سيريا برس _ أنباء سوريا
تتواصل الاحتجاجات في مناطق الشرق السوري ضد ممارسات مليشيات “قوات سورية الديمقراطية” (قسد)، خصوصاً ما يتصل بالتجنيد الإلزامي في صفوفها، وهي القضية التي تثير قلق الأهالي، وتجعل سيطرة “قسد” على مناطقهم ثقيلة الوطأة، على نحو يُذكر بسيطرة النظام وملاحقاته الأمنية.
وتصاعدت هذه الاحتجاجات مع نهاية العام الماضي، بعد تكثيف “قسد” حملات الدهم والاعتقال، بحثاً عن الشبان المطلوبين للخدمة الإلزامية، وإعلان “مركز الانضباط”، التابع لها، قائمة أسماء، تضم عدداً كبيراً من العاملين في دوائر “مجلس دير الزور المدني”، وذلك لسوقهم للتجنيد الإجباري ضمن صفوف ما يسمى “قوات الحماية الذاتية”.
وقامت الشرطة العسكرية، التابعة إلى “قسد”، بإرسال قائمة أسماء، تشمل العاملين في قطاع التعليم من مواليد العام 1990 وما فوق، للالتحاق بالخدمة الإجبارية، مهددة إياهم بالفصل في حال تخلفهم.وأثارت هذه القائمة امتعاض الأهالي، الذين توالت تظاهراتهم الاحتجاجية، في العديد من مناطق محافظة دير الزور، وخصوصاً من العاملين في مجال التعليم، الذين قدم بعضهم استقالتهم رفضاً لحملة التجنيد الإجباري.
واعتقلت “قسد”، خلال الأيام الأخيرة، عشرات المعلمين خلال حملة أمنية في جنوب محافظة الحسكة بهدف تجنيدهم في صفوفها. كما فصلت “هيئة التربية والتعليم”، التابعة لـ “الإدارة الذاتية” في قسد، عشرات المعلمين من وظائفهم، بسبب عدم استجابتهم لطلب الالتحاق بصفوف المليشيات لتأدية الخدمة الإجبارية.
وقال معلم في دير الزور، لموقع “العربي الجديد”، إن محاولة تجنيد المعلمين مرفوضة، وقد استقال الكثير منهم لكي يتجنبوا الخدمة العسكرية، و”لا أحد يريد الالتحاق بالخدمة التي تفرضها قسد على الموظفين لديها، مستغلة حاجتهم للعمل”. وأشار إلى أن “قسد” غالباً ما تضع أبناء دير الزور في الصفوف الأمامية لأي معركة.
ولا تخص قرارات التجنيد الإلزامي العاملين لدى مؤسسات “قسد” فقط، بل تشمل مجمل الشبان، الذين يحاول بعضهم تجنب اعتقالهم من جانب دورياتها، من خلال ترك أعمالهم والاعتكاف في منازلهم، وهو ما يفاقم من أوضاعهم المعيشية.
وفي هذا السياق، قال “فراس م”، وهو بائع متجول لـ”العربي الجديد”، إنه لم يذهب للعمل منذ أيام خشية التعرض له في الطريق، أو العمل، من جانب القوات الأمنية التابعة إلى “قسد”، الأمر الذي يفاقم من وضعه الاقتصادي المتدهور أصلاً بسبب ضعف الحركة في السوق على خلفية وباء كورونا.
وأشار إلى أن العديد من الأشخاص ممن يعرفهم جرى سوقهم للتجنيد الإلزامي، وهو لا يريد الالتحاق بالتجنيد كونه المعيل الوحيد لأسرته، كما أنه لا يريد أن يكون مقاتلاً مع أي طرف.
وأوضح أن الشبان في العديد من مناطق سيطرة “قسد” يجب عليهم الحصول على دفتري خدمة إلزامية، واحد من النظام، والثاني من “الإدارة الذاتية”، وهو ما يجعل الهجرة إلى العراق أو تركيا الخيار الوحيد المتبقي للعديد من الشبان لكي يتجنبوا الالتحاق بالخدمة العسكرية.
وتشير معطيات إلى أن أجهزة “قسد” الأمنية اعتقلت في الآونة الأخيرة، ضمن مناطق سيطرتها في دير الزور والرقة والحسكة، أكثر من 4000 شاب وفتاة، غالبيتهم من محافظة الحسكة، وذلك لسوقهم إلى التجنيد الإجباري.
ورأى شلال كدو، عضو الائتلاف الوطني السوري عن المجلس الوطني الكردي، وسكرتير حزب اليسار الديمقراطي الكردي في سوريا، في حديث مع “العربي الجديد”، أن سياسة التجنيد “أدت إلى تهجير عشرات، وربما مئات الآلاف من الأشخاص، من تلك المناطق.
والمجلس الوطني الكردي طالب، منذ البداية، بوقف هذه السياسة التي أدت إلى إفراغ بعض المناطق جزئياً من سكانها”. وأضاف كدو “نحن لا نرى أي مبرر لهذه السياسة.
وطالبنا مرات عديدة خلال المفاوضات بيننا وبينهم بوقفها. وسوف نواصل الضغط لوقف هذه السياسة التي تقود إلى تهجير الناس من مناطقهم”.وكانت “قسد” أوقفت التجنيد الإجباري مطلع إبريل/نيسان الماضي، بسبب تفشي وباء كورونا في صفوف عناصرها. وعادت واستأنفت هذه الحملات بداية يوليو/تموز الماضي.
وحددت قرارات سابقة لـ”قوات سورية الديمقراطية”، مطلع العام 2020، سن الأشخاص المطلوبين للتجنيد الإجباري في صفوفها بمواليد 1 /1/ 1990 وما بعد ذلك، كما أنها تشمل العناصر الذين تم تجنيدهم قبل صدور القرارات.
ولم يذكر البيان العمر الأدنى للتجنيد، المعروف بـ18 سنة، وسط اتهامات كثيرة لـ”قسد” بمواصلة تجنيد الأطفال.واتهمت منظمة “هيومن رايتس ووتش”، في أغسطس/آب 2018، “قسد” بزيادة وتيرة تجنيدها للأطفال خمسة أضعاف، مشيرة إلى استهدافها أطفال النازحين في المخيمات بغية تجنيدهم في صفوف قواتها.
وسبق أن حددت “الإدارة الذاتية” مواليد المطلوبين في محافظات الحسكة والرقة ودير الزور، بمواليد 1986 وما بعد، بينما اختلفت هذه الأعمار في مدن الرقة والطبقة وعين العرب ومنبج.
وعدلت “قسد” منتصف العام 2019 قانون التجنيد الصادر في 2015، والقاضي بإلزام شاب واحد من كل عائلة بالخدمة لمدة ستة أشهر، باستثناء الطلاب والابن الوحيد، ومن له شقيق متطوع في صفوفها، ليشمل القانون الجديد جميع الشبان المقيمين في مناطق سيطرتها منذ أكثر من خمسة أعوام.
ورأى متابعون أن سياسة التجنيد الإلزامي التي تتبعها “قسد”، حتى للعاملين لديها، تأتي في سياق مساعيها لزيادة أعداد مقاتليها، وذلك عقب التهديدات التركية باقتحام منطقة عين عيسى شمالي الرقة.
ورأى الناشط أحمد العيسى من ريف دير الزور، في تصريح لـ”العربي الجديد”، أن “قسد” تحاول أيضاً التأكيد على فكرة أنها إدارة متكاملة، مدنية وعسكرية، وأنها تعمل على تشكيل “نواة دولة” أو حكم ذاتي، ما يلزم تطبيع الناس على هذه الفكرة، لتكون مستقبلاً بديلاً عن النظام في تعاملها مع المدنيين على صعيدي الحقوق والواجبات.
وأشار إلى الشروط التي وضعتها “قسد” خلال تفاوضها مع النظام بضرورة أن يعترف بها، ويبقي على قواتها ككيان منفصل ضمن جيشه، بوصفها المسؤولة عن حفظ الأمن في مناطق سيطرتها.
وأضاف العيسى أن “قسد” تستفيد من سياسة الخدمة الإلزامية أيضاً لناحية ضغط النفقات، لأن راتب المجند إلزامياً لا يزيد عن ربع راتب المتطوع. لكنه رأى أن هذه السياسات ستقوض الاستقرار في المنطقة، وتوسِع الفجوة بين “قسد” والأهالي، ما قد يفاقم من الاحتجاجات والصدامات بين الجانبين.
المصدر: العربي الجديد