على الرغم من أن المرأة استطاعت أن تقتحم عالم الرجال من أوسع أبوابه، محققةً نجاحات مبهرة، واستطاعت أن تتفوق على الرجل بمجالات عدة، لكننا لا نزال حتى الآن لا نرى نساء كثيرات في مناصب قيادية، وبخاصة في المنطقة العربية ودول العالم الثالث، بل أكثر من هذا، نرى أن تولي امرأة ما منصباً ريادياً يستدعي الاحتفال ويثير الدهشة. قد يعود هذا إلى اعتقاد الرجل كما المرأة، إلى أن النساء رقيقات ضعيفات ولا يستطعن أن يتولين القيادة، وذلك على المستوى الدول الفقيرة والمتقدمة، ولهذا موروثات شعبية ودينية كثيرة، لا مجال لتعدادها الآن.
يقول تقرير لمركز “ويلسون” للأبحاث ومركزه العاصمة واشنطن، ونُشر أوائل عام 2021، حول استلام المرأة القيادة في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، إن “المفاهيم الشعبية بشأن قدرة المرأة على القيادة هي مؤشر رئيس لدرجة السلطة التي ستتمتع بها أثناء توليها المنصب”. حتى عند الأشخاص الذين ليسوا متحيزين “جندرياً”، لكن مع ذلك، يعتقدون أن القيادات النسائية قد تكون ضعيفة وذلك بسبب أن العالم متحيز جنسياً. وهناك مَن يعتقد أن القادة الرجال بالفعل يمتلكون سلطة أكبر، ويريدون أن يتغير ذلك، “لكن هناك نظام ويجب العمل وفقه”. ويعتبر تقرير للأمم المتحدة (مارس/آذار 2019)، أن نسبة تمثيل النساء ارتفعت في المناصب القيادية حول العالم، في البرلمانات والحقائب الوزارية، وفي عدد من البلدان، ولكن هذه النسبة تظل أقل بكثير من مستوى التكافؤ بين الجنسين في أغلب بلدان العالم. ووفقاً لخريطة تمثيل المرأة في الحياة السياسية لعام 2019، بلغت نسبة الوزيرات حول العالم مستوى غير مسبوق، وصل إلى 20.7 في المئة، أي بزيادة قدرها 2.4 في المئة مقارنةً بعام 2017، مع تنوع أكبر في أنواع الحقائب الوزارية التي تشغلها النساء. وبينما زادت الحصة العالمية للبرلمانيات في العالم لتصل إلى 24.3 في المئة، انخفض تمثيل النساء في المناصب القيادية العليا إلى 6.6 في المئة من رؤساء الدول المنتخبين و5.2 في المئة من رؤساء الحكومات.
ثقافة عدم الثقة
تمكنت النساء في العقود الأخيرة من الحصول على حقوقهن، وحققن قفزات جريئة في سعيهن للوصول إلى السلطة، لكن لا يزال المجتمع لا يثق بالقيادة النسائية وهذا ينطبق على المجتمعات المتطورة كما النامية من الهند إلى ألمانيا. وبحسب تقارير وأبحاث كثيرة ما زالت نسبة كبيرة من الشعب تعارض فكرة وجود النساء في مواقع المسؤولية، مع أن هذه النساء تفوز بأصوات الناخبين وبشفافية. واضطُرت الكثير من الزعيمات السياسيات خوض حروب ضد التعليقات التي تسيء لهن بسبب كونهن نساء، وحتى عندما كنَّ في قمة نجاحهن، وباعتراف عالمي، مثلما حصل مع رئيسة الوزراء النيوزيلندية جاسيندا أرديرن التي حظيت بإشادة عالمية لدورها القيادي الفعّال خلال جائحة كورونا.
وبحسب مؤشر “ريكيافيك” الذي يعمل على تقييم المواقف تجاه القيادة النسائية في دول مجموعة السبع، كندا وفرنسا وألمانيا وإيطاليا واليابان والمملكة المتحدة والولايات المتحدة، إضافة إلى الهند وكينيا ونيجيريا، كشف أحدث استطلاعات رأي لديه شارك فيه أكثر من 20 ألف شخص بعض النتائج المفاجئة والمحبطة. ففي اليابان كشفت النتائج أن 38 في المئة من الناس أعربوا عن ارتياحهم لفكرة وجود رئيسة للحكومة أو رئيسة تنفيذية لشركة كبرى. بينما في نيجيريا وكينيا، كانت النسبة 62 في المئة لرئاسة الحكومة. وكان متوسط النسب في مجموعة الدول السبع بالنسبة للوجود النسائي في الحكومة والقيادة السياسية أعلى، وظل ثابتاً تقريباً على مدى السنوات الثلاث الماضية (الاستطلاع نشر أوائل العام 2021)، عند 78 في المئة. وفي ألمانيا، قال 41 في المئة فقط من الأشخاص إنهم يشعرون براحة شديدة لوجود امرأة على رأس الحكومة، على الرغم من المدة الطويلة التي مضت على وجود أنغيلا ميركل في منصب المستشارة. وحول هذه النتائج تقول ميشيل هاريسون، التي تقود القسم العام في شركة “كنتار” لأبحاث السوق وتدير استطلاعات مؤشر ريكيافيك، “إنها مجرد أسطورة أن تتمكن قائدة واحدة من تغيير المجتمع”. كما أنه ليس واقعياً أن نتوقع من قائد واحد (رجل أو امرأة) إحداث تغيير شامل حول أدوار الجنسين”. والمستغرب أن الذكور من فئة الشباب على وجه الخصوص، حول العالم، لا يؤيدون وجود نساء في مواقع قيادية.
وبشكل عام، فإن النظرة السائدة إلى الشخصيات القيادية ما زالت تُحصر في سلوكيات ذكورية نمطية، ما يؤدي إلى تحيز بلا وعي على أساس الجنس، وهذا يظهر حتى من قبل أشخاص يعتبرون أنفسهم تقدميين، بما في ذلك الأجيال الشابة. ويعود ذلك بحسب عالم النفس الروسي فالنتين ميلنيكوف إلى أنه “من السهل على الرجل تقبل وجود قائد ذكر، كما لا يجد صعوبة في الاستجابة لأوامره، لكن وجود امرأة في وظيفة قيادية يُعتبر أمراً بالغ الصعوبة بالنسبة لعدد كبير من الرجال. لذلك، فإنهم يجدون صعوبة في طاعة امرأة. العديد من الرجال يعتقدون أنهم متفوقون على المرأة بشكل آلي، فقط لأنهم ذكور”.
القيادة مرتبطة بمفاهيم الذكورة
تقول إليف شافاق الكاتبة التركية في روايتها “حليب أسود”، “ليس غريباً القول بأن وراء كل عظيم امرأة، فالحب يجعل من النساء ملائكة في البذل والعطاء، والغريب حقاً أن تجدَ خلف امرأة عظيمة رجلاً، هنا تماماً، معنى تطور المجتمع والحياة، تراه وتلمسه خارج الكتب وخارج الكلام”.
في أحد استطلاعات الرأي، حول الحملة الرئاسية الأولى لهيلاري كلينتون في عام 2008، كشفت بعض النتائج المثيرة للاهتمام بخصوص العداء الصريح مقابل العداء الخفي تجاه المرشحات للرئاسة، حيث اعترف أكثر من ربع المشاركين بأنهم يشعرون بالغضب أو الاستياء من فكرة استلام امرأة رئاسة الولايات المتحدة، وذلك عندما طُرح عليهم السؤال مدسوساً بين مجموعة من الأسئلة الأخرى، وكانت هذه النسبة أعلى بكثير مما اقترحته استطلاعات الرأي التقليدية في ذلك الوقت. وفي بحث آخر أُجري عام 2019، كشف أن احتمال إعراب النساء عن تحفظهن بخصوص القيادات النسائية أصبح أكثر من الضعف، كما اختفت الاختلافات بين الجمهوريين والديمقراطيين تقريباً، عندما طُرحت الأسئلة بشكل مقنّع. وحول هذا تقول عالمة النفس في جامعة “نورث وسترن” في إيفانستون في ولاية إلينوي الأميركية، إن “الصورة النمطية عن النساء هي أنهن لا يتمتعن بالكفاءة، ولسن حازمات أو صاحبات سلطة، وأن أصواتهن ليست بالعلو المطلوب، وأنهن صغيرات الحجم نوعاً ما”. ولأن هذه السمات مرتبطة تقليدياً بالذكورة وبصفات القادة، أصبح مفهوم القيادة أيضاً مرتبطاً بمفاهيم الذكورة. وغالباً ما تجد النساء في مناصب قيادية أنفسهن في مأزق مزدوج، فهن يعملن ضمن مجتمعات تتبنى هذه المعايير، لكنهن يخالفنها في الوقت نفسه.
نساء قائدات عبر التاريخ
قد يظن المتابع أن الغرب هو السباق لانتخاب نساء في مواقع قيادية، لكن دولاً في آسيا وأفريقيا سبقت العالم الغربي بتولية نساء في مناصب قيادية، ويعدد موقع “بيغ ثينك” (Big Think) الأميركي، 15 امرأة من الأقوى في التاريخ والأكثر نفوذاً وإحداهن قتلت أبناءها من أجل الحكم.
زنوبيا (240-275)
كانت زنوبيا ملكة تدمر في سوريا وقادت تمرداً على سلطة الإمبراطورية الرومانية في القرن الثالث. وغزت مصر والأناضول ولبنان ويهودا الرومانية، وعلى الرغم من هزيمتها في النهاية على يد الإمبراطور الروماني أوريليان، إلا أن شجاعتها منقطعة النظير جعلت منها واحدة من أقوى النساء الحاكمات في التاريخ.
كليوباترا (69-30 ق.م.)
كانت آخر الفراعنة الذين حكموا مصر البطلمية، وكانت معروفة بذكائها الشديد وعملها على تحسين مكانة بلادها واقتصادها. وهي مشهورة أيضاً في الثقافة الشعبية بعلاقتها العاطفية بالزعيمين الرومانيين يوليوس قيصر ومارك أنتوني.
راني لاكشميباي (1828-1858)
كانت ملكة ولاية جانسي في الهند، وإحدى قادة الثورة الهندية التي اندلعت عام 1857، والمعروفة أيضاً باسم حرب الاستقلال الأولى للهند ضد الحكم البريطاني. أصبحت راني لاكشميباي، التي يُشار إليها باسم “جان دارك الهندية”، رمزاً للمقاومة إثر قيادتها الجيش في المواجهات المباشرة الأولى مع المحتلِّين.
جان دارك (1412-1431)
“جان دارك” بطلة فرنسية يعتبرها الكاثوليك قديسة بسبب الوحي الإلهي الذي كانت تدعيه. حشدت القوات الفرنسية لهزيمة الإنجليز في معارك عدة أبرزها معركة أورليان، لكن انتهى بها الأمر أسيرةً بيد الإنجليز الذين حاكموها بتهمة الهرطقة وأحرقوها وهي على قيد الحياة. وقد جعل منها إيمانها الثابت ودورها في تحرير الفرنسيين من الغزو الإنجليزي أسطورة.
بورتي يوجين (1161-1230)
زوجة جنكيز خان وملكة الإمبراطورية المنغولية، إحدى أكبر الإمبراطوريات في التاريخ. كانت أكثر مَن يثق بهم جنكيز خان من بين مستشاريه وحكمت أرض المغول لفترات طويلة عندما كان زوجها يخرج للحرب.
أنديرا غاندي (1917-1984)
أول امرأة تتولى رئاسة الوزراء في الهند، وهي الوحيدة وتولت هذا المنصب، أربع فترات بين عامي 1966-1984. وكانت شخصية مثيرة للجدل لكنها شديدة القوة، إذ انتصرت في حرب مع باكستان، نتج منها إقامة دولة بنغلادش. وقُتلت على أيدي حراسها الشخصيين الذين ينتمون إلى طائفة السيخ بعد أن أصدرت أوامرها بمداهمة معبدهم المقدس خلال تمرد قبل 4 أشهر من مقتلها.
مارغريت تاتشر (1925-2013)
كانت رئيسة وزراء المملكة المتحدة بين عامي 1979 و1990، وأول امرأة تتولى هذا المنصب. وتُعتبر فترة توليها هذا المنصب الأطول في القرن العشرين، وقد لقبها السوفيات بـ”المرأة الحديدية” بسبب عنادها، وقد فازت بالدعم الشعبي بعد انتصارها على الأرجنتين في حرب جزر الفوكلاند عام 1982.
ثيودورا (500-548)
كان لهذه الإمبراطورة نفوذ كبير في الإمبراطورية البيزنطية وكانت قديسة الكنيسة الأرثوذكسية الشرقية. تزوجت من الإمبراطور جستنيان الأول، وكانت أكثر مَن يثق بهم من مستشاريه واستغلته لتحقيق أغراضها، فسيطرت على الشؤون الخارجية والتشريعات، ولجأت إلى العنف لقمع أعمال الشغب، وناضلت من أجل حقوق المرأة، وتمرير قوانين مكافحة الاتجار بالبشر، وتحسين إجراءات الطلاق.
الملكة فيكتوريا (1819-1901)
كانت ملكة المملكة المتحدة، وحكمت الإمبراطورية البريطانية الواسعة التي امتدت في أنحاء ست قارات على مدار 36 عاماً، وهي -فيكتوريا- صاحبة ثاني أطول فترة حكم في تاريخ البلاد (تعود أطول فترة حكم على الإطلاق للملكة إليزابيث الثانية الحالية). وكان حكمها حاسماً للغاية لدرجة أن أُطلق على هذه الفترة اسم “العصر الفيكتوري”. وفي ظل حكمها، انتهت العبودية في أنحاء المستعمرات البريطانية كلها ومُنح معظم الرجال الحق في التصويت. كما أجرت فيكتوريا إصلاحات تتعلق بظروف العمل وقادت تغييرات ثقافية وسياسية وعسكرية مهمة في إمبراطوريتها.
الإمبراطورة الأرملة تسيشي (1835-1908)
كانت أم الإمبراطور الصيني والوصية، وحكمت الصين فعلياً لـ47 سنة، بدايةً من عام 1861 حتى 1908. أجرت هذه الإمبراطورة إصلاحات تكنولوجية وعسكرية، وأصلحت الفساد البيروقراطي، وأيدت الاتجاهات المعادية للغرب، بما في ذلك ثورة الملاكمين التي قامت عام 1899 وانتهت في عام 1901.
إمبراطورة النمسا ماريا تيريزا (1717- 1780)
كانت إمبراطورة هابسبورغ وحكمت 40 سنة، وسيطرت على جزء كبير من أنحاء أوروبا، يشمل النمسا والمجر وكرواتيا وبوهيميا وأنحاء من إيطاليا. وكان لها 16 طفلاً، صاروا هم أيضاً عناصر قوة أساسية، مثل ملكة فرنسا وملكة نابولي وصقلية وأباطرة الرومان العظام. وتُعرف الإمبراطورة ماريا تيريزا بإصلاحاتها في مجال التعليم، كأن جعلته إلزامياً، واسست الأكاديمية الملكية للعلوم والأدب في بروكسل، ودعمت الأبحاث العلمية.
حتشبسوت (1508-1458 ق.م)
كانت فرعونة مصرية قديمة، وتُعد واحدة من أنجح الحكام في بلادها. وقد أشرفت على مشروعات بنائية رئيسية، وحملات عسكرية إلى النوبة وسوريا وبلاد الشام، وأعادت بناء شبكات التجارة المنقطعة.
الإمبراطورة كاثرين العظيمة (1729-1796)
عُرفت أيضاً بـ”كاثرين الثانية”، وهي بلا شك إحدى أشهر نساء العالم في التاريخ. وُلدت كاثرين الثانية في بولندا، وبصفتها أميرة ألمانية، ووصلت إلى حكم روسيا من خلال الزواج، وظلت تحكمها لـ 34 عاماً (بخاصة بعد أن دبّرت الإطاحة بزوجها وتولت السلطة بالكامل). وكانت مسؤولة عن أعمال “بطرس الأكبر” في تحديث روسيا، وجعلها أكثر تماشياً مع الأفكار التنويرية الغربية. كما هزمت الإمبراطورية العثمانية في حربين كبيرتين ووسّعت الإمبراطورية الروسية لتمتد في أنحاء ثلاث قارات (بما في ذلك استعمار ألاسكا). وأرست كاثرين الثانية إصلاحات تشريعية، وأخمدت تمرد بوغاتشيف الخطر، واشتهرت بحياة شخصية جريئة. وتوصف فترة حكمها بالعصر الذهبي للإمبراطورية الروسية.
الإمبراطورة وو شتيان (624-705)
كانت الإمبراطورة الأنثى الوحيدة في تاريخ الصين، وقد عاشت خلال فترة سلالة تانغ الحاكمة. ويشتهر حكمها بتمدد إمبراطورية الصين والازدهار الاقتصادي والإصلاحات التعليمية. ويُعرف عنها أيضاً مناصرتها للبوذية. وكان لها منتقدوها الذين اتهموها بالقسوة والوحشية، ربما لدرجة قتل ابنتها وابنها ضمن مؤامرة سياسية.
الملكة إليزابيث الأولى (1533-1603)
كانت واحدة من أقوى الملوك الإنجليز على الإطلاق. لم تتزوج إليزابيث الأولى أبداً وسُميت “الملكة العذراء”، وقد هزمت الأرمادا الإسبانية وحكمت بنجاح لفترة طويلة امتدت من عام 1558 إلى 1603 وهي الفترة التي عُرفت بـ “العصر الإليزابيثي”. وقد شجعت بصفتها ملكة وآخر فرد في سلالة تيودور الحاكمة على تغييرات ثقافية رئيسية مثل النهضة وتحول إنجلترا إلى دولة بروتستانتية.
سوسن مهنا _ اندبندنت عربية