syria press_ أنباء سوريا
” القبة الحديدية أسقطت صاروخاً فوق أسدود ”.. ” القبة الحديدية فشلت في اعتراض صواريخ حماس فوق تل أبيب فيما نجحت في اعتراض عدد من الصواريخ فوق عسقلان .”
كانت تلك عينة من الأخبار التي تابعها الملايين حول العالم وفي الشرق الأوسط حول أداء منظومة القبة الحديدية الاعتراضية خلال الحرب التي دارت رحاها بين فصائل المقاومة الفلسطينية وفي القلب منها حماس وجيش الاحتلال الصهيوني ودفع الفضول العديد من متابعي النشرات الإخبارية لمعرفة المزيد عن ذلك النظام الدفاعي الذي ملأ الدنيا وشغل الناس .
بدأ التفكير في نظام دفاعي لاعتراض الصواريخ قصيرة المدى خاصة تلك التي تهدد حدود الكيان الصهيوني الشمالية عبر مقاتلي حزب الله في 2004، وكان وقتها اللواء دانيال جولد يترأس مكتب الأبحاث والتطوير الدفاعي بجيش الاحتلال الصهيوني وقدمت له فكرة إنشاء منظومة صاروخية تمنع تهديد صواريخ حزب الله بشكل أساسي أو صواريخ القسام الحمساوية بشكل أقل فحبذ جولد الأمر ونجح في الحصول على موافقة القيادة السياسية المتمثلة في رئيس الوزراء وقتها أرئيل شارون لتحويل الفكرة إلى واقع ملموس .
لكن مع هدوء جبهات القتال بقيت الفكرة حبيسة الأدراج، لكنها قفزت إلى واجهة الأحداث مجدداً بعد نهاية حرب 33 يوماً مع حزب الله بين 12 يوليو و14 من أغسطس 2006 والتي وصلت فيها صواريخ الحزب إلى حيفا تلك المدينة الهامة ذات الميناء الاستراتيجي للمرة الأولى في تاريخ حروب الكيان الغاصب، ما حدا بالقائمين على شئون الكيان الصهيوني لتحويل فكرة المنظومة.
في فبراير 2007 أصدر وزير الدفاع الصهيوني وقتها عمير بيريتس أوامره بالبدء في تصنيع نظام اعتراضي للصواريخ قصيرة المدى بين أربعة كيلومترات وسبعين كيلومتر وأسند تصنيعه لشركة رفائيل للصناعات العسكرية والتي استقر على تسميتها تامير والتي تعني بالعبرية القبة الحديدية بتكلفة مبدئية بلغت 210 ملايين دولار دفعت منهم الولايات المتحدة 205 ملايين دولار .
تكوين القبة الحديدية وتكلفتها
وتكونت هذه المنظمة الاعتراضية من:
1 رادار لرصد الصواريخ المطلقة باتجاه الأراضي المحتلة .
2 برنامج تحكم يتعقب الموقع المطلق تجاهه الصاروخ ليحدد إذا كان مأهولاً بالسكان ومن ثم يعطي الإشارة لتجهيز الصواريخ الاعتراضية للتصدي للصواريخ المعادية.
3 بطارية صواريخ اعتراضية تطلق صاروخاً مضاداً يدمر الصاروخ المطلق .
يمكن للنظام الاعتراضي المناورة كما يسهل تحريكه بما يتوافق مع المواقع المستهدفة بالقصف الصواريخ، وأجريت على النظام الجديد عدة تجارب بين عامي 2008 و2009 وبدأت حكومة بنيامين نتانياهو التي تولت الحكم في مارس 2009 في نشر المنظومة حول قطاع غزة في النصف الثاني من 2010 .
كانت الحكومة الجديدة قلقة للغاية بشأن التكلفة المرتفعة للصواريخ الاعتراضية والتي تتراوح بين 20 و100 ألف دولار للصاروخ أي في المتوسط 60 ألف دولار، فيما تتراوح تكلفة الصاروخ الذي تطلقه حماس بين 300 و 800 دولار أي في المتوسط 550 دولار وتتكلف المنصة الواحدة من تلك المنظومة 50 مليون دولار أضف إلى ذلك عجز المنظومة عن رصد وتدمير الصواريخ قصيرة المدى إذا أطلقت من مسافات قريبة بما يعني تكبد إسرائيل نفقات باهظة دونما فائدة .
جرى تجريب القبة الحديدية في السابع من أبريل 2011،ومن ثم دخلت الخدمة منتصف العام نفسه وجربت بشكل محدود في العاشر من مارس 2012 عقب إطلاق كتائب القسام ذراع حركة حماس العسكري رشقات صاروخية اعترضتها المنظومة الجديدة بنجاح .
حاولت حكومة نتنياهو إصلاح عيوب منظومتها الجديدة من بوابة الراعي الأمريكي، فعرض وزير الدفاع وقتها إيهود باراك خلال زيارته للولايات المتحدة في 17 من مايو 2012 على إدارة باراك أوباما الحصول على تمويل إضافي لتطوير المنظومة الوليدة وكان واشنطن عند حسن ظن طفله المدلل ومنحت إسرائيل 70مليون دولار تحت بند حماية الأمن القومي الإسرائيلي لزيادة كفاءة المنظومة الصاروخية.
حفز الدعم الأمريكي بجانب الكفاءة التي أبدتها القبة الحديدية حكومة اليمين على شن حرب للقضاء على خطر حماس الداهم والتخلص من ترسانتها الصاروخية عرفت باسم عمود السحاب في الفترة بين 14 و21 من نوفمبر 2012، وبالرغم من فشل العملية في تحقيق هدفها الرئيسي إلا أن الكفاءة التي أظهرتها خلال المعركة باعتراضها 421 صاروخاً أطلقتهم حماس جعلت الحكومة الإسرائيلية تتمسك بها أكثر فأكثر حتى وصل ما أنفق على تطوير هذه المنظومة حتى نهاية 2012 ما يربو على المليار دولار .
فاعليتها وأداؤها
بعد نحو عامين أعادت إسرائيل الكرة بحرب أكثر تدميراً أطلقت عليها اسم “الجرف الصامد” واستمرت 50 يوماً وجدت فيها حكومة نتنياهو فرصة لا تعوض خاصة مع تواطؤ نظام الانقلاب في مصر ضد المقاومة من ناحية، ومن ناحية أخرى التعديلات التي أدخلت على القبة الحديدية لكن السحر انقلب على الساحر .
نجح خبراء الأسلحة في حماس في معرفة أوجه القصور في المنظومة الإسرائيلية وكان أهمها – والذي لم تجد معه كل محاولات التطوير- عجز المنظومة عن اعتراض أكثر من صاروخ في الرشقة الواحدة، وخلال الحرب نجحت صواريخ المقاومة في الوصول لعدد لا بأس به من مستوطنات غزة ومدن شمال فلسطين المحتلة حتى تل أبيب العاصمة وإغلاق مطار بن جوريون “مطار الاحتلال الرئيسي” وعقب انتهاء الحرب بهزيمة صهيونية غير متوقعة بدأت التساؤلات تطرح حول كفاءة القبة الحديدية .
نقل نتنياهو مخاوفه للأمريكيين أواخر 2014 الذين لم يتأخروا عن تقديم الدعم المادي للصهاينة بقيمة 235 مليون دولار لضمان أمن وسلامة العائلات الإسرائيلية حسبما ورد على لسان الرئيس الأمريكي وقتها باراك أوباما، واعتقد نتنياهو أنه سيقضي على المقاومة الفلسطينية في أي مواجهة قادمة لكن كان للأقدار رأي آخر.
مع اندلاع معركة “سيف القدس” بين 10 و 20 من مايو 2021 استهدفت صواريخ المقاومة جميع مدن فلسطين المحتلة من أقصى الشمال إلى أقصى الجنوب، وظهر الأداء الدفاعي للقبة الحديدية هزيلاً ما حدا بالحكومة الصهيونية لأن تطلب من مواطنيها البقاء في الملاجئ كلما قصفت المقاومة الأراضي المحتلة ونشرت صحف إسرائيلية قبيل الانتهاء أن فاعلية القبة الحديدية لم تتجاوز 30% خلال تلك الحرب .
يدور الحديث الآن بين القيادات العسكرية والسياسية الإسرائيلية حول ضرورة إيجاد نظام بديل للقبة التي فشلت فشلاً ذريعاً وباتت وصمة عار في جبين الصهاينة نتيجة تضحيات المقاومة الباسلة، وسيسدل عليها الستار كما أسدل على أكذوبة التفوق العسكري الصهيوني التي اتضح أن سببها عمالة الأنظمة وليس بطولة المقاومين كما يدعي الحمقى والخونة.
احمد زكي _ الحقيقة بوست