“نزل الخبر عليّ كالصاعقة”، تقول منيرة (52 عاماً – اسم مستعار) عن لحظة معرفتها بزواج زوجها من سيدة أخرى عمرها 35 عاماً، تكمل: “للوهلة الأولى لم استوعب ولم أصدق، كيف يمكن بعد زواج عمره 27 عاماً أن يتزوج عليّ؟! بالمناسبة نحن لم نتطلق، فاوضته فقط على الاهتمام وبعض العدل في المعاملة، وهو وعدني بذلك، أنا بالنهاية أم أولاده، ولا بأس، مضى على زواجه ذاك عامان، وما زلنا متزوجين، غصة كبيرة بقلبي وكلام أكثر في فمي، ولكن ماذا أفعل؟، هل كان يجب أن اتطلق وأنا سيدة خمسينية؟، أين سأذهب بوجهي من المجتمع، وفوق كل ذلك مشاعر أولادي الذين صاروا شباباً، نحن مجتمع لا يرحم”. وعن سبب الزواج الثاني لزوجها، تكتفي بالقول: “ربما أراد أن يجدد شبابه!”.
منيرة واحدةٌ من آلاف الزوجات اللاتي تزوج عليهنّ رجالهنّ بأخريات لأسباب وظروف متعددة، لعل الحرب أبرزها، الحرب التي تعيشها سوريا منذ أحد عشر عاماً على التوالي، مصدر قضائي قال لـ”النهار العربي” إنّ “نسبة الزيجات الثانية ارتفعت بعد الحرب بنسب غير مسبوقة، ونحن اليوم أمام نسبة تتراوح بين 30 إلى 40 في المئة من مجمل الزيجات في السنوات الماضية، هي للزيجات الثانية”.
ويمكن ربط الأمر بأكثر من سبب منها تأخر الزواج أو ما يعرف بظاهرة العنوسة وهي ما تشكل نحو 60 في المئة من نسبة الزواج الثاني، ولكنّ ليست العنوسة دائماً سبباً، فزوج سماهر لم يتزوج عليها بامرأة تعاني من العنوسة، زوجته الثانية عمرها 24 عاماً، أما سماهر (اسم مستعار) فعمرها 33، وقد تزوجها بحسب ما تقول بعد قصة حب، “أحببنا بعضنا بعضاً لسنتين، ونحن الآن متزوجان منذ خمس سنوات، يكبرني زوجي بسبعة أعوام، ولكن للأسف اتضح لاحقاً أنني لا أنجب، وهو تعرض لكثير من الضغوط العائلية والمجتمعية ليحظى بأطفال، فما كان منه إلا أن تزوج عليّ من سيدة أخرى، لا أدرى إن كان عليّ لومه؟، أم أنّ هذا حقه؟، ولكنّه في الحالين خذلني، خذلني كثيراً، تصرفه هو مطلق الأنانية”.
“لو سألتني عن الجحيم لقلت لك هو الزوجة الثانية، فجأة تشعر بأنّه لم يعد لديك امتيازات، ترى الظلم بعينك، وأن يعدل الزوج بين زوجتين فهذا أمر مستحيل”، تقول أم ماهر (39 عاماً – اسم مستعار)، وتضيف: “حجم معاناتي كبير، زوجي لم ولن يستطيع على الإطلاق أن يعدل بين العائلتين المرتبطتين به، أولادي وأولاد ضرتي يعانون، أنا أدرك ذلك، إنّه مقصر بحقهم”.
وأم ماهر أم لطفلين، صبي يبلغ 12 عاماً وفتاة عمرها ثمانية أعوام، “ربما ملّ مني، ربما أراد تجديد حياته، لا أعرف لماذا تزوج عليّ، لكنّه تزوج، هذه هي الطعنة التي تلقيتها في خاصرتي التي ما زالت تنزف ولكن المجتمع أقوى مني”.
الشرع
“الشرع حلل أربعة” تقول ميادة وتضحك، السيدة الثلاثينية نالت طلاقها قبل أشهر من الآن، حين علمت أنّ زوجها تزوج عليها من سيدة أخرى، “هل كان عليّ أن أخاف من المجتمع؟، أم أن أقول حاضر للشرع الذي يحلل له ثلاثة غيري، ومعي أنا أربعة، فطبعاً أزواجنا من نسل هرقل، أربعة لا تكفيهم وفوقهم ما ملكت أيمانهم”، تأخذ ميادة المتمردة الأمر بسخرية بالغة مؤكدةً أنّها بالنهاية ما كانت لتساوم على كرامتها، “وإن كان لديّ ولد، ماذا يعني؟، هل اتجرع المرارة والإهانة وأصمت؟، أي منطق هذا، فليهنئه الله مع زوجته الجديدة، ولكن بالنسبة اليّ فأنا سيدة حرّة لا تقبل القسمة والمشاركة”.
ومثل ميادة كانت وجهة نظر سونيا التي نالت طلاقها قبل أقل من عام، “صحيح أنّ عمري الآن ثلاثون عاماً، والطلاق في هذا العمر مشكلة، ولكنّه بالتأكيد أفضل من أي وقت لاحق، والأفضل في قصتي أنّه ليس لديّ أولاد، حقيقة لا أعرف لماذا تزوج عليّ؟، ولكني أعرف جيداً أنّه كمثل رجال كثر، لا تملأ عينهم امرأة واحدة”.
معادلة رياضية
التراجع الهائل في عدد الذكور الذين قضت أعداد كبيرة منهم في الحرب، فيما هاجر منهم عشرات الآلاف، هي عوامل بقياسها إلى نسبة ازدياد الإناث في المجتمع قد تخلق فهماً لحالة الزواج الثاني الآخذة بالانتشار أكثر فأكثر، إذ يمكن الحديث عن ازدياد وصل الى نسبة تقارب 60 في المئة للإناث مقابل الذكور، تقابلها نسبة تقارب حدود الـ 70 في المئة للعنوسة في المجتمع، وهي من الأرقام الأعلى في العالم العربي.
علمياً
يقول الخبير الاجتماعي منصور زينة لـ”النهار العربي” إنّ الهجرة واللجوء ومفرزات الحرب عامةً هي ما كرست ظاهرة الزواج الثاني، “لا يمكن إغفال كل تلك الاضطرابات التي نجمت عن الحرب، وهي كفيلة بتدمير أي مجتمع، القصة ليست فقط بتعدد الزوجات، أحياناً الأمر يتعدى ذلك إلى كل ما هو محيط، فالمجتمع بأكمله اليوم مهدد، فالعلاقات الاجتماعية متخلخلة والأسر السورية متهاوية من ناحية ترابطها، وفوق ذلك الهجرة المستمرة التي لم تتوقف حتى اليوم، وهي حرفياً تزداد مع مرور كل يوم في الحرب، وفوق كل ذلك الظرف الاقتصادي القاهر الذي يلف يوميات السوريين”.
ويوضح زينة أن الزواج الثاني غالباً لا تترتب عليه مصاريف قبل إتمامه، “يمكن أن يعقد بأقل مهر ومن دون احتفال، المهم فقط تسجيله في المحكمة وإبراز إشهاره كشرط، والغريب أنّه بعد ذلك تبدأ معاناة تأمين الحياة الكريمة، وما زال السوريون يقعون في الفخ ذاته”.
وفي الإطار يمكن الحديث عن شبه غياب كامل لمنظومات ضمنها المجتمع المدني تتولى مهمة شرح مساوئ الزواج الثاني، ليجد الرجل نفسه هارباً من مشكلة إلى مشكلة أكبر، فالسوري الذي ما عاد قادراً على فتح بيته صار الآن عليه أن يفتح بيتين في واقع اقتصادي يسير إلى الوراء، في حال أقدم على الزواج الثاني لأي سبب أو اعتبار بمعزل عن إمكان تبريره من عدمه.
طارق علي _ النهار العربي