رغم فقد الوطن والمعيل والأملاك ، تخوض المرأة السورية غمار العمل في الشتات وهي تواقة للانخراط في الحياة المهنية، تنحت الصخر وتستعيد مكانها، آخذة على عاتقها كل المسؤوليات متحدية التمييز والعنصرية والمحسوبية لإثبات وجودها في المجتمع التي تأصل بها، وقائم على استمرار صمودها في زمن الحروب والأزمات.
العمل من المنزل بعد التخلي عن سوق العمل
رزان العشي (43عاما)، خريجة تجارة واقتصاد كانت تعمل محاسبة لمدة 14 سنة في غرفة تجارة دمشق، لكن بسبب الحرب لجأت رزان مع أسرتها إلى تركيا لتبدأ حياة جديدة، إذ لم يكن الحصول على عمل بالأمر السهل بالنسبة لرزان لا سيما وأنها أم لابنتين، لكن شغفها للطبخ وتحضير الطعام بأصناف مختلفة، دفعها لبدء مشروع مطبخ منزلي بإمكانيات بسيطة منذ خمس سنوات بدعم صديقاتها وزوجها، إذ بدأت صناعة تجربة الحياة باسم رزان تلمع شيئا فشيئا، اجتذبت بنَفَسها الطيب ومذاق أطباق مطبخها الشامي الشهي، زبائنها الذين اعتادوا على مذاق وجباتها التي تنافس بعض المطاعم في ولاية غازي عنتاب التركية، وتطمح في المستقبل أن توسع مشروعها وتعكف على افتتاح مطعم خاص بها تلبي رغبات كافة الزبائن التي بات مطبخها وجهتهم لتناول أي طبق على اختلاف محافظاتهم، وتعتقد العشي أن الفرص المقبلة بالنسبة لها أن تفتتح مطعم في المستقبل وتحافظ على نفس الجودة التي اشتهرت بها، فتركيا تدعم المشاريع الناشئة برؤوس الأموال الصغيرة لتكبر في المستقبل لتحسين مستوى الحياة وفق قولها.
بأمل صغير تَحققّ المشروع
ضياء الشواف 26 سنة، تقيم في تركيا منذ خمس سنوات، تخرجت من الجامعة في الأردن قسم دراسات التنمية البشرية، بدأت رحلة البحث عن فرصة في تركيا، يرافقها سعي دؤوب لتكون شخصية ذات تأثير سواء على المستوى الشخصي أو العائلي أو السوري في تركيا وكونها أصبحت أم، كانت فرصة الوظيفة ضعيفة بالنسبة لها، وتقول مضيفة “أنصح كل امرأة إذا كانت تمتلك نقطة أمل صغيرة، أن تبدأ بأي مشروع خاص أفضل من الوظيفة”.
قررت ضياء أن تعمل في مجال الأبحاث العلمية معتمدة على مصادر موثوقة وكتب وموسوعات، تخص الإنسان من شأن أن تساعده في فهم وإيجاد البوصلة وكل الإجابات التي تجول استفساراتها في داخله أو التي تواجهه في حياته، وتكرس جل بحثها حول المشاكل التي تواجه المرء سواء على مستوى العائلة مثل (الابتزاز العاطفي) أو ظواهر مجتمعية متل (التنمر أو اليأس)، إذ يبدأ الحل عبر زيادة معلومات الفرد حول كل شيء يشعر به ويجعله أولا مندمجا مع ذاته أكثر ويتقبلها، وبالتالي يستطيع الاندماج مع المجتمع مهما كان مختلف عنه.
ومن هنا برأي ضياء تبدأ حلول كل المشاكل التي تواجهنا في المجتمع، عبر التوعية (التقبل) بأن كل شيء ممكن أن تراه بأي مكان بالعالم يخضع لظاهرة التقبل، وأن الاختلاف هو طبيعة موجودة وحقيقة لا يمكن إنكارها.
مشروع ضياء متواجد عبر وسائل التواصل الاجتماعي، كـ “يوتيوب” و”إنستغرام” وهو عبارة عن أبحاث علمية على شكل فيديو، وتأمل ليتحول يوما ما على أرض الواقع أقرب للندوات والمؤتمرات، موضحة أنه “ليس المهم بالضبط كيف تبدأ المشروع، بل أن تكون معجب بمشروعك، وتؤمن به لتتمكن من استكماله رغم أي مشكلة عم تواجهها”.
وتشير ضياء أن في البداية كان هناك صعوبة في التفاعل من قبل الناس، كون المحتوى ليس ترفيهيا، لكن بعدها أصبح التفاعل يزداد شيئا فشيئا، وبدأت الناس تراسلها للحديث عن أشياء تحدث معهم دون معرفة الأسباب ليحصلوا على المعلومات.
أما نضال الشيخ فكانت الأمور في البداية بالنسبة لها، صعبة جدا، إذ لجأت إلى تركيا واليأس يرافقها، إلا أنها شعرت أن عائلتها تحتاجها، عندها قررت أن تكون أقوى وسند لأسرتها. تغلبت نضال على الظروف الصعبة التي مرت بها، وأثمرت اللقاءات التي كانت تجمعها مع نساء سوريات للتطلع نحو تمكين المرأة في مواجهة تحديات الغربة، وأسست مع صديقاتها منظمة نسوية تهتم بشؤون “المرأة والطفل، في تموز/يوليو 2016، في ولاية أورفا التركية، كما رشحت نضال لتكون مديرة الجمعية التي من خلالها يتم إعادة تأهيل الأطفال وإعداد برامج لمناهضة العنف ضد المرأة، وتقديم كل ما لديهن من خبرات لتأهيل ودعم النساء، وقد تم تحقيق عدة إنجازات يشهد لها سوريون بحسب وصفها.
شغف العمل
تعمل نضال الآن مديرة منظمة بشكل تطوعي، كما عملت سابقا مُدرّسة في تركيا بالمدارس السورية المؤقتة مدة سنتين، وفي المدارس التركية مدة ثلاث سنوات وتم إنهاء العقد مؤخرا.
تجد أن الفرص المتاحة لها للعمل في المستقبل بتركيا هي التدريس لاسيما أنها خريجة كلية تربية عام 2002، وكانت رئيسة قسم في جامعة “الفرات”. تابعت دراستها في التعليم المفتوح قسم إدارة أعمال 2010، لمدة سنتين قبل أن تنزح من مدينتها عام 2012، تنقلت بين عدة مدن سورية لغاية عام 2015.
بدورها تحدثت الأخصائية الاجتماعية، صبا الويس لموقع “الحل نت”، أن ظروف الحرب أجبرت ملايين السوريين على الهجرة والنزوح، ولاسيما المرأة مع ما رافقها من صعوبات اقتصادية واجتماعية ونفسية. منهن من تعرضن لأشكال عديدة من الاستغلال، مثل الزواج القسري والحرمان من الخدمات الأساسية التي من بينها الرعاية الصحية والتعليم والقدرة على المشاركة المجتمعية، خاصة اللواتي اضطررن إلى السكن في المخيمات، بعيدا عن الأهل والحماية، وهو ما عرضهن للقلق والخوف ومحاولات التحرش بهن.
لذا توجب عليهن تجاوز أي موروثات اجتماعية أمام هول المسؤولية ولاسيما فقدان المعيل مع الأخذ بعين الاعتبار نسبة المعتقلين والمغيبين قسريا وأصحاب الإعاقة الدائمة، فانطلقت المرأة لسوق العمل والمثابرة والدخول لعالم المجتمع المدني الذي ساعدها على سلك الطرق المؤدية لاستثمار جهودها وفكرها وثقافتها، وكذلك تقديم الخدمات لها من الناحية الاقتصادية والفكرية وتمكينها منها لحمايتها من عواقب الاستغلال.
رهام بحري _ الحل نت