا غير آمن لقيادة تنظيم “الدولة”.
وظهرت ردود فعل ساخرة، بحسب ما رصدته عنب بلدي عن تعليقات في “فيس بوك”، بخصوص اختيار “القرشي” مكانًا في أطمة أو غيرها في إدلب، التي استُهدف فيها “البغدادي” سابقًا، بأنه مكان مكشوف.
بصمة في السجل الرئاسي
ساد الترقب لمعرفة الشخصية المستهدفة مواقع ومنصات التواصل الاجتماعي، وظهرت العديد من الأنباء والإشاعات، مثل استهداف قائد “حراس الدين”، “أبو همام الشامي”، واستهداف الناشط البريطاني توقير شريف، الملقب بـ”أبو حسام البريطاني”، لينفي الأخير صحة الأنباء بعد ظهوره في تسجيل مصوّر نفى فيه علاقته بـ”حرّاس الدين”، مؤكدًا أنه بخير، وغير مستهدف في عملية الإنزال.
ومع مرور ساعات على انتهاء العملية الأمنية، رفض مسؤولون أمريكيون الإفصاح عن هوية المُستهدف بعمليتها الأمنية، حتى أعلن الرئيس الأمريكي، جو بايدن، عن مقتل زعيم تنظيم “الدولة الإسلامية”، عبد الله قرداش، الملقب بـ”أبو ابراهيم الهاشمي القرشي”، نتيجتها.
ونتج عن العملية التي قال عنها الرئيس الأمريكي، إن هدفها “جعل العالم أكثر أمانًا”، مقتل 13 شخصًا على الأقل بينهم ستة أطفال وأربع نساء، بحسب “الدفاع المدني السوري”.
مركز “جسور” فسّر هذا الانتظار وظهور بايدن، بأنه حرص على رغبة الأخير بالتسويق للعملية كإنجاز لإدارته، إذ سار بايدن على خطى الإدارة الأمريكية باستهداف القياديين على مبدأ “مكافحة الإرهاب”، بعد خطوات سابقة اتبعها الرؤساء من قبله، إذ ظهر الرئيس السابق، دونالد ترامب، من قبل في عملية قتل “البغدادي” وقتل قاسم سليماني، وظهر الرئيس الأسبق، باراك أوباما، في قتل أسامة بن لادن، وليؤكد الرئيس الحالي إضافة بصمة مشرقة في سجله لإدارة البلاد.
ويسعى بايدن لاستخدام هذا “الإنجاز”، كما وصفته الدراسة، في الانتخابات النصفية المقبلة، في تشرين الثاني 2022، باعتباره إنجازًا رئيسًا لإدارته في محاربة “الإرهاب”، وللتغطية على الآثار السلبية للانسحاب من أفغانستان، بعد أن انسحبت القوات الأمريكية منها في آب 2021.
ودائمًا ما تترافق عمليات قتل قيادات من تنظيمات “جهادية” بارزة بظهور إعلامي واسع، وكلمة للرؤساء الأمريكيين، بعد تنفيذ هذه العمليات التي وُصفت معظمها بـ”الخاصة والدقيقة”، أما العمليات التي تستهدف القياديين من طائرات مسيّرة أو صواريخ موجهة، فتكتفي السلطات بتحديد هوية المُستهدف، دون كلمة أو خطاب رسمي.
وقلّما تنفذ القوات الأمريكية والتحالف الدولي عمليات إنزال جوي في مناطق إدلب، إذ ركّزت هذه القوات على استهداف “جهاديين” منضوين في تنظيم “حراس الدين” بشمال غربي سوريا، إضافة إلى آخرين مستقلين، بإطلاق صواريخ ذكية سواء من الطائرات المسيّرة أو الحربية.
المصدر: عنب بلدي